العدد 75 - اقتصادي
 

محمد كامل

ساهم توافر المقومات الأساسية للصناعة، مثل الأيدي العاملة والبنية التحتية (كهرباء وماء) والموقع الجغرافي، في دعم قطاع الصناعة الذي بدأ نشاطه في الرصيفة في أول نقلة نوعية تمثلت باكتشاف معدن الفوسفات في العام 1934، بحسب رئيس غرفة صناعة الزرقاء محمد التل.

في بداية الستينيات نشأت صناعات الأجواخ والدباغة، رافقها نشوء مصانع غذائية وأخرى تنتج مواد كيميائية ومنظفات، ليبلغ عدد المنشآت الصناعية في البلاد نحو 22 ألف منشأة تشغّل زهاء 200 ألف عامل، تتركز في العاصمة عمّان، بينما تضم الزرقاء حالياً نحو 4 آلاف منشأة تشغّل نحو 44 ألف عامل.

حجم رؤوس أموال تلك المنشآت واصل النمو بشكل ملحوظ حتى العام 2000. وقد بلغ نهاية العام الفائت 3 بلايين دينار، لكن معدل النمو في رأس المال تراجع بعد ذلك العام بنحو 40 في المئة، بحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة.

لكن، بعد توقيع الأردن اتفاقيات دولية عدة واعتماد آلية السوق المفتوحة مع المصادقة على اتفاقية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية العام 2000، تعرضت الصناعة المحلية لمنافسة خارجية مع زيادة المستوردات، ما استوجب إصدار نظام حماية الإنتاج الوطني في العام نفسه، وهو جزء من الاتفاقية الدولية. يعمل هذا النظام على تحديد الضرر الواقع فعلا على المنتجين المحليين نتيجة تزايد المستوردات من سلعة مشابهة أو منافسة لسلعتهم التي ينتجونها، بالفحص الموضوعي لجميع العوامل المؤثرة في وضعهم، ويتم ذلك من خلال إجراءات قانونية تبدأ بطلب شكوى من المنتِج.

وقد اعتمدت القوات المسلحة والأمن العام وسلاح الجو ومؤسسات الدولة، على منتجات مصانع الأجواخ التي تأسست في العام 1964، وهي من أولى الصناعات في البلاد، كما صُدِّرت الأجواخ إلى الجيش العراقي.

يشهد قطاع الصناعة تنوعا كبيرا، حيث يشتمل على صناعة الخمور التي برزت بشكل لافت في الزرقاء، عندما تأسست مجموعة شركات مذيب حداد وأولاده في العام 1973، وتخصصت في إنتاج الخمور وبيع مواد ومستحضرات التجميل، ورقائق البطاطا، والذرة، والطلقات.

في العام 1961 افتتح الملك الراحل الحسين بن طلال، مصفاة البترول الأردنية في الزرقاء، حيث بدأت عمليات إنتاج المشتقات النفطية المختلفة وتأمينها لجميع أنحاء المملكة، ما ساهم بتأمين ما تحتاجه المصانع من وقود لتشغيل أعمالها. وهو عامل إيجابي، كون الصناعة تستهلك كثيرا من الطاقة، حيث تصل حصة الصناعة في الوقود المستهلك ككل أكثر من 24 في المئة.

الصناعة في الأردن تطورت بشكل سريع، لكن المنافسة الحادة التي تشهدها المنتجات المحلية جرّاء تنامي عمليات الاستيراد من دول برزت أخيرا مثل الصين، التي تدفقت منها الإكسسوارات وصناعات المحيكات، ما قلل من مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي.

قيمة السلع المستوردة من الصين وحدها، قفزت من 3.7 مليون دينار العام 1995 إلى 1.25 بليون دينار للعام 2008، بينما لم تتجاوز قيمة الصادرات الأردنية لبكين 80 مليون دينار. وهو ما دفع رئيس غرفتَي صناعة عمّان والأردن حاتم الحلواني، إلى التحذير من ما وصفه بـ«المنافسة غير العادلة» التي تتعرض لها الصناعة الوطنية. تتمثل هذه المنافسة بإغراق الأسواق بسلع مشابهة من جهة، وعدم دعم الصناعات المحلية من خلال الإعفاءات التي تتمتع بها صناعات تلك الدول التي تصدّر للمملكة من جهة أخرى.

