العدد 75 - كتاب
 

في رأي صديق أن العالم بات يشهد انحداراً في مستوى مشكلاته. وكما أن حياة بلدان العالم ومجتمعاته، تقاس بالإنجازات كذلك فإنها تقاس بطبيعة المشكلات ، فمن الواضح تبعاً لهذا المقياس أن عالمنا في جملته، بات يعاني من تدنٍ في مستوى التحديات، حتى أصبح العالم رغم التقدم العلمي الهائل يعاني من مشكلة مثل مرض الخنازير، تصيب بلداً على تخوم العالم المتقدم هو المكسيك لينتقل المرض إلى قلب هذا العالم المتقدم وهو أميركا.

في سنوت سابقة ظهر مرض جنون البقر، وتلاه مرض إنفلونزا الطيور لنصل الى المرض الأخير. تُنسب هذه الأمراض لحيوانات وطيور، وكأن علاقة البشر بكائنات الطبيعة ناشئة ومستجدة، فتقع في سياق هذه العلاقة أخطاء قاتلة ناجمة عن سوء فهم متبادل. وهذه الكائنات في الأصل بريئة مما ينسب لها من خطايا، فهي غير عاقلة، والأهم أنها تعيش في بيئة يتحكم فيها البشر.

في الغالب تقع هذه الكائنات غير العاقلة ضحية لجشع البشر وسوء سلوكهم، فيرتد الأذى بعدئذ على البشر.أما الأذى الخالص الذي يتجه لتلك الكائنات حصراً، فيكاد يعز على الحصر. فكم من طيور تحت كل فضاء تتهددها الإبادة من الصيد الجائروالعشوائي؟!، وكم من أسماك وكائنات بحرية تنفق في مياه البحار والمحيطات، بفعل التلوث الذي يتسبب به بشر؟!، وكم من حيوانات تتعرض للانقراض بفعل اختلال التوزن البيئي، مع توسع المشاريع الصناعية بانبعاثاتها المختلفة/!.

يركن البشر الى تأثيم كائنات غير عاقلة، ويوجهون لها سهام الطعن، كي يعفوا أنفسهم من المسؤولية عن وقوع الاختلالات، وكأنما إنسان القرن الحادي والعشرين، في سبيله للعودة إلى نمط الإنسان الأول القديم، الذي يصارع من أجل البقاء، ولا يتردد عن تهديد كل كائن حي حوله، لضمان ما يعتبرها سلامته ونجاته. الفرق إن إنسان زماننا يسعى لاستغلال تلك الكائنات لغايات الجشع لا لدرء خطرها، وذلك جنباً إلى جنب مع استغلال الكائن البشري نفسه، فلمن يتم تصنيع تلك الترسانات الهائلة من الأسلحة وأدوات الدمار؟ لاصطياد الغزلان..؟ لا ، بل لاصطياد البشر.

بما يتعلق بالمرض الأخير، تحدثت تقارير عن أرباح بمئات الملايين تستعد شركات أدوية لجنيها، جراء طرح أدوية لمواجهة إنفلونزا الخنازير. هكذا فإن الأمراض وخلافاً للشائع، مفيدة، والأخطاء قابلة للاستثمار، فهي تحسن من الوضع المالي لشركات تصنيع وتسويق أدوية بعينها، وبعضها مقلدة حذر منها الانتربول، ولو لم يظهر هذا المرض لتقلصت فرص الربح.

من حسن الطالع أن الدول الفقيرة لم يصلها المرض الأخير بعد، وبقيت تنعم بأمراضها التقليدية الناجمة عن سوء التغذية وغياب الخدمات الأساسية. لكن المشكلة وذيولها ألقت ظلالها على بعض هذه البلدان، كما في مصر التي شابتها الأسبوع الجاري توترات طائفية، نتيجة القرار بالتخلص من هذه الحيوانات. أخطاء البشر تبرز مجدداً، لدى أول فرصة وأول مناسبة سانحة.

محمود الريماوي: البشر لا الحيوانات
 
07-May-2009
 
العدد 75