العدد 76 - اقليمي
 

سليم القانوني

تعود ظاهرة الأسلمة السياسية المتطرفة في الجزائر، إلى مطلع عقد تسعينيات القرن الماضي عقب الوقف المؤقت للمسار الديمقراطي، حين جرى استغلال ذلك الحدث لإطلاق أوسع حملة من الأعمال الدموية، التي استهدفت «رموز» الدولة بمن في ذلك رجال الشرطة وصغار الموظفين، جنباً إلى جنب مع استهداف المدنيين والأجانب. وقد التصقت تلك النشاطات في بادىء الأمر بـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» وهي التنظيم الذي فاز في تلك الانتخابات الموقوفة.

وقد نأت الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية تباعاً بـ«نفسها» وبخاصة جبهة الإنقاذ برئاسة عباس مدني عن تلك الجماعات وممارساتها، بما أفقدها أي غطاء سياسي. مع ذلك تمكنت هذه الجماعات ذات المسميات الجهادية والسلفية المختلفة، من حصد أرواح عشرات الآلاف من الجزائريين، وترويع المجتمع، وتهديد الدولة طيلة أكثر من عقد، قبل أن تأخذ في التراجع نتيجة افتقادها لأي احتضان شعبي وتسويغ سياسي أو تغطية حزبية.

صعود تنظيم القاعدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001 منح التنظيمات الجزائرية المسلحة فرصة للانتعاش، باعتبار تلك الجماعات ذات ريادة في العنف الأعمى وتكفير المجتمعات واستهداف غير المسلمين.. علماً بأنها تستهدف المسلمين أولاً حيث الإسلام هو دين 99 بالمئة من الجزائريين. على أن السلطات كانت في الأثناء قد راكمت خبرات عسكرية واستخبارية، في مطاردة هذه المجموعات التي تساقط العديد منها، وانبعث عدد آخر نتيجة انشطارات متلاحقة في بنية المجموعات والكتائب المسلحة.

شهد أيلول/سبتمبر من العام 2006 تطورا بالغ الأهمية،وذلك بالتلاقي بين تنظيم القاعدة و«جماعة الدعوة والقتال السلفية»، وذلك في ضوء إنجازات القاعدة في العراق وأفغانستان، وباتت الجماعات الرئيسية في الجزائر تنضوي تحت ما سمي حينها بـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وقد تمكنت هذه الأممية الجديدة من القيام بتفجيرات في المغرب إلى جانب الجزائر،وقد دفع هذا التطور الجارين المتنافسين لتعاون أمني وثيق بينهما لمكافحة هذه الجماعات، فضلاً عن نتائج «الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب» التي شملت غالبية دول العالم بما فيها دول المغرب العربي.

صيف العام الماضي 2008 شهد تفجيرات انتحارية كبيرة في الجزائر، شملت العاصمة ومناطق مختلفة قي شرق البلاد أودت بحياة المئات وجرح مئات آخرين. وثارت مخاوف واسعة من تجدد هذه الظاهرة التي كانت شهدت من قبل انحساراً ملحوظاً. غير أنه بالربط مع نشاط القاعدة في دول أخرى، فإن الصعوبات المتزايدة التي أخذت القاعدة تواجهها في العراق، بيّنت أن تلك الصعوبات هي ما دفعت القاعدة على طريقة الأواني المستطرقة للبحث عن ملء الفراغ في أمكنة أخرى مثل: الجزائر وباكستان، حيث نشطت القاعدة في البلد الإسلامي الآسيوي في التنسيق مع جماعات قبلية وشديدة المحافظة لإنتاج طالبان باكستان، في خطوة موازية لإنشاء ما سمي بقاعدة المغرب الإسلامي.

الأنباء الأخيرة من الجزائر تحدثت عن استسلام عشرات المسلحين، وانطلاق دعوات من أمراء سابقين للجهاد بتسليم السلاح. الأمراء لا ينتمون لتنظيمات هامشية بل لـ«جماعة الدعوة والقتال السلفية» حليفة القاعدة. ومن هؤلاء: عمر عبدالبار، ومصعب أبو داوود، وأبوزكريا. بالإضافة إلى النداء الثلاثي لهؤلاء، فقد تحدثوا عن رسالة كتبها القائد السابق المعتقل حالياً ويدعى عبدالرزاق البر، يعرب فيها عن ندمه لتصرفاته السابقة، واعتبر فيها أن «الاستمرار في الجهاد لا معنى له».

صحف جزائرية منها «الخبر» و«الشروق اليومي»، تحدثت الأحد الماضي 10 الجاري عن استعداد 40 مسلحاً ينشطون في أربع كتائب في ولاية سكيكدة 500 كيلومتر شرق الجزائر، تسليم أنفسهم بعدما رفعوا أعلاماً بيضاء في مواقعهم.فيما أعرب أمير «الكتيبة الحرة «عامل يوسف ( 30 عاماً) في رسالة إلى عائلته عن رغبته بتسليم نفسه.

وكان أبرز مظاهر انحسار نفوذ الجماعة السلفية، دعوة مؤسسها حسن حطاب عشية الانتخابات الرئاسية في21 كانون الثاني/ يناير الماضي مقاتليه إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم،وكان حطاب نفسه قد قام بتسليم نفسه في أيلول/سبتمبر 2007 إلى السلطات، بما اعتبر بداية النهاية لهذا التنظيم، وقد حل عبدالمالك دوردكال محل حطاب على رأس التنظيم.

وينسب إلى الجماعة السلفية التي نشأت العام 1997 خطف عشرات الأجانب وقتل بعضهم (في شباط الماضي دعت المسيحيين لدفع جزية للجماعة تحت طائلة استباحة دمائهم)، والقيام بتفجيرات في المدن، وخوض معارك مع الجيش وقوات الشرطة و«الحرس الوطني» وهي ميليشيا أهلية تسلحها الحكومة، وتعتبر هذه الجماعة القوة الرئيسية الضاربة بين المجموعات المسلحة، والقنطرة التي تتسلل منها القاعدة إلى الجزائر والمغرب وموريتانيا.

التقهقر في نشاط الجماعات المسلحة وانكشاف خواء خطابها السياسي ونزعتها الدموية، يمثل محطة جديدة على طريق هزيمة أخطر الجماعات المتطرفة في المغرب العربي، التي نشطت في التشويش على العملية السياسية في الجزائر وفرضت قوانين الطوارىء، وفتحت الباب لخيار العنف في مناطق القبائل، كما استغلت عناصر بعضها في السلطة وجود الجماعة وأنشطتها، لممارسة انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بعد أن شهدت ثقافة العنف قدراً كبيراً من الشيوع.

وكان مئات من مقاتلي الجماعات سلموا أنفسهم خلال السنوات القليلة الماضية للسلطات، مستفيدين من قوانين متتالية للعفو، وشكلت مسألة العفو محوراً لتجاذبات سياسية بعد حملة منظمات اجتماعية شكلها ذوو ضحايا الجماعات ضد العفو عن هؤلاء. وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة أطلق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، نداء لعفو مشروط، وقد أسهم النداء في إقبال الدفعة الأخيرة من المقاتلين على إلقاء أسلحتهم وتسليم أنفسهم.

موسم إلقاء السلاح الأهلي .. أمراء الجماعة السلفية الجزائرية: لم يعد لـ“الجهاد” معنى
 
14-May-2009
 
العدد 76