العدد 76 - أردني
 

دلال سلامة

رغم التعديلات التي أجريت على مشروع المنتجع السياحي الذي تقرر إنشاؤه في غابة دبين، فإن الجدل الذي ثار حول المشروع قبل ثلاث سنوات، لم يتوقف. ، ذلك أن ناشطين بيئيين يرون أن المشروع بحيثياته الحالية، ما زال يمثل تهديداً للثروة الحرجية في الأردن.

مذكرة تفاهم كانت قد وقّعت في أيار/مايو العام 2006 بين شركة دبي كابيتال، التابعة لشركة دبي إنترناشونال كابيتال التي تعد الذراع الاستثمارية للمجموعة الاستثمارية العملاقة، مجموعة دبي القابضة، والوحدة الاستثمارية للضمان الاجتماعي، حيث تم الإعلان وقتها عن مخطط لإنشاء فندقين، شاليهات للبيع، ناد صحي عالمي وآخر للخيول، ومطاعم، على مساحة 430 دونماً، بكلفة تصل إلى 100 مليون دينار. وكانت النية تتجه للانتهاء من المشروع قبل حلول العام 2010.

الفكرة واجهت في حينها معارضة من جمعيات بيئية غير حكومية ومنظمات مجتمع مدني، رأت أن المشروع سيدمر جزءا كبيرا من غابة دبين، التي تعتبر امتداداً طبيعياً لغابات الصنوبر في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وتضم 50 في المئة من الثروة الحرجية للمحميات الطبيعية في الأردن، علماً بأن مجموع الثروة الحرجية ، لا يتجاوز 1 في المئة من المساحته الإجماليّة للأردن، وهي نسبة شحيحة عالمياً.

هذه المعارضة كانت بحسب المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية أحمد الكوفحي، السبب في تقليص حجم المشروع إلى النصف تقريبا. فوفق الموقع الرسمي لوحدة الاستثمار في مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تساهم بنسبة 26 في المئة من المشروع، مقابل 74 في المئة لدبي كابيتال، فإن المشروع الذي سيقام على مساحة مقدارها 248 دونما، من أصل المساحة الإجمالية للقطعة والبالغة 501 دونم، تقلّص ليصبح فندقاً سبع نجوم بسعة 30 غرفة، و24 شاليهاً بمساحات مختلفة للبيع، إضافة إلى الأنشطة السياحية والترفيهية الأخرى المكملة لهذه المرافق.

مساعد الأمين العام لوزارة البيئة أحمد القطارنة، أكّد أن التعديلات التي أجريت على فكرة المشروع تمّت مراعاة للبعد البيئي «لن يكون هناك تدمير للبيئة، فالمنتجع يقام في موقع كان يستخدم في الأصل كاستراحة سياحية، وهي استراحة الضمان القديمة».

لكن الكوفحي يرى أن هذه التعديلات غير كافية «عندما يقال إن المشروع سينفذ مكان استراحة الضمان القديمة، فإن إيحاء يعطى للناس بأن لا أشجار ستقطع لأن المنطقة أصلا مستثمرة كاستراحة، لكن لا أحد يقول إن مساحة الاستراحة القديمة هي 20 دونماً في حين أن المنتجع سيقام على ما يقارب ال 250 دونما، أي أن هناك أكثر من مئتي دونم من الأشجار ستقطع في منطقة تزيد فيها كثافة الأشجار عن 85 في المئة «.

مسؤولون في شركة دبي كابيتال يقولون إن ال 248 دونما هي المساحة الإجمالية للمنتجع، أما الحجم الفعلي للمنشآت فإنه لن يتجاوز ال 20 دونماً، فيما يقول الكوفحي إن 20 دونما من المنشآت ستتبعها مرافق تستنزف مساحات إضافية واسعة، مثل الشوارع ومواقف السيارات، وشبكات المياه والصرف الصحّي، وخطوط الكهرباء والهاتف.

