العدد 11 - أردني | ||||||||||||||
تشكيل «التيار الوطني»، الذي يضم حتى الآن أكثر من نصف عدد أعضاء مجلس النواب ال 110 يثير تساؤلات حول آليات صناعة الأحزاب وأولوية الحزب أم الكتلة تحت القبّة. كذلك يثير هذا التيار العريض، سجالاً حيال تشكيلته النخبوية ومبرراته وسط اتهامات بأن يكون واجهة للسلطة التنفيذية. ويرى القائمون على التيار أنه سيكون نقطة انطلاق باتجاه التأسيس لحزب سياسي سيخرج من رحم البرلمان، مشيرين إلى أنهم بصدد إعداد مسودة منطلقات أساسية تؤطر عملهم وتضع الهيكليات التنظيمية للحزب الجديد. يجد قيام التكتل الجديد، وفق تحليل أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أحمد نوفل، «دافعه الموضوعي في ضعف الأحزاب السياسية الأردنية التي لم تنجح في بناء ثقل مناسب داخل مجلس النواب باستثناء جبهة العمل الإسلامي التي كان لها سابقاً نفوذ نيابي ملحوظ لكنه تراجع في المجلس الخامس عشر». من بين نحو 36 حزباً مرخصاً، لم يخض الانتخابات النيابية في 20 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي سوى خمسة أحزاب. ستة فقط من مرشحي جبهة العمل الإسلامي ال 22 حالفهم الحظ بالوصول إلى مجلس النواب.
الهرم المقلوب
على طريقة «الهرم المقلوب»، يرى نوفل، أننا «أمام تجربة جديدة. إذ خلافاً لما هو معهود في الحياة الديمقراطية، حيث يبدأ التكتل خارج القبة من حزب أو ائتلاف أحزاب، ثم يمتد إلى البرلمان، فإن الحزب المنتظر سوف يخرج من رحم البرلمان». هذه المعادلة، يردف نوفل، «غير مألوفة في حياتنا السياسية». على أن أستاذ العلوم السياسية، يرى أن هذا التكتل «محكوم عليه أن لا يكون حزباً جماهيرياً، بل حزباً نخبوياً، يستقطب فئات معينة من المجتمع، وليس القطاع العريض من الناشطين في العمل العام». ويرجع ذلك إلى أن «الجماهير لا تساند حزباً ليس له فكر سياسي، فالحزب الجماهيري يبنى من القاعدة، وليس حصيلة أصوات الناخبين». يتمحور الجدال في توصيف هذا التكتل بأنه «حزب للسلطة أو على الأقل متناغم معها، يستهدف تحجيم نفوذ الإخوان المسلمين»، حسبما يرى نوفل. إلى ذلك يعتقد أن هذه الكتلة «بما تمثله من أغلبية في مجلس النواب ستكون رافداً للحكومة». الدبلوماسي السابق، ورئيس المكتب السياسي لحزب الوسط الإسلامي، فايز الربيع، يرى من جهته أن «شرط أن تشكل هذه الكتلة نقلة نوعية في الحياة النيابية يكمن في قدرتها على مراقبة أداء السلطة التنفيذية على أرضية الدور التشريعي والرقابي المنوط بمجلس النواب». على أن الربيع يستدرك، أن هذه الكتلة النيابية «لن تشكل حالة ضغط على الأداء الحكومي، بل ستسهل مهمة هذا الأداء وتكون محكومة بتوافقها مع السلطة التنفيذية». يستشهد بالعلاقة «الممتازة حالياً بين مجلس النواب والحكومة». باستعراض تجربة عبد الهادي المجالي، في هندسة تشكيل «الحزب الوطني الدستوري»، من اندماج تسعة أحزاب وسطية في أيار/ مايو 1997، يقول الربيع إن «التجربة الجديدة تختلف نوعاً ما، إذ تمتلك إمكانيات أكبر، وأوراقاً أكثر». ومع ذلك يعتقد الربيع أن «المرحلة الأولى من نشاط الحزب التي ستشكّل طابعه العام هي بناء العضوية بالنمو والاستقرار. ولكن من المرجح أن تبدأ المشاكل الداخلية في مرحلة لاحقة». على أن الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، أحمد يوسف، ينطلق في نظرته إلى التيار الوطني من «المنحى العام التراجعي» لتشكيل المجالس النيابية التي أفرزها «قانون الصوت الواحد المجزوء» منذ العام 1993. فيوسف يرى أن تلك المجالس «أصدرت قوانين عمّقت الأزمة الاقتصادية، وأصابت الحريات العامة بنكسة أعادت الأمور إلى