العدد 75 - حريات
 

نور العمد

رغم المطالب الملكية ببناء مداميك صحافة حرة «سقفها السماء»، إلا أن حرية الصحافة وفقا لتقارير دولية ومحلية، تراوح مكانها في الأردن، إذا ما زالت التشريعات والممارسات الحكومية تحد من عمل الصحفي، ما يدفعه إلى ممارسة رقابة ذاتية خشيةَ التعرض لـ«المساءلة» و«الضغوطات من الجهات العليا»، أو «إضاعة فرصة للتقدم».

معوقات كثيرة تواجه الصحفي في عمله، سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا، فالسلطة الرابعة والقوة التي تتمتع بها لا تمنع من أن تكون عرضة للرقابة الحكومية والأمنية باستمرار، و«تكميم الأفواه المطالبة بكشف الحقيقة»، بحسب ما يشتكي صحفيون مخضرمون.

يُحتفل سنويا في 3 أيار/ مايو باليوم العالمي لحرية الصحافة، لتأكيد أهمية هذه الحرية الأساسية للصحفيين، لتمكينهم من كشف إساءات استعمال السلطة.

لكن الإعلاميين في الأردن ليسوا متفائلين برفع مستوى حرية الإعلام، وفقا لما يقوله مدير مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور. «لا بد من ترك الإعلام ليعمل بشكل مستقل حتى يرتفع منسوب حرية الإعلام، فضلا عن توقف التدخل في الإعلام بكل أشكاله»، يقول منصور داعياً إلى «تطوير التشريعات الداعمة لحرية الإعلام، ووضع مدونات للسلوك المهني، ووقف تغول المؤسسات الإعلامية على الصحفيين، وإعطائهم هوامش من العمل والحرية لمزيد من الإبداع»، مؤكداً أهمية وجود مؤسسات مجتمع مدني «تدافع عن حرية الإعلام».

مركز حماية وحرية الصحفيين أصدر تقريراً في الثاني من أيار/مايو، هو السابع من نوعه، لرصد حالة الحريات الإعلامية في الأردن. يرى التقرير أن حرية الصحافة في الأردن تراوح مكانها، وأن الإعلاميين غير راضين عن واقع الصحافة، وأنهم يعتقدون أن الإجراءات التي اتُّخذت حتى الآن لم يكن لها تأثير على حرية الإعلام. وأظهر استطلاع ضُمّنت نتائجه في التقرير أن 94 في المئة من الصحفيين يُخضعون أنفسهم لرقابة ذاتية، وهي النتائج نفسها التي أظهرها الاستطلاع الذي أجري العام 2007، وأثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية آنذاك.

نقيب الصحفيين الأردنيين عبد الوهاب الزغيلات، قال إن ما نُشر في تقرير مركز حماية وحرية الصحفيين مجرد أرقام صماء. وأضاف: «أعني بـ(الصماء) تحديدا ما جاء به التقرير بأن 94 في المئة من الصحفيين يفرضون رقابة على أنفسهم. هذا ظلم للوسط الصحفي الأردني، فالصحفي الأردني أصبح على دراية عالية في المهنة، وذا مستوى عالٍ في فهمه ووعيه. الحرية لا بد أن يصاحبها مهنية عالية، تتجاوز الرقابة الذاتية، ويتم ذلك من خلال عقد دورات تدريبية وصقل خبرات الصحفيين».

كانت النقابة أعدت حزمة من التعديلات على قوانين النقابة، والمطبوعات والنشر، والعقوبات، وضمان حق الحصول على المعلومات، من أجل تعظيم العمل النقابي، وفتح أبوابه ليستوعب كل العاملين في المهنة، وللمحافظة على حق المواطن في إعلام حر ونزيه يصون حقوقه وكرامته.

النقابة طالبت الحكومة «باتخاذ إجراءات حقيقية تعزز دور الإعلام ليقوم بدوره الوطني كمنصة للحوار العام في القضايا المختلفة، وفي مقدمتها التنمية المستدامة، وتعزيز الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وترسيخ الولاء والانتماء للوطن وقيادته».

ورغم أن هنالك مؤشرات في استطلاع مركز حماية وحرية الصحفيين، تُظهر تقدماً وتحسناً نسبياً في المشهد الإعلامي إذا قورن بنتائج العام 2007، بخاصة في نظرة الصحفيين نحو التشريعات وتأثيراتها في حرية الصحافة، وتراجع عدد الصحفيين الذين يتعرضون لتدخّلات في عملهم، فإن الصورة العامة لا تظهر قدراً من التفاؤل. ويبدو الواقع الإعلامي: «مكانك سر».

