العدد 75 - حريات | ||||||||||||||
محمد شما صدرت ثلاثة تقارير عن حقوق الإنسان مؤخراً، وسط جمود في الحراك الحكومي نحو إزالة التجاوزات وتفادي تكرار الأخطاء التي تَرِدُ منذ سنوات في التقارير المحلية والدولية. التقرير الأول أصدرته أول آذار/مارس الماضي المنظمة العربية لحقوق الإنسان (فرع الأردن التابع للهيئة الأم في القاهرة)، تبعه تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان في الثاني من أيار/مايو، وثالث عن نقابة المهندسين الأردنيين في الثالث من الشهر الجاري. التقارير غطّت طيفا واسعا من المحاور بدءا من أوضاع السجون وانتهاء بحقوق العمال. ازدحام التقارير تزامن مع عيد العمال العالمي. في الأول من أيار اعتصم العشرات من عمال المياومة اعتصاماً أمام مقر الديوان الملكي، مطالبين بتحسين أوضاعهم المالية. كذلك اعتصم عمال مصانع في منطقة الضليل احتجاجا على عدم تسلمهم رواتبهم لشهري آذار ونيسان الماضيين. بخلاف هذين التحركين الخجولين، ظلّت الساحة العمالية هادئة، في وقت عبّر فيه عمّال غالبية الدول عن وجودهم عبر سلسلة تظاهرات واحتجاجات، من الغرب الرأسمالي إلى بقايا الأنظمة الشيوعية في أميركا اللاتينية وشرق آسيا. تقرير المركز الوطني تحدث عن «تحسن ملموس» في واقع العمّال بعد أن عدّلت الحكومة بنوداً في قانون العمل تتعلق بإزالة أشكال التمييز بين العمال العرب والأجانب. يبيّن التقرير أيضا انخفاض أعداد شكاوى متصلة بـ«حق الجنسية» من 64 في العام 2007 إلى 30 شكوى العام الماضي. في لحظة صدق، أرجع رئيس مجلس أمناء المركز عدنان بدران هذا الانخفاض، إلى تراجع عدد المتقدمين، لوصولهم إلى قناعة بـ«عدم قدرة المركز على القيام بشيء حيال هذا الملف». وأعرب رئيس الوزراء الأسبق عن الأمل في النظر ِإلى هذه القضية «من جانب إنساني بحت»، قائلاً: «لنتجاوز البعد السياسي للقضية وننظر للبعد إنسانياً». وطالب تقرير المركز بتعديل 31 قانوناً حتى تتواءم وحقوق الإنسان، أبرزها قانون الجنسية الأردنية ومنع الجرائم ومحكمة أمن الدولة والاجتماعات العامة، الذي أدخلت عليه تعديلات جوهرية تمس حق الإنسان، بخاصة في ما يتعلق بتعريف الاجتماع وطلب الحصول على الإذن. في المقابل سجّل تقرير المركز نقاطا إيجابية للحكومة، منها إقرار قانون المظالم ((Ombudsman، تعديل قانون العمل وإقرار قانون الحماية من العنف الأسري. على أن نشطاء في مجال حقوق الإنسان لا يرون جديدا في تقرير المركز. مجمل القضايا التي تناولها التقرير «قديمة جديدة، سبق أن تعرضت لها مؤسسات المجتمع المدني دون تحقيق التغيير المنشود. وها هو المركز الوطني لحقوق الإنسان ينضم إلى حد ما إلى هذه المنظمات»، تقول الناشطة الحقوقية والمحامية إنعام العشي. ترى العشي أن المركز الوطني «أقرب إلى الحكومة منه إلى منظمات المجتمع المدني»، وتستدرك: «نسجل نقطة إيجابية بحقه، على أساس أنه جهة تقر بحقوق المواطنين وتحديداً من فئة مسحوبي الجنسية». التقارير الخمس التي صدرت منذ إنشاء المركز بموجب قانون في العام 2002، تشابهت في مضامينها، فيما تكرّر الحكومات كليشيهات ردودها. إذ تؤكد السلطة التنفيذية دائما أن ما يرد في تقارير المركز مردود عليه، مؤكدة استمرارها في احترام حقوق الإنسان. لئن خصّص تقرير هذا العام حيزا من التقرير للحديث عن قضية «سحب الجنسية»، موثقاً حالات قُيّدت بحق مواطنين دون وجود استجابة حكومية، أفرد تقرير لجنة الحريات في نقابة المهندسين مساحة واسعة لهذه القضية، التي تتصدر اهتمامات النقابات المهنية. حتى إن تقرير لجنة النقابة حمل عنوان «مواطنون بلا جنسية»، مستعرضاً الحالات التي سُحبت جنسيتها، وطالب الحكومة بضرورة إعادة الجنسية لـ21 مهندساً. أما تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فـ«حث الحكومة» على عدم سحب جنسية أي مواطن إلا بموجب قرار قضائي»، وطلب «الكف عن مثل هذا الإجراء». رئيس لجنة الحريات في نقابة المهندسين ميسرة