في مواجهة هذه المعارضة، فإن القائمين على المشروع يؤكدون أنهم يبذلون جهودهم من أجل التقليل، من الانعكاسات البيئية السيئة. مدير شركة منية للمنتجعات المتخصصة نضال الخواجا، الشركة التي ستقوم بإنجاز المشروع، وهي واحدة من شركات التطوير السياحي التابعة لشركة الأردن دبي كابيتال قال «إن مذكرة تفاهم وقعت مع وزارة الزراعة تقوم بموجبها الشركة بالتنسيق مع الوزارة، لضمان إزالة أقل عدد من الأشجار». كما أكّد التزام الشركة «بزراعة عشرة آلاف شجرة في الموقع الذي يتم الاتفاق عليه مع الوزارة». لكنه عرض لا يحظى بقبول المعارضين، ومنهم نقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي الفلاحات «التعهد بزراعة أشجار جديدة لن يعوض الأشجار المعمرة التي ستقطع، ويتجاوز عمر بعضها المئتي عام، ثم لماذا يقطعون أشجار الغابة..هناك الكثير من المساحات الخالية في المنطقة نفسها، التي يمكن إقامة المنتجع عليها؟».

في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية، تم الاتفاق على إجراء دراسة لتقييم الأثر البيئي للمنتجع على الغابة، وهي دراسة يؤكد الكوفحي على أنها لم تكتمل «ما تم إنجازه لم يكن أكثر من المرحلة الأولى، وهي مسودّة لما يسمى بالشروط المرجعية، وقد تمت مناقشتها فعلا، وكان لجمعية البيئة تحفظات كبيرة عليها، وموقف الجمعية الرافض هذا سبّب فصلها من اللجنة».

لكن الرئيس التنفيذي لشركة الأردن دبي كابيتال سمير الرفاعي ينفي ذلك «دراسة الأثر البيئي أجريت من قبل جهة متخصصة محايدة، وقدمت إلى وزارة البيئة، واجتازت كل مراحلها المفترضة، وبناء على ذلك تم منح ترخيص إقامة المنتجع». وهو أمر يؤكده القطارنة «الدراسة نوقشت من قبل لجنة مشكلة من ممثلين لجهات حكومية ومنظمات بيئية ومجتمع محلي، وبناء على توصياتها أجريت التعديلات على حجم المشروع».

مدير شركة (Eco consult)، رائد الداوود، وهي الشركة التي قامت بإجراء الدراسة، أوضح أن شركته كلفت من قبل دبي كابيتال بإجراء دراستين للأثر البيئي: «الأولى حول المشروع بصيغته الأولى، وكان هناك الكثير من المحاذير البيئية. الدراسة الثانية كانت للمشروع بعد أن تمّ تقليصه، وقد اشترطت الدراسة لتنفيذه اتخاذ مجموعة إجراءات».

«ے» سعت للاطلاع على نص الدراسة، لكن الداوود أفاد بأن نتائج الدراسات التي تجري لصالح عملاء معينين، هي من حق هؤلاء، وأنهم وحدهم المخولون للكشف عنها، وأن شركته لا تمتلك الحقّ في إطلاع آخرين عليها. من جهته قال الرفاعي إن الدراسة هي الآن ملك لوزارة البيئة، وأنها الجهة صاحبة الحق في إعلان نتائجها. وقد حاولت «ے» التزود بنسخة من الدراسة من وزارة البيئة، لكنها لم تتمكن من ذلك.

ليست الملاحظات البيئية هي فقط ما يلاحق المشروع، بل «التحفظات القانونية» أيضا. فقد أصدرت جمعية البيئة الأردنية في أبريل/ نيسان الماضي، بياناً أشارت فيه إلى مجموعة مما اعتبرته «مخالفات قانونية». وفق البيان فإن تنسيب مجلس التنظيم الأعلى لرئاسة الوزراء ،بالموافقة على تغيير صفة استعمال أراضي غابة دبين من أراض حرجية إلى سياحية، استناداً إلى المادة الرابعة من نظام تنظيم استعمالات الأراضي للعام 2007، الذي يمنح الحكومة حق تغيير صفة استعمال الأراضي، تجاهل المادة العاشرة من النظام نفسه، التي تحصر صفة التحويل بالأراضي الخالية من الأشجار.

البيان أشار أيضا إلى المادة 18 من تعليمات تنظيم الاستثمار في الحراج الخاص للعام 2003، التي نصّت على «عدم السماح بإزالة الأشجار من المواقع التي تزيد فيها كثافة الأشجار على 30 في المئة ، في حين تزيد كثافة الأشجار في موقع المنتجع على 85 في المئة.

الرفاعي ينفي تماما أن تكون هناك أي مخالفات قانونية «لو كان هناك خروقات للقانون لما حصلنا على الترخيص. الحكومة هي صاحبة الولاية، وهي الأحرص على تنفيذ القانون، وليس من حق أي جهة أن تزاود عليها».

