العدد 75 - كتاب | ||||||||||||||
خلال السنوات الخمس الأخيرة سجَّل الناتج المحلي الإجمالي في الأردن نمواً ملحوظاً في أرقامه السنوية المطلقة، وفي نِسَب نموه أو معدلات تغيّره السنوية، سواء عند احتسابه على أساس الأسعار الجارية المرتبطة أو المتأثرة بالتضخم، أو من خلال تقييمه بالأسعار الثابتة كمعيار غير متغيّر بتغيّر الأسعار، وبالفعل بلغت معدلات النمو بالأسعار الجارية 11.9 في المئة، 10.7 في المئة، 17.5 في المئة، 11.4 في المئة، 10.1 في المئة من 2004 إلى 2008 على التوالي، فيما بلغت مثيلاتها المحسوبة على أسعار السوق الثابتة 8.6 في المئة، 8.1 في المئة، و8 في المئة، و6.2 في المئة، و5.6 في المئة، وبأكثر من مقياس، فإنّ المعدلات الكلية في الحالتين تُعَدّ عالية، وتتجاوز نسب التضخم (الغلاء) المسجلة في سنوات فترة التحليل البالغة 3.4 في المئة، و3.5 في المئة، و6.3 في المئة، و5.4 في المئة، و14.9 في المئة، المعلنة من دائرة الإحصاءات العامة. الفرق الاقتصادية ووسائل الإعلام القريبة منها ركّزت وتُركّز في بياناتها وفي شروحاتها على الأرقام والمعدلات الكلية السابقة، بهدف الاستشهاد بها بوصفها مؤشراً على نجاح توجهاتها وسياساتها الاقتصادية وتطبيقاتها، وتنطلق من ذلك للتأكيد دون وجه حق على إيجابية انعكاساتها على تحسن مستويات معيشة غالبية المواطنين. في المقابل، ومن وجهة نظر أكثر موضوعية ودقة في التحليل واستخلاص النتائج والحقائق، لا يصح الاكتفاء في ذلك على أرقام ومعدلات كلية، إذ إن هذه كثيراً ما تكون، أو يراد لها أن تكون بقصد أو دون قصد، خادعة ومضللة، بينما رصد النتائج والوقائع الأقرب إلى الصحة يتطلب تحليلاً تفصيلياً موسعاً لكيفية وحدود نمو مكونات وعناصر الحالة كافة، وهي هنا الناتج المحلي الإجمالي، ولقياس مدى توازنها في المساهمة في النمو الكلي المعلن. على سبيل المثال، أعلنت دائرة الإحصاءات عن تحقق نمو بالأسعار الثابتة خلال الربع الرابع من 2008 بنسبة 4 في المئة، ولكن هذه النسبة تفقد الكثير من قيمتها عندما نلاحظ في الجدول المرفق بها نمواً عالياً في فروع اقتصادية خدمية ووسيطة مثل: النقل، والاتصالات، والمالية، وتجارة الجملة، والفنادق والمطاعم، وصافي الضرائب، وبأكثر من نسب النمو المتحققة في الصناعة التحويلية والصناعة الاستخراجية، فيما عجزت الزراعة عن تحقيق أي نمو، بل بالعكس سجلت نمواً سلبياً بمعدل 0.1 في المئة. أرقام ونسب النمو الكلية مهما كانت عالية تصبح بمضمون هامشي ونتيجة هامشية عندما يجري ملاحظة ورصد تشوهات واختلالات في توزيع الناتج أو في عدم توزيع مكاسب التنمية بعدالة، إذ إن هناك تفاوتاً حاداً واختلالاً عميقاً في توزيع الناتج على عوامل الإنتاج وعلى مستويات دخول الشرائح الاجتماعية، كما أن التشوه والاختلال في توزيع مكاسب النمو، يظهر أيضاً في البعد الجغرافي وفي تركز الإنتاج والعائد في العاصمة وبنسبة تقارب 60 في المئة، وليكون الباقي من نصيب المحافظات، ولكن أيضاً هنا يتفاوت من محافظة إلى أخرى، وليس هذا أمراً مفاجئاً أو مستغرباً بل هو نتيجة النهج الاقتصادي الانفتاحي المطبق، ونتيجة التخلي عن «التخطيط الاقتصادي» المسبق، ومتابعته، ورصد نتائجه، واستخلاص العبر منه، واقتراح الحلول الموازية. وفيما يستمر الاستشهاد أو الإشادة بأرقام ومعدلات كلية عن وقائع اقتصادية واجتماعية، بما في ذلك تلك المتصلة بالفقر والبطالة، وفي نسب النمو الكلية، فإنّ هذا يتم مع نسيان أو تجاهل معطيات ومسارات أخرى مهمة يُفترض أيضاً إدراجها ضمن عناصر التحليل والتقييم، ومن ذلك الذي يحيل بعضهم إلى التعتيم عليه، أو عدم تسليط الضوء الكافي عليه، الاتجاه الهبوطي الواضح والمستمر في نسب النمو الكلية بالأسعار الثابتة خلال الفترة ومن 8.6 في المئة في 2004 إلى 5.6 في المئة في 2008 مع توقعات قوية باتجاه نحو الأسوأ في 2009 على الأقل. تشوهات واختلالات النمو في الناتج المحلي الإجمالي ذات علاقة طردية مع تلك التي تشوب هيكلية الاقتصاد في فروعه ومكوناته، ومع التوجهات والسياسات الاقتصادية والانفتاحية المغرقة في ليبراليتها. باختصار، هناك نمو صحي نريده، وأخرى وَرَمي مَرَضي لا ندعو إليه ولا نرحب به. |
|
|||||||||||||