العدد 76 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر
تشي الجولات المكوكية والزحام الدبلوماسي على أبواب الشرق الأوسط وفي واشنطن، بقرب إطلاق مبادرة سلام “أوبامية”، محورها تحريك مسارات التفاوض باتجاه إقامة دولة فلسطينية، واستعادة أراضٍ سورية ولبنانية محتلة، مقابل تسريع التطبيع عربياً وإسلامياً مع إسرائيل، على ما يتوقع مسؤولون ودبلوماسيون في عمّان. الحراك، الذي تسارع بعد محادثات الملك عبد الله الثاني في واشنطن في 21 نيسان/إبريل الماضي، سيصل ذروته في الرابع من حزيران/يونيو المقبل، حين ينزل الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة - واسطة عقد المنظومة العربية، كبرى عواصم إفريقيا، وحاضنة الأزهر، أعرق وأهمّ مرجعية سنّية. في الأثناء، يتواصل التشبيك بين عواصم المنطقة بهدف دمج الطروحات الأميركية المرتقبة مع الحد الأدنى من متطلبات الدول العربية، ومدى استعداد حكومة إسرائيل اليمينية بزعامة الليكودي بنيامين نتنياهو للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، والسورية، واللبنانية. التسريبات في الصحف الغربية تفيد بأن خطة أوباما تتكئ على توسيع قاعدة التطبيع مع إسرائيل عربياً وإسلامياً، بالتزامن مع فتح مفاوضات على ثلاثة مسارات: فلسطينية، سورية، ولبنانية. معلوم أن المفاوضات السورية-الإسرائيلية تعثرت العام 1999، بعد ثماني سنوات على انطلاقها في مدريد. المسار اللبناني ظل مرتبطًا بالشقيقة الكبرى منذ مطلع العقد الماضي. خلال قمّة الدوحة غير الرسمية مطلع العام الجاري، أعلن الأسد عن تجميد مفاوضات غير مباشرة، عبر تركيا، مع إسرائيل، كانت انطلقت العام الماضي، وذلك احتجاجاً على الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزّة. خلال الأسبوعين الفائتين، خرجت إشارات متناقضة عن واشنطن حيال دمشق، فيما شدّدت إسرائيل نبرتها على لسان نتنياهو، الذي استبعد انسحاباً من الجولان، المحتلة منذ 42 عاما، لـ «دوافع أمنية». ففي الوقت الذي أوفد فيه أوباما القائمَ بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان إلى العاصمة السورية ليتحدث إيجابياً عن هذا البلد عقب محادثات «بنّاءة» هناك، جدّدت أميركا العقوبات المفروضة عليه منذ مطلع العقد الجاري. في المحصلة، تُواصل أميركا مقاربة «العصا والجزرة» لدفع سورية إلى المعادلة الإقليمية، بعيداً عن فلك إيران. يتسق ذلك جزئياً مع مضامين لجنة بيكر هاميلتون، التي دعت الإدارة الأميركية السابقة العام 2006 لفتح حوار مع خصومها الرئيسيين في الشرق الأوسط، بخاصة سورية، وإيران، وضرورة تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن سقف الخطّة الجديدة وقابليتها للتطبيق يعتمدان على نتائج محادثات نتنياهو وأوباما في واشنطن في 18 أيار/مايو، ومدى قدرة الأخير على دفع إسرائيل للانسجام مع رغبة المجتمع الدولي في إقامة دولة فلسطينية. محلّل سياسي يستذكر نجاح الرئيس الأسبق جورج بوش الأب في جلب رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحق شامير إلى مؤتمر مدريد العام 1991، بعد أن هدّده بتجميد برنامج قروض لإسرائيل قدرها 10 مليارات دولار. مماطلة زعيم الليكود الأسبق في الاستجابة لمتطلبات السلام أدّت لاحقاً إلى انهيار حكومته وصعود حكومة عمالية، برئاسة زعيم حزب العمال الراحل إسحق رابين، الذي أبرم اتفاقات الحكم الذاتي مع الفلسطينيين العام 1993، ومعاهدة سلام مع الأردن في العام التالي. القمتان الأردنية-السورية في دمشق، والمصرية-الإسرائيلية في شرم الشيخ، تندرجان ضمن محاولات بلورة موقف عربي مشترك قبل ذهاب نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن. إعلان عبّاس عن تشكيل حكومة جديدة، يعكس فشل محاولات رأب الصدع مع حماس الإسلامية في غزّة، ويندرج ضمن هذه التطورات المتسارعة، بحسب ما لاحظ دبلوماسي عربي في عمّان. بموازاة القمم الثنائية في دمشق والشرم، أوفد عبد الله الثاني رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي إلى لبنان، حاملاً رسالة إلى الرئيس اللبناني ميشيل سليمان، الذي اتصل هاتفياً بالملك الأسبوع الماضي. وعقب عودته من واشنطن، جال الملك في الدمام (السعودية) والقاهرة وبرلين. المعطيات التي رشحت عن لقاء نتنياهو-مبارك لا تبشر بوجود ليونة في موقف إسرائيل. إذ تحاشى نتنياهو الإشارة إلى إقامة دولة فلسطينية، واكتفى بالإعلان عن رغبته في أن «يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون في سلام وأمن ورخاء». لذلك يبقى الرهان على محطة واشنطن، قبل أن يقوم أوباما بأول زيارة إلى دولة عربية. سيحاول نتنياهو إقناع أوباما بضرورة ضرب إيران لإجهاض برنامجها النووي، فيما يشدد العرب على محورية القضية الفلسطينية، التي وضعها سلفه على «الرفّ» حين غزا العراق العام 2003، على ما يرى دبلوماسي عربي آخر. «إذا انجرّ أوباما وراء طُعم نتنياهو، ستندلع الحرائق في المنطقة، ويبقى جوهر الصراعات دون حل، تماماً كما حدث بعد غزو العراق»، بحسب ما أوضح. رئيس المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي، أكد في حوار مع «بي بي سي»، أن «إسرائيل لا تريد السلام»، مستشهداً بزيادة حواجز الطرق في الضفة الغربية من 521 إلى 700. مسؤول أردني قال لـ»ے» إن الحراك العربي يندرج ضمن جهود إطلاق مفاوضات بالاستناد إلى «مبدأ حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل) في سياق إقليمي، طبقاً للمرجعيات الدولية والمبادرة العربية». المسؤول ذاته نفى التكهنات والتسريبات باحتمالات تعديل مبادرة السلام، المرتكزة على انسحاب إسرائيلي شامل من كامل الأراضي العربية التي احتلتها العام 1967، مقابل تطبيع مع 57 دولة عربية وإسلامية. وأضاف: «لا تغيير أبداً في المبادرة، وكل تلك التكهنات لا أساس لها على أرض الواقع». يتابع المسؤول: «كل الأنظار تتجه إلى واشنطن على أمل أن تتخذ خطوات جادة، وفق المبادرة العربية، وليس مسيرة أو عملية سلام، ذلك أننا سئمنا من المبادرات». وأردف: «نريد من أميركا دوراً قيادياً يأخذنا باتجاه حل الدولتين، كما نراهن على تدخل أوروبي إيجابي، وموقف عربي موحد». «الخيار بيد إسرائيل، فإما أن تظل معزولة وتضع المنطقة رهينة تفجر الصراع في أي وقت، أو يفتح أمامها باب التطبيع مع 57 دولة»، يقول المسؤول. في مقابلته مع صحيفة «تايمز» اللندنية، طالب عبد الله الثاني بدور أميركي فعّال، وإلا ستنزلق المنطقة إلى «حرب جديدة» بين العرب وإسرائيل خلال 12 إلى 18 شهراً. الملك، الذي توقّع تكثيف الدبلوماسية المكوكية خلال الشهرين المقبلين، تحدّث بصراحة عن «الملل» من تكرار عمليات السلام دون نتيجة. في البال خريطة الطريق التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن من العقبة قبل ست سنوات، ومؤتمر أنابوليس للسلام أواخر 2007. بين هذا وذاك، أطلق بوش عشرات الوعود بإنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية، أحدها جاء من وحي حلم رأى فيه بوش حتمية قيام دولة فلسطينية. وتوقّعت مصادر دبلوماسية وصول نتنياهو إلى عمّان قريباً، إما قبل أن يلتقي أوباما في واشنطن أو بعد ذلك. رسمياً، لم يُعلَن عن زيارة مرتقبة لأوباما، مع أن كتّاب أعمدة طالبوا بعدم استقباله في عمّان. الملك تعامل رسمياً مع نتنياهو في الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه (العام 1999)، حين كان رئيساً للوزراء. تلك الحقبة كانت من أصعب مراحل حكمه، بحسب ما وصفها عبد الله الثاني في حديثه لـ»تايمز». الصحيفة اللندنية، التي نقلت عن الملك قوله إن أوباما «مفتاح» الحل، توقّعت عقد مؤتمر للسلام يضم جميع الأطراف إما في يوليو/تموز أو أغسطس/ آب المقبلين. وأوضحت أن الملك وضعَ ملامح الخطّة مع أوباما في واشنطن. بانتظار «مفاجأة» أوباما في القاهرة، ستتكثّف الحوارات العربية-العربية، وجسّ النبض المتبادل مع تل أبيب عبر بوابتَي القاهرة وعمّان. لكن مؤشر البوصلة لن يتضح قبل المواجهة في البيت الأبيض بين أوباما ونتنياهو. |
|
|||||||||||||