العدد 75 - ثقافي
 

نضال برقان

بمثابة أمّ ظلت على وفائها لأبنائها الذين أوغلوا في عقوقهم. هكذا تبدو صورة الزرقاء على الصعيد الثقافي في الراهن والمعيش، رغم أن هنالك حالات نادرة بادل فيها أبناء الزرقاء مدينتَهم بوفاء إبداعي خلاّق، كما هو حال الشاعر أمجد ناصر الذي ظل «زرقاويا» رغم أنه لم يكن ابنها، الذي لم يولد فيها، وقد أنصفها كتابةً رغم طول غيابه عنها.

يمكن على عجل تعداد عشرات المبدعين من أبناء المدينة: الراحلون محمد القيسي، خليل السواحري، أحمد المصلح، بدر عبد الحق، إضافة إلى فخري قعوار، زهير أبو شايب، يوسف ضمرة، محمد ضمرة، محمد سمحان، هند أبو الشعر، علي البتيري، إبراهيم خليل، وغيرهم كثير من المبدعين الذين سرعان ما تركوا المدينة متجهين صوب العاصمة عمان.

صورة مدينة الزرقاء كانت حاضرة في مرايا الإبداع الأردني، بيد أن المشهد سرعان ما تغير، فالمدينة التي انعكست في تلك المرايا كانت مدينة الستينيات والسبعينيات من خلال إبداعات رواد القصة الأردنية: قعوار والسواحري وعبد الحق. أما الزرقاء «الحديثة» أو «الجديدة»، فظلت بعيدة عن أبنائها المبدعين رغم أن هنالك بعض الحالات النادرة هنا أو هناك، مثل القاص سعادة أبو عراق، الذي ما زال يتحرك إبداعيا في فضاءات المدينة.

حراك المدينة الثقافي في الراهن متواضع نسبيا؛ قبل ثلاثة أعوام كانت إربد مدينة للثقافة الأردنية، تلتها السلط، فالكرك، وهو تسلسل فيه الكثير من المنطق، وربما لن تكون الزرقاء مدينة للثقافة الأردنية في العام المقبل، فالحراك الثقافي ذاهب في اتجاه النمطية والتقليدية، وهو بالكاد منحصر في أمسية هنا أو ندوة هناك.

الزرقاء تعدّ ثاني مدن المملكة من حيث عدد السكان بعد عمّان.

لم يكن المبدعون فقط هم الذين رحلوا عن المدينة، فقد رحلت أيضا فعاليات ثقافية ارتبطت باسمها، مثل «مهرجان شبيب» المنبثق عن «جمعية شبيب للثقافة والفنون»، وهي جمعية غير ربحية. كانت انطلاقة المهرجان العام 1995، وكانت فعالياته تقام في المدينة، ولكن سرعان ما راحت تتمدد باتجاه جمهور العاصمة، حتى أصبحت تقام على مسرح المدرج الروماني في عمّان، إسهاما من إدارة المهرجان «في إعادة الحياة إلى وسط عمّان القديم العابق بالحضارات والتراث منذ أقدم العصور».

كانت المدينة شهدت حراكا ثقافيا لافتا مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث تشكل نادي أسرة القلم العام 1973، وترأس سميح الشريف أول هيئة إدارية للنادي، الذي انتسب إليه أدباء تحول بعضهم إلى نجوم في سماء الإبداع المحلي لاحقاً، كما استقطب النادي شعراء وكتابا ومثقفين من خارج الأردن مثل الشاعرين الراحلين: السوري عبد المنعم الملوحي، والبحريني إبراهيم العريض.

عند الحديث عن المشهد الثقافي في الزرقاء في السبعينيات، لا يمكن القفز عن عدنان علي خالد الذي توفي منتصف الثمانينيات. حيث حوّل صالون الحلاقة الذي كان يديره إلى صالون أدبي، كان ملتقى لمبدعي المحافظة.

كما يقام في المدينة، أول خميس من كل شهر، صالون أدبي يشرف عليه القاص أحمد أبو حليوة، يحمل اسم «البيت الأدبي». وعلى مدى ست سنوات حافظ الصالون على ديمومته، إلى جانب تنظيم بعض اللقاءات خارج المدينة. صدر عن هذا الصالون عددان من كتاب سنوي يتضمن نماذج من كتابات رواده: «اثنا عشر 2007»، و«اثنا عشر 2008».

يسعى الصالون لتطوير تجارب رواده من خلال القراءة والتعليق عليها، إلى جانب استضافة مبدعين من ذوي التجارب المميزة لتحقيق المزيد من الاستفادة لرواده، ومنهم: صلاح أبو لاوي، إبراهيم السرطاوي، منى خليل، عبد الرحمن عبيدات، سعادة أبو عراق، معاذ حماد، عبد الكريم اليماني، فوزي أبو السعود، عادل الحجاوي وأحمد القزلي.

كانت رابطة الكتاب الأردنيين افتتحت لها فرعاً في المدينة في 25/12/1984، جُمِّد في 2/4/2002، وشهد العام 2007 إعادة تفعيل الفرع، لكن من دون مقر. ويبلغ عدد أعضاء الفرع 37 عضوا، ويترأس هيئته الإدارية يوسف أبو العز.

في الزرقاء جامعتان: الهاشمية (حكومية)، والزرقاء الأهلية. ورغم مضي سنوات على إنشائهما، إلا أنه لا يكاد يُعثَر على أثر لهما على صعيد التنمية؛ الثقافية تحديدا، ذلك أن هاتين الجامعتين ترنوان إلى العاصمة من خلال نشاطاتهما التي تأتي من دون خصوصية محلية.

الزرقاء: أمٌّ حانية لمثقفين غابوا عنها
 
07-May-2009
 
العدد 75