العدد 75 - سينما وتلفزيون | ||||||||||||||
محمود الزواوي يختار مهرجان كان السينمائي الأفلام التي تُعرض فيه - شأنه في ذلك شأن المهرجانات السينمائية العالمية الرئيسة - بتطبيق معايير عالية للغاية، كما يتضح من الأفلام العشرين التي تتنافس على جائزة السعفة الذهبية في دورة المهرجان هذا العام التي تقام بين 13 و24 أيار/مايو الجاري. تمثل هذه الأفلام 17 دولة، وبينها ثلاثة أفلام فرنسية، وعشرة أفلام مشتركة بين فرنسا ودول أخرى. من بين الأفلام المتنافسة على جائزة السعفة الذهبية: فيلم «الزمن الذي يتبقى» للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، الذي يتناول احتلال فلسطين من العام 1948 وإلى اليوم. ومن المخرجين المتنافسين على هذه الجائزة الأميركي كوينتين تارانتينو في الفيلم الحربي «جلوريس باستردز»، والمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار في فيلم «الأحضان المكسرة»، والمخرجة الأسترالية جين تشامبيون في فيلم «النجم الساطع»، والمخرج التايواني أنج لي في فيلم «أخذ وودستوك». يعدّ المهرجان أهم المهرجانات السينمائية في العالم وأشهرها، بسبب المكانة المميزة التي اكتسبها على مرّ السنين. ولهذا المهرجان نكهة خاصة، فهو يجمع بين الفن السينمائي العالمي في أجمل صوره من ناحية، وبين الأبهة والترف والصخب من ناحية أخرى، وتحوّل إلى ملتقى سنوي يتطلع إليه السينمائيون في شتى أنحاء العالم. الناقد السينمائي الأميركي المعروف أندرو ساريس، وصف المهرجان بأنه يمثل تحالفاً بين الفن السينمائي الأصيل والمصالح التجارية، مشيراً إلى أن المهرجان نجح على مر السنين في رفع مستوى الفن السينمائي في الوقت الذي أسهم فيه في ترويج الأفلام السينمائية. عُرض في مهرجان «كان» آلاف الأفلام أمام عشرات الآلاف من الفنانين الذين تذوقوا فيه طائفة واسعة من الاتجاهات السينمائية الخلاّقة التي لم تتوافر في أي مكان آخر. وأتاح المهرجان للسينمائيين في كل مكان الفرصة لمواكبة أحدث التطورات السينمائية في الدول الرائدة في الفن السينمائي. تعود انطلاقة المهرجان في الريفييرا الفرنسية إلى أيلول/سبتمبر 1946، إلا أن فكرة تأسيسه زرعت بذورها في مهرجان البندقية السينمائي في العام 1938 لأسباب فنية وتجارية وسياسية، وربما كانت الأسباب السياسية هي المهيمنة آنذاك، نتيجةً للتطورات التاريخية التي رافقت تلك الفترة الزمنية وشجعت على تأسيس المهرجان. كان يُفترَض أن يُفتتح المهرجان في العام 1939، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون ذلك، وأدى إلى تأجيل هذا الحدث الفني الكبير سبع سنوات. كانت فكرة انطلاق المهرجان وليدة الطابع السياسي الذي هيمن على مهرجان البندقية السينمائي، ما دفع السينمائيين الفرنسيين والأميركيين المستائين مما كان يحدث في ذلك المهرجان، إلى البحث عن مهرجان بديل، بخاصة بعد أن وقع مهرجان البندقية فريسة للضغوط السياسية لنظام الحكم الفاشي في إيطاليا. كان مهرجان البندقية أُسس في العام 1932 باقتراح من الزعيم الإيطالي الفاشي بنيتو موسوليني الذي كان من هواة السينما، ومن المؤمنين الشديدين بالقوة الكامنة للسينما كوسيلة دعائية فعالة، شأنه في ذلك شأن لينين وهتلر، رغم الفارق الكبير في المبادئ السياسية بينه وبينهما. استُقبلت فكرة إنشاء مهرجان البندقية بالترحيب في الأوساط السينمائية في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد السوفييتي وبولندا، وبطبيعة الحال في إيطاليا نفسها. وتحمس السينمائيون في هذه الدول لإرسال أفلام تمثل بلدانهم في المهرجان الافتتاحي بالبندقية العام 1932. وبحلول العام 1936 تحول هذا المهرجان إلى مؤسسة سينمائية عالمية بالغة الأهمية، إلا أنه أصبح في الوقت نفسه خاضعاً لسيطرة النظام الفاشي في إيطاليا. في ذلك العام، أعرب كثير من السينمائيين، بخاصة الفرنسيون، عن استيائهم الشديد عندما مُنحت الجائزة الأولى للفيلم الألماني «إمبراطور كاليفورنيا» للمخرج لويس ترينكر، بدلاً من الفيلم الفرنسي المتميز الشهير «الوهم الكبير» للمخرج جان رينوار. رافقت ذلك حملةٌ دعائية واسعة في الصحف الألمانية، التي استَشهدت بتفوق الفيلم الألماني على الفيلم الفرنسي، كدليل على التفوق الثقافي والحضاري لألمانيا في ظل الحكم النازي. تكرر الأمر نفسه في العام 1938، عندما تقاسم الجائزةَ الأولى فيلمٌ إيطالي وآخرُ ألماني، وجرى تجاهل فيلم الرسوم المتحركة الأميركي الرائد المتميز «سنو وايت والأقزام السبعة» لوالت دزني. كان الفيلم الإيطالي الذي تقاسم الجائزة «الطيار لوشيانو» من إخراج جوفريدو أليساندريني وإنتاج فيتوريو موسوليني ابن الزعيم بنيتو موسوليني. أما الفيلم الألماني فكان فيلم «أوليمبيا» للمخرجة ليني ريفنستال، أبرع وأشهر من أخرج الأفلام الدعائية في تاريخ السينما، والتي اقترنت أعمالها السينمائية الدعائية المتفوقة بفترة الحكم النازي. وأدى ذلك إلى انسحاب العضو الأميركي في لجنة التحكيم احتجاجاً على ما حدث. نتيجة للمنحى السياسي الذي اتخذه مهرجان البندقية بشكل متزايد، تضافرت جهود السينمائيين الفرنسيين والأميركيين وغيرهم لتأسيس مهرجان «كان». وقد حدت هذه الأحداث بالكاتب السينمائي الأميركي توماس كوين لأن يقول في إحدى مقالاته: «موسوليني، صاحب فكرة مهرجان البندقية السينمائي، هو السبب غير المباشر لإنشاء مهرجان كان السينمائي». يعدّ مهرجانا كان والبندقية، إلى جانب مهرجان برلين السينمائي، أشهر المهرجانات السينمائية في العالم في هذه الأيام. إلا أن مهرجان كان يحتفظ برونقه الخاص الذي أكسبه لقب «ملك المهرجانات السينمائية». |
|
|||||||||||||