خلال العام الماضي، وَثّقت وحدة المساعدة القانونية للإعلاميين «ميلاد» التابعة لمركز حماية وحرية الصحفيين، 33 شكوى تضمنت 47 قيداً أو انتهاكاً لحقوق الصحفيين، مثل المنع من التغطية الصحفية، واحتجاز الحرية.

تلك الشكاوى تقدم صورة عن المشكلات التي يواجهها الصحفيون. حيث كشف رسام الكاريكاتير الصحفي عماد حجاج، في شكوى قدمها للمركز (13/2/2008) عن تعرضه للتهديد والمضايقة مرتين متتاليتين إثر نشره رسمَين كاريكاتوريين، ربطَ في الأول تلوث المياه بمياه مغطس المسيح عليه السلام، ما أثار استياء بعض المسيحيين. والثاني «خط حياتك الجديد» نُظر إليه على أنه يوجّه انتقادا للإسلاميين. لكن حجاج أكد أنه لا ينتقد الأديان، ولخّص شكواه بقوله: «تعرضت لحملة شبه منظمة من متطرفين دينيين حضّوا على تكفيري وقمعي، والحد من حريتي في الرسم».

وفي 3/3/2008، قدمت رئيس تحرير إذاعة «راديو البلد» آنذاك، سوسن زايدة، شكوى جاء فيها أن «موظفي الأستوديو في مجلس النواب قاموا يوم الأربعاء (27/2/2008) بقطع البث عن راديو البلد، وبالتالي لم نتمكن من بث الجلسة».

آخر القضايا، ما حدث للكاتب خالد محادين الذي نشر على موقع «خبرني» الإلكتروني مقالة بعنوان «مشان الله يا عبد الله»، طالب فيها الملك عبد الله الثاني بحل مجلس النواب لعدم القيام بدوره المنشود، لكن القضاء برأ محادين.

«خبرني» هو الموقع الإلكتروني الوحيد المسجل في وزارة الصناعة والتجارة، إلا أن ذلك وفق محادين لم يحدّ من سقف حريته، بحسب ما صرّح لـ«ے». «حرية الصحافة لا تُنَظَّم بالتشريعات، وأي تشريع حول الصحافة هو تقييد لعملها، والمشكلة أن القيود التي يضعها الصحفي أو الكاتب على نفسه هي أسوأ بكثير من تلك التي تضعها التشريعات».

مديرة إذاعة «راديو البلد» سوسن زايدة، تبين أن هنالك نحو 30 إذاعة في الأردن، منها ثلاث إذاعات تابعة لجامعات، وأربع يتبعن هيئات حكومية، وعدد كبير من الإذاعات الترفيهية، مقابل ثلاث إذاعات إخبارية سياسية مستقلة فقط.

ترى زايدة أن قانون الإعلام المرئي والمسموع يُعدّ مقيدا رئيسا، حيث يتضمن عبارات عامة مثل «التقيد بالمصلحة الوطنية»، يمكن أن تُستخدم كسلاح لتقييد الوسائل المستقلة. «إذا رصدنا اتصالات المستمعين في البرامج الإخبارية أو السياسية في الإذاعات، نجد أنها محدودة، وأغلبها يتعرض للرقابة المسبقة، إضافة إلى القيود التقليدية مثل اتصال مسؤولي أجهزة أمنية وحكومية بصحفيين وقائمين على وسائل الإعلام، وضغوطهم عليهم لسحب خبر ما مثلا».

في الأثناء، وبهدف الارتقاء بمهنة الصحافة ورفع مستواها المهني، أطلقت مؤسسة أبو محجوب للإبداع الفني دليلَ الصحفي تزامنا مع اليوم العالمي للصحافة.

منسق الدليل الصحفي محمد عمر، بيّن أن الدليل جاء لـ«مساعدة الصحفيين المبتدئين على المبادئ الأساسية في عمل الصحافة، كالأخبار ومصادرها، والتفريق بين التقرير والتحقيق الصحفي، واستخدام الصورة، إضافة إلى الكتابة والبحث عن المعلومات من خلال شبكة الإنترنت».

يسعى الدليل، وفق عمر، إلى الحفاظ على مهنية الصحفي والارتقاء بعمله، بما يجنّبه الكثير من «المساءلة القانونية والرقابة الذاتية على نفسه».

في يوم حرية السلطة الرابعة: إعلاميون لحريةٍ لا حدود لها
 
07-May-2009
 
العدد 75