ما يشبه «الأحكام العرفية» إذ بات «الأمن أولاً على حساب حقوق المواطن». ويتساءل يوسف عن المسؤول «عن فرط عقد الحزب الوطني الدستوري، معتقداً أن التيار الوطني لن يبقى موحداً، فهناك تعارضات ستبرز لاحقاً بما في ذلك بين كتلة التيار والحكومة». يتفق يوسف مع الربيع، على أن المهم هو أن يفصح التيار الوطني عن توجهاته البرنامجية حتى يتم التعامل معه على هذا الأساس. يرى الربيع أن الدافع لتشكيل هذه الكتلة «بروز إمكانية قيام كتلة كبيرة تمتلك القدرة على حسم القرارات الرئيسية المطروحة على المجلس، وفي الوقت نفسه تكوين نواة حزب سياسي كبير». ويتوقع «أن تخفف هذه الكتلة من الانطباعات السلبية والصورة المشوشة عن المجلس الخامس عشر التي تكونت في ضوء تركيبته والمناخات التي أجريت في ظلها الانتخابات». ثمة شبه اتفاق على «أهمية هذه الكتلة» بما تمثله من ثقل في مجلس النواب، وعلى «المنحى العام للحزب السياسي الذي سيتمخض عنها». في هذا الإطار، يرى الربيع «أن الأصل هو أن يبدأ الإصلاح من الأحزاب السياسية ثم يصبح لها تمثيل ودور في البرلمان. ولكن كتلة التيار الوطني تمثل تجربة مختلفة من حيث أنها تبدأ من البرلمان، ثم سيسعى الأعضاء المنخرطون فيها إلى تجميع الناس من حولهم في الحزب المنتظر». وهذا يعني «أن الحزب لن يقوم انطلاقاً من رؤية ومرجعية حزبية، بل ارتباطاً بتصور الجمهور المستهدف لفرص قيام هذا المشروع بخدمة مصالحه». يثير نوفل «إشكالية تتعلق بأفق تطور الأحزاب السياسية»، مستدركاً أن قانون الأحزاب السياسية النافذ «ليس في صالح هذا الحزب أو غيره من الأحزاب». فمشكلة الأحزاب، بحسب نوفل، «تكمن في بنيتها أولاً وليس بمدى نفوذها في البرلمان». فالسؤال الأكثر أهمية هو: «هل ستشجع السلطات قيام أحزاب جماهيرية»؟ هناك تجارب سابقة فشلت». تناضل الأحزاب السياسية من أجل بقائها في ظل شروط تعتبرها تعجيزية تضمنها قانون الأحزاب الجديد، وخصوصاً رفع عدد الأعضاء المؤسسين إلى 500 عضو. تسرّبت معلومات عن نزوع عدد من الأحزاب إلى شراء «عضوية» مؤازرين جدد تماشياً مع مقتضيات القانون الجديد، الثاني منذ إعادة الشرعية للتنظيمات السياسية عام 1992- بعد حظر دام 35 عاماً. في الاتجاه ذاته، يعتقد يوسف أن «التكتلات الفوقية في مجلس النواب لا تقود إلى تقدم حقيقي في العمل السياسي إذا لم تقم أصلاً على أساس برنامجي». إذ يفترض أن تشكل الأحزاب «مرجعية أداء كتلها في البرلمان، وهي الضمانة في التمثيل الحقيقي لفئات المجتمع»، بحسب يوسف الذي يرى «أن القائمين على هذا المشروع لا يفصحون حتى الآن عن برنامجهم السياسي والاقتصادي، ويرهنون هذه المسائل الأساسية بتشكيل التيار الوطني أولاً». «ثمّة عملية تجميع قوى تتوفر لها زعامة تقود هذا التيار في هذه المرحلة»، يستخلص يوسف. «أي أن الأمور معكوسة رأساً على عقب». وينوه يوسف إلى أن كتلة التيار الوطني تستطيع بقوتها العددية أن «تحسم أي تشريع، ما يعزز حالة التماهي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويطرح تساؤلاًت حول ما إذا كانت البلاد إزاء حكومة واحدة أم أن هناك تقسيماً للعمل في وظائف الحكومة؟». عبد الهادي المجالي، الذي تم انتخابه رئيساً لكتلة التيار الجديد، أكد في أكثر من مناسبة أن الهدف من وجود كتلته هو الإنطلاق نحو قيام حزب جديد. ويعتقد أن المنطلقات الأساسية للتيار التي سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق ستجيب عن العديد من الأسئلة الهامة في هذا الصدد، لافتاً أن التيار سيقدم رؤيته للعديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بالوطن. |
|
|||||||||||||