العدد 75 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: جون بي ميلييتا* هذا عمل مختصر، لكنه شامل حول التجربة السياسية الحديثة في المملكة العربية السعودية، فهو يحتوي على مضامين مهمة لدراسة الشأن السياسي في المنطقة والشأن السياسي المقارن. في هذا الكتاب يقوم نيبلوك بجهد ممتاز في مناقشة القواعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة السعودية المعاصرة. ويركز العمل على شرح الكيفية التي تمكنت بها الدولة السعودية من البقاء من خلال الاستغلال الذكي للبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يُحسن نيبلوك صنعا بمناقشة قضايا الشرعية السياسية داخل المملكة من وجهات نظر مختلفة، من ضمنها الشرعية الشخصية والتقليدية والأيديولوجية. كما يناقش قدرة النظام على تقديم سياسات الرفاء الاجتماعي التي ينتظرها الشعب. وثمة تركيز أساسي في عمل نيبلوك على الإصلاح السياسي في المملكة، وعلى الشرعية الديمقراطية/البنيوية التي سيقدمها «المجلس» للنخب الحاكمة. يعالج نيبلوك الأساس الذي قام عليه الدعم الذي حصلت عليه الدولة السعودية بتفصيل كبير، فهو يناقش القواعد القبلية والإقليمية والدينية والاقتصادية للنظام، إضافة إلى مناقشة الدور الذي تقوم به الدوائر الخارجية والإدارية للدولة. يقسَّم الكتاب على أساس الترتيب الزمني، لكنه يتبع أيضا الموضوعات. وبعد مناقشة عامة للأسس التي يقوم عليها دعم الحكومة وعملية صنع القرار في السعودية، يبدأ نيبلوك نقاشا تاريخيا لتطور الدولة السعودية، وهو ما يوفر مرجعا مختصرا للمختصين، لكن الكتاب وُضع أيضا ليكون مثيرا لاهتمام غير المختصين. وثمة نقاش مهم في صورة خاصة للتحالف بين العائلة السعودية وعبد الوهاب في القرن التاسع عشر. وثمة جزء مهم من الكتاب، وبخاصة للمهتمين بالتطور السياسي، هو ذاك الذي يؤكد فيه إقامة الدولة السعودية الحديثة اعتبارا من العام 1962، وذلك نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية للمملكة التي بدأت خلال حكم الملك فيصل. جزء من الإصلاحات التي تمّت خلال تلك الفترة، هو نمو القطاع العام. يشير نيبلوك إلى أن عدد موظفي الدولة قد ازداد من 36.776 العام 1962، إلى 85.184 العام 1971؛ ثم ازداد إلى 25 ألفا مع نهاية السبعينيات. كما أقيم نظام خدمة مدنية حديث، ووزارات مختلفة من ضمنها وزارات العدل والتعليم العالي والشؤون البلدية والريفية والتخطيط. إلى ذلك، خُفضت سلطة المشايخ القبليين لصالح الموظفين الحكوميين. خلال تلك الفترة دخل حيزَ التنفيذ عددٌ من الإصلاحات القانونية، من ضمنها إلغاء الرق، وتطبيق قانون العمل. هذه الإصلاحات، إضافة إلى إقامة نظام خدمة مدنية حديث، خففت من سلطة الزعماء القبليين والدينيين لصالح مؤسسات الدولة. هنالك أيضا إعادة تشكيل الاقتصاد السعودي الذي تم خلال تلك الفترة. يقدم نيبلوك الكثير من التفاصيل حول تطور الاقتصاد السعودي، وكيف أن ذلك تزامنَ مع إقامة الجهاز البيروقراطي للدولة. كما يناقش العديد من خطط التنمية وإنشاء جهاز بيروقراطي مركزي لتنفيذها، فقد أنشئت مؤسسة التخطيط الوزاري العام 1965، تبعها إنشاء وزارة التخطيط بعد عشر سنوات. ويعالج المؤلف أيضا أهمية المكتسبات التي تحققت في مجال الإنفاق العام خلال تلك الفترة في حقول مثل: التعليم، والتنمية الصناعية، والبنية التحتية. كما يناقش نيبلوك صعود المملكة العربية السعودية بوصفها قوة اقتصادية، فيتناول بالتفصيل الدور الحاسم الذي أدّته السعودية بوصفها أحد أقطاب العالم العربي خلال الحرب الباردة في الستينيات، حين ترأست الرياض تحالف الدول العربية المحافظة ضد تطور القوة المصرية. وفي ما بعد، برزت السعودية بوصفها لاعبا رئيسيا في المنطقة عبر مقاومتها نمو الدول العلمانية المتشددة. يخصص نيبلوك فصلاً للسياسة الخارجية السعودية في المنطقة، وهو ما يوفر منظورا ممتازا ومختصرا لأولئك المهتمين بدراسة التوجهات السياسية الدولية للشرق الأوسط، وللعلاقات السعودية الأميركية بخاصة. ويبرز المؤلف ما يعدّه تناقضات حول قضايا الدعم السياسي المحلي والعلاقة المستمرة بين الحكومة والولايات المتحدة. ويستخلص أنه لكي تحافظ على الدعم الداخلي والعلاقات الخارجية مع الدول المجاورة، فإن السعودية قد يكون عليها أن تشدد على العلاقات مع دول جنوب وشرق آسيا التي تقدم هي الأخرى حوافز اقتصادية جذابة. ويستنتج المؤلف أن الدولة السعودية تواجه ثلاثة تحدّيات: الأمن، قضايا العمل، وجلب مجموعات محلية محيّدة إلى التيار الرئيسي، ويجادل نيبلوك في أن على الدولة أن تبني قاعدة ديمقراطية/بنيوية للشرعية، ويكشف عن أمل يراوده مجادلا أن الملك عبد الله قد أعرب عن التزام بالإصلاح، ويستنتج المؤلف أنه لكي ينجح هذا الإصلاح فعليه أن يأتي ببساطة من القمة إلى الأسفل، لكنه يجب أن يشمل المشاركة الشعبية. هذا الكتاب محفز للفكر في صورة كبيرة، كما أنه كُتب في صورة جيدة معتمدا على قدرة بحثية جيدة، فهو يحتوي على ببليوغرافيا مفيدة وعلى تسلسل زمني لتاريخ البلاد. إنه مفيد للمختصين من دارسي الشرق الأوسط، وكذلك أولئك الذين يدرسون تطور العالم عموما. وسوف يكون مفيداً في صورة خاصة للمختصين الذين يدرسون التطور السياسي، وأثر الإصلاح على الشرعية السياسية.
* قسم التاريخ والجغرافيا والعلوم السياسية، جامعة تنيسي، ناشفيل بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||