منصور المعلا

يختصر شارع البدو في مدينة المفرق وجه المدينة الواقعة على سيف الصحراء ذات الأغلبية العشائرية، والتي تعد ثاني أكبر محافظات المملكة، بعد معان، من حيث المساحة.

ففي شارع البدو الواقع في وسط المدينة التي حملت أيضا اسمي «الفدين» و«طيب اسم»، تجتمع محلات تبيع منتجات ضاربة في القدم مثل المحلات التي تبيع بيوت الشعر، وأدوات جز الصوف، ومحلات تبيع اللباس البدوي؛ عقل، شمغ، دامر، ومدارق، إلى جانب حسبة المفرق، والأسواق التجارية الحديثة (السوبر ماركت)، بالإضافة إلى مقاهي الإنترنت.

المدينة تقف اليوم على حافة الانتقال إلى المدنية، لكنها ما زالت تحتفظ بالإرث البدوي العشائري من خلال اعتماد ما يعرف بـ«المقاسم العشائرية»، وهو الأساس الذي يقوم عليه التقسيم القبلي والعشائري الذي أقر مطلع القرن الماضي بين القبائل البدوية، بوصفه معيارا يعرف الشخص من خلاله بالمنطقة التي يسكنها. واليوم تلخص أسماء أحياء المدينة واقع هذا التقسيم: «حي العموش»، «حي البصابصة»، «حي المشاقبة»، «منشية الشديفات».

وغير بعيد عن أجواء العشائرية التي تفصح عنها أسماء أحياء المدينة، تقف أسماء عشائر وقبائل مقدمة للتعريف بهوية من يسكن تلك القرى: «منشية بني حسن» «منشية الغياث»، «حيان الرويبض»، «حيان المشرف»، «سماء السرحان».

ولا يعتبر أبناء المفرق أن مدينتهم على خصام مع المدنية، إلا أنهم يرون أن التربية العشائرية هي المعيار الأول في تكوين المدينة، ويروي محمد السرحان، طالب في جامعة آل البيت، كيف أنه لم يتمكن من الحصول على شقة سكنية في مدينة المفرق، حيث إن معظم الطلبة «العزابية» لا يتمكنون من استئجار بيوت في المدينة.

رفض تأجير شاب أو مجموعة من الطلبة بيتا في المدينة سمة يشترك فيها معظم سكان مدينة المفرق. يقول خالد العموش، صاحب مجمع سكني، إن تأجير شباب في المدينة يجلب له، ولغيرة من أصحاب المجمعات السكنية، مشاكل هو في غنى عنها، كون بيئة المدينة المحافظة تعتبر أن الشاب «العازب» شخص مشكوك فيه حتى يتزوج.

عدم تأجير الشاب العازب ليس السمة الوحيدة في المدينة التي تشير إلى طابعها المحافظ، إذ تشكل ثقافة «لبس الجينز» إحدى التقليعات المعيبة في نظر أبناء البادية الشمالية والشرقية في محافظة المفرق، بحسب مهدي الغياث، شاب في العقد الثاني من العمر.

يقول الغياث إنه ينظر، بحسب تربيته القروية في منشية الغياث، إلى لبس الجينز على أنه «شيء ينتقص من الرجولة»، مؤكدا أنه «لم يرتد أو يفكر بارتداء هذا النوع من الملابس».

محمد الخوالدة، المحاضر في جامعة آل البيت، يرى أن مدينة المفرق لها «طابعها الخاص»، كون المدينة لم تكن من المناطق «الجاذبة للسكان، على العكس من مدينة الزرقاء».

خاصية الجذب التي افتقدتها المفرق، بحسب الخوالدة، تأتي «لخلو المحافظة من النشاطات الاقتصادية الكبيرة»، ولاعتماد معظم السكان على الزراعة ورعي الماشية.

الخوالدة يشرح كيف تنتشر ثفاقة «البكب» و«الحصنيات»، وهي شاحنات متوسطة الحجم يستخدمها سكان المفرق وسائط نقل، تشكل سمة بارزة في المدينة، كون معظم أبناء القرى يستخدمونها لنقل أمتعتهم ومواشيهم في أثناء ترحالهم.

ويشير الخوالدة إلى أن معظم أبناء البادية الشمالية والشرقية يقومون بالترحال في فصل الصيف إلى مناطق سهول حوران بحثا عن المراعي الخصبة، ويقومون في فصل الشتاء بالتوجه إلى المناطق الشرقية من محافظة المفرق التي تمتاز بـ«بالموسم البدري»، أي هطول الأمطار في بداية فصل الشتاء.

على العكس من الخوالدة، يجد رائد الشواقفة أن المفرق مدينة بدأت في اكتساب صفة المدنية، فقد بدأ فيها إنشاء ملاعب رياضية ومتنزهات وأندية رياضية، كما بدأت فيها حياة حزبية وسياسية نشطة.

الشواقفة، يرى أن مدينة المفرق، وبفضل الطفرة الأخيرة في أسعار الأراضي في الأعوام السابقة، بدأت تبرز فيها أحياء جديدة مشيدة على الطراز العصري. وقد دفع هذا الغنى المفاجئ العديد من أبناء المدينة إلى ادخال أبنائهم في مدارس خاصة، حيث يوجد في المدينة اليوم خمس مدارس يمتلكها عدد من أبناء المدينة.

ويدلل الشواقفة على الروح المدنية التي بدأت تغزو المفرق بانتشار مقاهي الإنترنت التي يرتادها أبناء المدينة من كلا الجنسين، والمقاهي الشعبية التي يرتادها شبان المدينة المنقسمون في تشجيعهم لأندية غربية أهمها ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيان.