العدد 76 - أردني
 

منصور المعلا

احتدام الصراع بين مراكز قوى، كاد يهدد بإجهاض مشروع جر مياه الديسي المعلق منذ عقدين، ما دفع الملك عبدالله الثاني إلى التدخل لترجيح كفة المضي قدماً في التنفيذ في مواجهة خصوم المشروع، الذين رفعوا وتيرة التشكيك بنزاهة إحالة العطاء على شركة «غاما» التركية.

في اجتماع مبرمج مسبقا، أكد الملك في أثناء تسلمه «الاستراتيجة الوطنية للمياه» التي أعدتها اللجنة الملكية للمياه برئاسة الأمير فيصل، على «ضرورة تبني الحكومة تنفيذ مشاريع كبرى في قطاع المياه»، في إشارة غير مباشرة إلى مشروع الديسي.

قبل تسليم الاستراتيجية التقى الأمير فيصل وزير المياه رائد أبو السعود على هامش الاحتفال بمرور 50 عاما على الشراكة الأردنية الألمانية.

التأكيد الملكي جاء بعد أن ألمح رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي في اجتماع بداية الأسبوع الجاري مع لجنة الزراعة والمياه إلى وجود «لغوصة» في المشروع بعد أن اتكأ على إيماءة ملكية بـ«التقصي» حول تفاصيل تنفيذ المشروع وإجراءات التمويل.

وزير المياه والري رائد أبو السعود قال لـ«السجل» إن «مشروع الديسي سيتم تنفيذه بموجب الاتفاق الموقَّع مع شركة غاما». وبرر الهجوم النيابي على المشروع بقوله: «مشروع بهذا الحجم يتطلب نقاشا على المستويات كافة، لاستجلاء الصورة الصحيحة حوله».

توقع نواب في لجنة الزراعة والمياه أن «تستعر المعركة بين الحكومة ومجلس النواب بعد تزعم المجالي الهجوم على المشروع»، الذي تعرض لسلسلة هزات منذ إحالة عطاء تنفيذه على شركة غاما التركية نيسان/أبريل 2008.

المجالي تحدث في اجتماع اللجنة عن «لغوصة» في المشروع خصوصاً بما يتعلق بتغيير الشركة المشرفة على مراجعة التصاميم من مكتب «دار الهندسة» إلى مكتب «شركة سيغما»، التي كان يعمل بها وزير المياه رائد أبو السعود قبل توليه هذه الحقيبة خريف العام 2007، حسبما يؤكد نائب له علاقة بهذا الملف طلب عدم نشر اسمه.

ورداً على استفسارات «السجل» نفى الوزير «أن يكون قد أحال أي عطاء على شركة سيغما».

هجوم النواب غير المسبوق، جاء بعد أسابيع على مكالمة هاتفية عاتب فيها المجالي أبو السعود على «منح سعد هايل السرور ترخيص بئر في منطقة البادية الشمالية» حسب مصدر رفيع في وزارة المياه. كذلك عاتب المجالي أبو السعود على قول منسوب إليه موجه للنائب سعد هايل السرور: «شد حالك، بدناياك رئيس للمجلس»، الأمر الذي نفاه الوزير: بالقول «إن السرور تقدم بطلب رخصة بئر، إلا أنها لم تمنح له. ولم يتم تداول أي حديث آخر بيني وبينه».

عتاب المجالي جاء في أعقاب ملاسنة كلامية دارت بين أبو السعود، ووزير النقل سهل المجالي، النجل الأكبر لرئيس مجلس النواب في جلسة مجلس الوزراء المصغرة قبل أسابيع، حسب وزير حضر الجلسة فضّل عدم نشر اسمه.

في تلك الجلسة انتقد المجالي الابن، أبو السعود، بعد أن رفض الأخير إرساء عطاء يتعلق بمشروع الديسي على شركات محلية «تتمتع بكفاءة لتنفيذ المشروع».

المجالي نفى لـ«السجل» وقوع أي مشادة مع أبو السعود، وقال: «ما حدث كان نقاشا عادياً ولم تكن هناك مشاجرة». واتفق أبو السعود مع المجالي بالقول: «تربطني بسهل علاقة صداقة، بالإضافة إلى كوننا نحن الاثنين نعمل في مجال المقاولات».

بيد أن المصدر شرح لـ«السجل» حيثيات النقاش بين الوزيرين، لافتا إلى أنه تمحور حول طلب شركة «غاما» التركية استدراج عروض من شركات مساهمة في تنفيذ المشروع. إذّاك، تقدمت «شركة بتروجت» وشركة صينية و«شركة مذر كات الإنجليزية»، وكان سبب الخلاف صدور قرار من مجلس الوزراء سمح للشركة الصينية، بمزاولة أعمال المقاولات في الأردن.

وزير المياه بيّن لـ«السجل» أن الاتفاقات الموقعة كافة مع الشركة التركية والممولين «تمت بحضور مندوبين عن ديوان المحاسبة ووزارة المالية»، مبدياً رفضه أن يتحمل «المسؤولية عن عطش الأردنيين إن لم ينفذ المشروع، في ظل تراجع حصة الفرد من المياه سنوياً».

الديسي، بحسب الوزير، سيوفر 25 في المئة من احتياجات مياه الشرب التي تقدر بـ570 مليون متر مكعب سنويا.

كما شرح الوزير تكلفة المتر المكعب المتوقعة والمقدرة بـ 74 قرشا، مؤكدا أنها توازي سعر المتر المكعب من المياه من أي مصدر مائي يزود العاصمة عمان بعد احتساب الكلفة التشغيلية والرأسمالية.

أبو السعود قال إن المشروع «سيوقف تدهور الموازنة المائية التي وضعت الأردن ضمن أربع أفقر دول بمصادر المياه في العالم»، موضحاً أن «الاتفاقات الموقعة تتضمن شروطا جزائية».

مدير مشروع الديسي عثمان الكردي كشف لـ«ے» أسباب تراجع سعر المتر المكعب من مياه الديسي من 87 قرشاً وربع القرش إلى 74 قرشا، بالقول: « ساهمت زيادة مساهمة الحكومة في المشروع بخفض السعر إلى 81 قرشا، وأدى انخفاض أسعار الحديد والفائدة على الدولار إلى خفض السعر مرة أخرى ليصبح 74 قرشا».

وبيّن مصدر مسؤول آخر طلب عدم نشر اسمه في وزارة المياه أن رئيس الحكومة ووزيري المالية والمياه باسم السالم ورائد أبو السعود سيقومون بتقديم تفسيرات للمجلس على أسئلة نواب حول مشروع الديسي.

كانت جلسة لجنة الزراعة والمياه التي عقدت الأحد الماضي 10 أيار/مايو الجاري، طلبت عقد جلسة أخرى خلال الأيام المقبلة بحضور رئيس الوزراء ، ووزيري المالية والمياه، لعرض وثائق عطاء المشروع والأوراق المتعلقة به.

من أبرز القضايا التي أثارتها لجنة المياه والزراعة في وثيقة من صفحتين: توقيت انتهاء المشروع، المدة الممنوحة كامتياز للشركة التركية، تمويل المشروع، وسعر المتر المكعب.

يعتزم نواب، بحسب الوثيقة، الاستفسار من وزير المالية في ما إذا كان بحوزة الحكومة 300 مليون دولار للمساهمة في المشروع في ظل الأزمة المالية العالمية.

كما يتساءل نواب اللجنة حول شروط عطاء المشروع، ويرون أنه «لم يراع شروط المنافسة من خلال إعلان الحكومة زيادة مساهمتها في المشروع من 200 مليون إلى 300 مليون، وذلك بعد فتح العروض، ما يخالف شروط حق المنافسة».

وزارة المياه بينت أن زيادة المساهمة جاءت بعد رفض البنك الدولي تمويل المشروع.

يطالب نواب اللجنة الحكومة بمصادرة 55 بئراً في حوض الديسي، تعود لشركات الجنوب الزراعية التي تراكم عليها مبلغ 15 مليون دينار أثمان مياه، والاستفادة منها لدى تنفيذ المشروع حسب الوثيقة.

وزارة المياه بيّنت أن الآبار التي سيتم حفرها في حوض الديسي تم الاتفاق بشأنها مع الجانب السعودي، الذي اشترط أن يتم حفرها على مسافة محددة من الحدود الدولية بين البلدين، تبلغ 15كم، إلاّ أن وزارة المياه زادت المسافة إلى 20 كم، بينما تقع آبار شركات الجنوب ضمن منطقة تم الاتفاق على عدم حفر أي بئر فيها.

وقدم نواب اللجنة تساؤلات في الوثيقة حول العرض المالي الذي قدمته شركة غاما، حيث يبين العرض أن قطر الأنابيب 2000 ملم، بينما كان قطر الأنابيب التي تم شحنها إلى الأردن 1400 ملم. وتابعت الوثيقة: الفرق في سعر المتر الطولي بين القطرين حوالي 30 في المئة، فهل سيؤثر في تكلفة المشروع؟.

وزارة المياه ردت على التساؤل بالقول إن الأنابيب التي تم جلبها، هي وصلات بين خزاني دابوق وخزان ابو علندا وليست أنابيب المشروع الرئيسية.

ويتساءل نواب اللجنة في الوثيقة حول الفروق في نسب الفائدة لدى تقديم العرض لشركة «غاما»، إذ كانت الفائدة على الدولار بنسبة خمسة ونصف في المئة، فيما انخفضت حالياً إلى 5 في المئة. وبحسب النموذج المالي لشركة «غاما» الذي يبين أنها ستقترض 400 مليون دولار، فهذا يعني أن فرق الفائدة يبلغ 20 مليون دولار. وبمعنى آخر 14 قرشا للمتر المكعب من المياه، وهذا سبب خفض سعر المتر المكعب من المياه إلى حدود 74 قرشا.

كان موظف رفيع في وزارة المياه أبلغ «ے» في تصريح نشرته في العدد الماضي، أن ثمن المتر المكعب من مياه الديسي سيكون في حدود 80 قرشاً، إلا أن رئيس الحكومة كشف لعدد من الصحفيين الخميس الماضي السابع من الجاري أن ثمن المتر سيكون 74 قرشاً.

المصدر عاد وأكد لـ«السجل» أن الثمن الذي أعلنه الرئيس ليس نهائياً، إذ سيتم الإعلان عن الثمن النهائي في 18 أيار/مايو الجاري خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، مبينا أن المفاوضات بين الحكومة وشركة «غاما» حدّدت السعر بين 60 و80 قرشاً.

وهناك تساؤلات عن الضمانات على شركة «غاما» ومن يتحمل مجازفة كفالة الشركة لدى بنك الاستثمار الأوروبي، الذي منح المشروع قروضاً قدرها 215 مليون دولار، منها 100 مليون دولار على الأردن، والبقية على الشركة التركية بكفالة الحكومة وبـ«طريقة مبطنة».إضافة إلى استفسارات نيابية حول آلية التعاقد مع مدير مشروع الديسي عثمان الكردي الذي أعير لليمن العام 1997 وعاد إلى الأردن العام 2007.

في إجابته عن سؤال للنائب وصفي الرواشدة، أوضح وزير المياه أن الوزارة أعادت الكردي لخبرته، وتم إحالته للتقاعد، وتوقيع عقد معه بقيمة 3000 دينار شهرياً.

الملك يحسم باتجاه المضي في تنفيذ المشروع .. صراع الوزراء، النواب والمقاولين كاد يعرقل انسياب الديسي
 
14-May-2009
 
العدد 76