ملص، برّر اهتمام تقارير النقابة السنوية بملف سحب الجنسية، بـ«الارتفاع الملحوظ في أعداد المهندسين الذين سُحبت جنسيتهم»، لافتا إلى أنها «تشكل 60 في المئة من عدد الشكاوى». يطالب ناشطون حقوقيون بممارسة تأثير أكبر على الحكومة، كي تتجاوب مع تقارير المركز الوطني وسائر المؤسسات غير الحكومية. وإذ لم يأتِ المركز الوطني بجديد في الموضوعات، التي سبق أن تناولتها المنظمات غير الحكومية، فإن مكانة المركز «شبه الحكومية» واختلافه عن المنظمات غير الحكومية، التي يقال دوما إنها «تصدر تقاريرها بناءً على أجندات خاصة» أو أنها «مسيسة»، تستدعي حلولا جذرية للتجاوزات المتكررة. مع ذلك يتعرض المركز بدوره للتجاهل الحكومي لما يتضمنه تقريره، على ما يرى الناشط الحقوقي سليمان صويص، الذي يتساءل: لماذا التنكر وإدارة الظهر لقضايا حقوقية أساسية؟ بالعودة إلى التقرير الأول للمركز (2005)، جاء الرد الحكومي عليه بعد عشرة شهور على صدوره. يستذكر صويص كيف كان الرد أشبه بـ«مرافعة» ردت على جميع الانتقادات التي نشرها التقرير. أما التقرير الثاني، فلم يحظَ برد حكومي، مع أن الحكومة وعدت بالرد عليه. التقرير الثالث مر بدوره «مرور الكرام»، وكذلك الحال مع التقرير الرابع. هنا يتساءل صويص: «هل سيبقى الرد الحكومي مزاجياً، ويبقى تقرير المركز مجرد مناسبة نحتفي بها سنوياً». ويضيف: «من المفترض أن يشكل هذا التقرير محطة مهمة للمؤسسات والمنظمات، وفرصة للدولة لمراجعة سياستها تجاه حقوق الإنسان، فيما هي تسلك الآن في بعض إجراءاتها وتدابيرها بمنأى عما يتناوله التقرير». يمضي الناشط في مجال حقوق الإنسان إلى التساؤل: «إذا لم يكن هناك تجاوب حكومي فما الفائدة منه! هل هو لأغراض الديكور أمام العالم، كي نريهم أن لدينا تقريراً حقوقياً صادراً عن مركز حقوقي؟». ويؤكد أن «الفائدة الجوهرية للتقرير هي حث الحكومة على التعديل، وإجراء التغيير بما يتواءم وحقوق الإنسان». يؤيده في الطرح ناشط حقوقي فضّل عدم نشر اسمه تعرض مركزه للإغلاق قبل سنوات عدة. يقول الناشط: «الحكومة لم تواكب أياً من التقارير التي أصدرها المركز خلال السنوات الماضية. وإن كان هناك رد فيأتي باهتاً لا رد في رده». أكاديمي بارز في تخصص «علم الاجتماع» بجامعة البترا الخاصة، لم يكن يتوقع أن يتناول التقرير على «استحياء» واقع التعليم العالي. يقول: الفصل الخاص بالتعليم العالي جميعه «إشادة» في موضوع «القبول» و«الاستثناءات»، و تم إغفال قضايا عديدة. يستذكر الأكاديمي ما قاله زميله الأكاديمي عدنان البخيت في تموز/يوليو 2008، حين وصف الجامعات الأردنية بأنها «تحتضر». وكذلك يؤشر إلى مقالة أشار فيها وزير التعليم العالي وليد المعاني، إلى تدني مستوى التعليم العالي. «فأين التقرير من هذا الواقع»؟ يتساءل الأكاديمي مضيفاً: عن أي واقع تعليمي يتحدث التقرير؟ هل تناول التدخلات، الحد من استقلالية الجامعات، العنف الجامعي وتدني مستوى التعليم؟ إلى ذلك سجّل عتباً على رئيس مجلس أمناء المركز الذي هو رئيس جامعة في الوقت نفسه. خلال تسلمه تقرير المركز الوطني في اجتماع متلفز حظي بمساحة إعلامية بارزة، أكد الملك عبد الله الثاني على «ضرورة دراسة جميع توصيات التقرير، والتحرك باتجاه معالجة أي إشكالات وتجاوزات تؤثر سلباً في حقوق الإنسان في المملكة». ودعا الملك إلى وضع «آلية عمل مؤسسية تعمل بشكل فاعل لضمان حماية حقوق الطفل والمرأة». سبق أن أكد الملك أنه «من غير المسموح أن يُعتدى على الأطفال أو يُساء إلى أي طفل في الأردن». وقال: «إذا أردنا أن نتحدث بشفافية، أنا لا أشعر أن هناك آلية مؤسسية تدعم وتحمي المرأة والطفل بهذا الاتجاه». المركز الوطني لحقوق الإنسان أُسس كمؤسسة وطنية مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، واستقلال تام في ممارسة الأنشطة والفعاليات الفكرية والسياسية والإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان. |
|
|||||||||||||