الصناعات الغذائية تعرضت أيضا لمنافسة، حيث دخلت الأسواق منتجات متنوعة من العصائر والألبان من السعودية وسورية، بحسب عضو غرفة التجارة هاني الخليلي، الذي يرى أن تلك المنتجات نافست بارتفاع جودتها وأحيانا في مستويات الأسعار.

الحلواني طلب منح الصناعة المحلية خصوصيةً، عبر تخفيض ضريبة الدخل التي رأى أنها «تثقل كاهل القطاع بالأعباء المالية الناتجة عن حجم الوعاء الضريبي». وأضاف: «هنالك ارتفاع في تكاليف الإنتاج، ونقص في الأيدي العاملة، وانحسار في الصادرات إلى بعض الأسواق التي تأثرت بالأزمة المالية العالمية».

الصناعة تعاني من ضغوط عدم استكمال إعفاء مدخلات القطاع الصناعي ومستلزماته من الرسوم الجمركية، وتسهيل إجراءات استقدام العمالة لعدم توافر الأيدي العاملة المحلية، وارتفاع أسعار الوقود الصناعي، بحسب الحلواني.

بيد أن الخليلي يشترط تشغيل المزيد من العمالة المحلية في المصانع مقابل الدعم المطلوب، يقول: «ما الفائدة من دعم الصناعة المحلية، والبطالةُ في ارتفاع مستمر؟».

سمير العلامات، صناعي بارز، أكد أن «المقومات السابقة ما زالت موجودة، لكن صناعات محددة تراجع أداؤها بسبب انفتاح الأسواق وتعرضها للمنافسة الخارجية، مثلما حدث مع صناعات الخزف الأردنية والملابس التي باتت تُستورد من دول مثل الصين بتكاليف منخفضة».

مساهمة الصناعات المحلية في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت من 21 في المئة للعام 2005 إلى 18 في المئة للعام 2008، بحسب أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.

الصناعة في الأردن نوعان: تحويلية، وتشمل الصناعات الجلدية والمحيكات، الصناعات العلاجية واللوازم الطبية، الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل، الصناعات البلاسـتيكية والمطاطية، الصناعات الهندسية والكهربائية وتكنولوجيا المعلومات، الصناعات الخشبية والأثاث، الصناعات الإنشائية، الصناعات التموينية والغذائية، وصناعة التعبئة والتغليف والورق والكرتون واللوازم المكتبية.

أما النوع الآخر، فهو الاستخراجي، ويشمل الصناعات التعدينية (البوتاس والفوسفات).

ورغم تأثر الاقتصاد الأردني بالتغيرات السياسية المحيطة في العراق وفلسطين، وما نتج عنها من إغلاقات متكررة للحدود وهجرات للأفراد، إلا أن ذلك انعكس إيجابيا في بعض الأحيان، فالحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا على العراق منذ العام 1990 أعطى الصناعة الأردنية أولوية ضمن عقود، ونشأت مصانع في الأردن قائمة كلياً على تلبية حاجات السوق العراقية.

حتى قبل الحصار على العراق، كان الأردن بوابة مرور إلى العراق، وهو دور بدأ إبان الحرب الإيرانية العراقية التي امتدت بين العامين 1980 و1988، واستمر ذلك الدور طيلة فترة العقوبات على العراق (1990 - 2003) بصفة أساسية عبر ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر، والطريق البرية، عندما عُدَّت عمّان والعقبة نقطتَي مرور أساسيتين لحركة المرور من العراق وإليه.

خلال الحصار المفروض على العراق، تصدّرت مصانع الإنتاج الأردنية في الزرقاء، قائمة الشركات المصدّرة للعراق من منتجاتها (المنظفات ومواد كيميائية أخرى).

وكانت الصناعة المحلية رُفدت بأيدٍ عاملة وفيرة، على إثر الهجرات وقدوم مئات الآلاف من الفلسطينيين، بسبب حربَي 1948 و1967.

الصناعة في الأردن استفادت بحسْب التل، من الموقع الجغرافي للبلاد التي لديها حدود مع السعودية والعراق وسورية، ومنفذ بحري عبر ميناء العقبة.

نمت منذ اكتشاف الفوسفات في 1934 الصناعة تنوء تحت ضغط المنافسة الخارجية
 
07-May-2009
 
العدد 75