معارضو المشروع لاعتبارات بيئية، واجهتهم هم أنفسهم معارضة من شريحة واسعة من أبناء المجتمع المحلي في محافظة جرش، الذين تحمّسوا للمشروع باعتباره فرصة تنموية للمحافظة.

الكوفحي يقول إن هؤلاء لا يلامون فقد تم على حد قوله التغرير بهم «قيل لهم إن المشروع سيوفر فرص عمل لأبناء المحافظة، وهو سيفعل ذلك، لكن الوظائف التي سيحصلون عليها ستكون وظائف الحراسة والنظافة، أما المدراء فسوف يتم استقدامهم من أماكن أخرى».

دبين في الذاكرة

كان الكاتب إبراهيم غرايبة في المرحلة الإعدادية منتصف السبعينات، عندما اشترك عدة مرات في مخيمات كشفية كانت تنظمّها آنذاك في غابة دبين أندية شبابية ورياضية. وهو يصف كيف كان الأطفال ينتشرون في الغابة ويجمعون عن الأشجار الكثير من الثمار الشهية «إضافة إلى السرو والصنوبر، فإن الغابة كانت مليئة بأنواع كثيرة من الأشجار المثمرة، في الصيف كان هناك القيقب وله ثمر لذيذ يشبه الكرز لونه برتقالي، وخشبه أحمر تصنع منه الآلات الموسيقية، وهناك الأجاص البري، والنبق الذي يشبه الأسكدنيا، والخروب الذي كنّا نشويه على النار. وفي الربيع يكون هناك الخسّ البري والفطر والفول». ويضيف غرايبة «كان هناك عيون ماء، كنّا في الاستراحات ننزل إليها ونغسل ملابسنا وننشرها على الأشجار».

يعلّق غرايبة على مشروع المنتجع السياحي، ويقول إن الأمر لا يتعلق فقط بأننا في الأردن نعاني من التصحر، وأننا بحاجة لكل مساحة خضراء متوفرة، بل في أن المنتجع الذي سيدمر جزءا من الغابة سيدمر في الحقيقة جزءا من ذاكرة الوطن «دبين مفردة أساسية من مفردات ذاكرتنا الوطنية، إن الأمر يشبه تحويل الوطن إلى منتجع سياحي مفتوح، ولكن أمام فئة محددة من الناس، هي الفئة القادرة على دفع تكاليفه».

فتح الله العمراني، رئيس نقابة عمال الغزل والنسيح والألبسة يتذكر كيف كانت الغابة تحتضن المهرجان الذي كانت تقيمه قوى اليسار احتفالا بعيد العمال في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات «في العام 1971 اعترف بعيد العمال كعيد رسمي في الأردن، ولكن قوى اليسار كانت قد بدأت من العام 1968 الاحتفال به بإقامة مهرجان خطابي في غابة دبين، حيث كنّا نخرج آلاف الأشخاص من تنظيمات مختلفة مع عائلاتنا في حافلات مستأجرة إلى الغابة».

وهو أمر يؤكده عبد الله خليل، من التجمع النقابي العمالي، الذي شارك منذ الستينات في تلك المهرجانات «كانت تقام أيضا حملات تنظيف للغابة، يشترك فيها طلاب مدارس وأعضاء نواد شبابية».

ينتقد العمراني إقامة المنتجع في قلب الغابة، ويقول إنه من الظلم حرمان المواطنين البسطاء من متنفساتهم الطبيعية في الأردن، فبعد العقبة والبحر الميت، تأتي غابة دبين.

يوسف أبو عبد كان العام 1971 في العاشرة من عمره، ويتذكر أن رواد الغابة في تلك الأيام، كانوا في معظمهم من طلاب المدارس فلم تكن المواصلات سهلة، ولا كانت السيارات الخاصة منتشرة في ذلك الزمان، كما هي الحال الآن « كانت الرحلات المدرسية هي وسيلتنا في الغالب لزيارة الغابة التي كانت وقتها أقرب إلى البكارة. لم يكن البلاستيك قد ظهر بعد، وحوّل متنزهاتنا إلى مزابل».

يوسف متأكد من أن الاستثمار في الغابة بهذه الطريقة سيقضي عليها « كما نمشي الآن في شارع سقف السيل، ونشير إلى فتحات الصرف الصحي قائلين إن نهرا كان هنا، سنمر بعد سنوات على دبين ونقول إن غابة كانت هنا».

المنتجع السياحي في دبين رغم تقليص المشروع إلى “النصف”: المحاذير البيئية ما زالت قائمة
 
14-May-2009
 
العدد 76