العدد 75 - كاتب / قارئ
 

تُجمع أدبيات التنمية الإنسانية والثقافة السياسية على الدور الذي يمكن أن تؤديه مؤسسات التعليم من مدارس ومعاهد وجامعات في عملية التنمية السياسية، وتعزيز قيم المشاركة والمواطنة؛ فهذه المؤسسات ذات دور مؤثر في عملية التثقيف السياسي والاجتماعي من خلال ما تقدمه من معارف ومعلومات وتجارب عن أنظمة الحكم المختلفة، والتحديات التي يواجهها النظام السياسي. كما يمكن لهذه المؤسسات أن تسهم في عملية الإصلاح، بتعزيز الدعوات والمبادرات الإصلاحية، مثل: الحرية المسؤولة، العدالة، المساواة، المواطنة، أهمية المشاركة وحقوق الإنسان.

الديمقراطية لا يمكن أن تنجح إلا إذا نشأ جيل تلقّن الديمقراطية ومارسها منذ الصغر، في المدارس والجامعات، وتربّى على أساليب الحوار والإبداع في التفكير واستنباط النتائج. هذا لا يتم إلا في إطار تعليم عصري منهجي. لذا يجب أن تدخل الديمقراطية كمفاهيم وسلوك وممارسات في المساقات التعليمية.

إن تحول الجامعات إلى ساحات للعنف الطلابي يؤشر إلى عمق الأزمة التي تعانيها هذه المؤسسات، وإلى العقلية المغلقة التي لم تستطع أن تفتح أبواب المشاركة الحقيقية للطلبة ليعبّروا عن اهتماماتهم الثقافية والسياسية. رسالة الجامعات تتجاوز الجوانب الأكاديمية، نحو رعاية مواهب الطلبة وتدريبهم على أدب الحوار والاختلاف كمقدمة تأسيسية لاحترام الرأي الآخر، والتسامح الفكري، وهو ما ينعكس إيجاباً في مخرجات التعليم التي ترفد مؤسسات الوطن بالقيادات والكفاءات القادرة على العطاء والإنجاز.

إن الأشخاص الأكثر تعليما هم الأكثر وعياً وإدراكاً واهتماماً بالأحداث والظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي فإن النخبة الثقافية يمكن أن تحمل لواء الإصلاح عبر الدور المزدوج الذي يؤديه المثقف في أن يكون باحثاً يقدم الدراسات والتحليلات، ومشاركا في العمل العام بكل مظاهره.

من أبرز إشكاليات الإصلاح الشامل أن مناهج التعليم السلطوية تركز على الحفظ والتلقين، مما يؤدي إلى سيادة ثقافة الإذعان، إضافة إلى عزل النخبة المثقفة، وعدم مشاركتها بفعالية في الحياة العامة.

أما على المستوى المدرسي، فالأزمة ذات جانبين: الأول ما يعتمل في المدرسة من ثقافة دون المواطنة. والثاني يتناول الحياة المدرسية التي تغلب عليها ثقافة دون الديمقراطية. إذا لم تتجه العملية التعليمية صوب المواطنة والديمقراطية، فإن المدرسة ستظل مؤسسة مغلقة؛ فلم يعد للمدرسة اتصال مجتمعي يجعل منها «مؤسسة مجتمعية»، كما أنه ليس هناك تواصل حقيقي بين المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني. تبعا لذلك لا تقدم المدرسة العنصر البشري المتعلم المدرب على المشاركة للعمل في هذه المؤسسات، وليس مستغربا أن تلفظ المؤسسة التعليمية أجيالا من المواطنين السلبيين الذين لم يتعودوا يوما إدارة شؤونهم حتى في أبسط صورها.

والتطوير مهيضُ الجناح، حتى لو كان في جانبه «التقني»، والسبب أن التحديث التقني لا يقترن بالقيم الحديثة التي يتعين عليه أن يحملها وينشرها. فماذا يفيد الطالب إذا تعامل مع الكمبيوتر في مناخ يفتقر إلى الحرية وتعزيز ثقافة المشاركة؟ أو إذا درس كتابا ملفتا في شكله، لكنه لا يرتبط بواقعه المعيش وتساؤلات حياته الأساسية؟

مدنية التعليم ترتبط بأمرين أساسيين هما: نشر ثقافة المواطنة، والارتكاز على الديمقراطية في إدارة الشأن المدرسي والجامعي. من هذا المنطلق فإن المشاركة تعد عنصرا أساسيا في تعريف المواطنة، حيث يتعلم التلاميذ في الفضاء المدرسي والجامعي أن لهم حقوقا، وأن عليهم واجبات، وأن أي تصرف يصدر منهم سوف تتبعه مساءلة.

الحديث عن المواطنة يرافقه ما يعرف باسم «التربية المدنية»، وهي تعد ضرورة أساسية في أي تعليم عصري في دولة مدنية، فالطلبة يجب أن يتعلموا ويمارسوا ثقافة حقوق الإنسان، والوعي البيئي، واحترام الحضارة والمدنية، وإدارة الاختلاف. إن المشاركة الديمقراطية للطلبة في إدارة الشأن المدرسي والجامعي ما زالت محدودة وأقرب إلى «الديكور»، أو تستند إلى إدارات غير ديمقراطية تجعل الطلبة على الهامش، وتخلق شبكات فاسدة لتوزيع المغانم الصغيرة في المجالس والأنشطة الطلابية. والمطلوب إنشاء مجالس طلابية منتخبة انتخابا ديمقراطيا، تُعطى صلاحيات في إدارة الشأن التعليمي من الداخل. هذه هي البداية الحقيقية لدفع الطلبة للانخراط في إطار ما هو قائم من مؤسسات المجتمع المدني.

فيصل الغويين

مؤسسات التعليم أداةً للتنمية السياسية
 
07-May-2009
 
العدد 75