العدد 76 - الملف
 

عطاف الروضان

يتركز وجود حجر البازلت الأسود في محافظة المفرق الواقعة شمال شرقي المملكة، والتي تعد امتداداً جغرافياً لما يعرف بــ «الحرّة السورية»، كناية عن الحرارة الشديدة في تلك المنطقة صيفاً.

والبازلت صخر ناري طفحي اندفاعي أسود اللون، أو رمادي داكن، ويتكون من الصخور النارية المصهورة الصاعدة من أعماق تراوح بين 10- 100 كم تحت سطح الأرض، على هيئة مُهْل (ماغما) ذائب يتجمد على سطح الأرض بعد تبريده، مكوناً لابات وأغشية من الحمم أو البراكين مخروطية الشكل.

يقول جهاد جبارة، باحث في الصحراء الشرقية في الأردن: «هذه الصحراء شهدت منذ القدم انفجار ما يزيد على 100 بركان، تراوح أعمارها بين 3 آلاف عام ومئة ألف عام، معظمها بعمق يقارب 70 كم في جوف الأرض، فأخرجت إلى السطح ما أحب أن أسميه قطع الليل، أي البازلت بعد أن يبرد».

يقول جبارة إن هذه المنطقة ذات الطبيعة الصعبة القاسية، شهدت حضارات متعاقبة بدءاً من العام 750 قبل الميلاد، وسكنتها القبائل العربية، من أبرزها الصفويون، الذين «استخدموا حجارة البازلت لنقش ذكرياتهم وواقع حياتهم عليها».

وما تزال حجارة البازلت تشهد على حضارة كانت هناك في بعض الأودية، أبرزها وادي سلمى الذي يضم ثلاثة مساجد مبنية من حجارة سوداء غير مشذبة.

كما استعملت حجارة البازلت في بناء «رجوم»، وضعت على مدافن قديمة لمن سكنوها، خوفاً من نبش الحيوانات الضالة المفترسة التي كانت تجوب الصحراء للجثامين المدفونة فيها. وتتواجد حجارة البازلت في قرى: أم القطين، أم الجمال، الدفيانة، صبحا وصبحية، وفي منطقة الصفاوي.

على كتف وادي راجل الذي تنحدر مياهه القادمة من جبل العرب عبر ممر يزيد طوله على 100 كم، يبدأ من قرية المنصورة الشرقية، على الحدود الأردنية السورية، وينتهي في الأزرق. ويوضح جبارة أن المياه جذبت السكان في العصور الماضية، فشيد ما يزيد على 6 آلاف نسمة «معالم مدينة جاوا، التي تضم بركا لتخزين المياه شتاءً لاستخدامها قي الصيف، ما زالت ماثلة حتى اليوم».

ويتشابه الحال مع مدينة أم الجمال التي سميت بهذا الاسم، لأنها كانت تمثل ما يشبه الاستراحة أو النزل الذي تستريح فيها جمال القبائل العربية وتجارها الذين يتنقلون ما بين اليمن والجزيرة العربية والشام. كما أنها تقع على طريق الحرير القديم. وقد بنيت منازلها وآثارها واسطبلات الخيل في عصر الأمويين من حجارة البازلت.

في الشتاء تحمل الرياح في الصحراء الشرقية بذورا تستقر في شقوق حجارة البازلت، وتتحول إلى طحالب تتنوع ألوانها بتدرج لوني ما بين الأخضر الغامق إلى الفاتح، وقد تنبهت البدويات، ساكنات الصحراء، إلى لونه الجميل فأصبحن يجمعنه، ويقمن بحله في الماء ويستخدمنه خضابا للحناء، ويسمى الحجر في هذه الحالة بــ «النقرش» وهو صخر قاس مصمت متماسك في الغالب، أو مسامي غني بالتجاويف المتكونة من انطلاق الغازات منه. وربما يكون ذلك أساس استخدام هذا الحجر في التجميل، فبالإضافة إلى استخدام النساء له في الحمام العربي القديم، فإنه «يضاف في بعض الحالات بعد طحنه إلى مركبات تجميلية» بحسب جبارة.

بدأ هذا الحجر يعود إلى الواجهة ويستخدم في البناء والعمارة وفي رصف الطرقات، في الدول الأوروبية، وبدأ محلياً بالانتشار ولكن ببطْء.

يقول جبارة: «في بلدة أم القطين في المفرق مثلاً، بدأ الناس في استخدامه في البناء لصلابته، ولمنحه الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف». وقد لمس جبارة ذلك في جولاته في الصحراء سواء في الآثار القديمة، أو في البيوت الجديدة التي بدأت تبنى منه، أو في البيوت الرومانية القديمة التي بنيت وبدأ البعض بترميمها والسكن فيها كما هي الحال مع بلدة أم القطين.

صاحب «منشار حجر» في منطقة مجاورة، رفض نشر اسمه، لأنه لم يحصل على ترخيص لإنشاء محجره حتى الآن، يؤكد «زيادة الإقبال على هذا الحجر لخصائصه الجيدة».

البازلت الأسود: لفظته الأرض فتلقّفه عابرو الصحراء
 
14-May-2009
 
العدد 76