العدد 75 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري أن يقول سالم صالح محمد، المستشار السياسي للرئيس اليمني، أن مواطنيه لم يكونوا خائفين على وحدة بلدهم بين الشمال والجنوب في أثناء الحرب الأهلية في 1994، قدر خوفهم عليها في هذه الأيام، فذلك يعني أن مخاطر جديّة على وحدة اليمن التي تحققت في أيار/ مايو 1990 تطلّ بشررها، وأنه ينبغي إعمال العقل في النظر إلى ما يجري في محافظات في جنوب اليمن منذ أكثر من أسبوعين. مناطق الجنوب شهدت تظاهرات ساخطة على السلطة، ومواجهات عسكرية عنيفة مع المحتجين، وتصريحات المستشار الرئاسي على جانب من الأهمية في محاولة التعرف إلى أسباب الاجتجاجات وأبعادها، وما يحيل إليها من قضايا تتعلق براهن اليمن ومستقبله. أول ما يستحق ملاحظته هنا أن هذه الأجواء المحتقنة، وقد سقط في غضونها ثمانية قتلى ونحو 50 جريحاً، موصولة بجولات غير قليلة من تظاهرات الغضب ضد السلطة في مدن وقرى في محافظات جنوبية، بشأن قضايا مطلبية، منذ 2006، ارتفعت وتيرتها في منتصف 2007، وتدخل الآن في طور مختلف، إذ تعلن قوى مستجدّة عن تشكيل إطار لها للتحرك الميداني، السلمي وغير السلمي، تسميه «الحراك الجنوبي»، بين الفاعلين فيه قياديون سابقون وحاليون في الحزب الاشتراكي اليمني وجهاديون إسلاميون ومعارضون. يجهر بعض هؤلاء بمطلب انفصال الجنوب عن الشمال، وتعبّر عنه بصيغة شديدة الصراحة «الجبهة الوطنية المتحدة للنضال السلمي لتحرير واستقلال واستعادة دولة الجنوب»، المكونة من «المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة» و«الهيئة الوطنية العليا للاستقلال» و«الهيئة الوطنية للنضال السلمي الجنوبي». البيان التأسيسي للجبهة وصف السلطات اليمنية بأنها «سلطات احتلال»، وجاء تشكيلها بمثابة رد على خطاب الرئيس علي عبدالله صالح قبل نحو أسبوعين، الذي أرجع التحركات الجنوبية إلى «تدخل قوى خارجية حاقدة على الوحدة»، وفي الخطاب نفسه حذّر الرئيس من مواجهة بلاده أوضاعاً سياسية صعبة، تهدّد بتفتيت اليمن وتحويله إلى نموذج عراقي أو صومالي جديد. ودعا إلى «نبذ كل الأفكار المتعلقة بتقسيم اليمن، وشدّد على أن أي تحرك في هذا الاتجاه سيجعل الدولة اليمنية تنهار». هل المخاوف على وحدة اليمن في محلها، أم أن ثمة تهويلاً متعمداً من السلطات العليا؟. بالنظر إلى أصوات فاعليات وتشكيلات غير قليلة في الجنوب تجهر بمطلب الانفصال، تبدو المخاوف وجيهة، لا سيما أن قادة في «الحراك الجنوبي» ينتسبون إلى الحزب الاشتراكي اليمني الذي لم تكن الوحدة ممكنة، من دون قناعة قياداته بها في أثناء التهيئ لقيامها في أيار/مايو 1990، قبل أن تستجدّ مفاعيل التنازع ثم الاحتراب، التي سبقتها جولات من الشقاق والتباعد بين المكونات الشمالية والجنوبية للسلطة، من حزبي المؤتمر الشعبي والاشتراكي. وفي البال أن «وثيقة العهد والاتفاق»، الموقعة في عمان وبرعاية الملك الراحل الحسين، جاءت محاولة لإنقاذ الشراكة التي كانت قائمة في السلطة، في مجلس رئاسة خماسي يضم شماليين وجنوبيين. ومعلومة تفاصيل ما جرى بعد ئذ من انهيار واسع لتلك الشراكة، ومن حدوث الاقتتال الأهلي وإعلان العودة إلى دولة اليمن الجنوبي، وهو ما أنهته السلطة المركزية بقواتها المسلحة في 1994. ويتم في هذه الأيام استعادة تلك الأجواء، والتذكير بأسباب الشقاق الذي جرى، وساق إلى تحبيذ قوى في جنوب اليمن العودة إلى ما كانوا عليه في دولة مستقلة. يعلن القيادي البارز في الحزب الاشتراكي، رئيس «المجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب»، حسن باعوم، أن الجنوبيين لا يعترفون حالياً بالوحدة، وهم «يرزحون حالياً تحت الاحتلال من الجمهورية العربية اليمنية». وإذ يهدد بمواجهة النظام بالسلاح إذا أخفق «النضال السلمي»، ففي البال ما تردد في وقت سابق العام الماضي، عن قرار فعاليات سياسية جنوبية تشكيل «جيش التحرير»، منطلقة من منطقة كردفان في محافظة لحج، والتي انطلق منها الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني الذي أُجبر على الرحيل في 1967. إلى هذه المفارقة المحزنة وذات الدلالة، فإن جهادياً سابقاً هو طارق الفضلي، كان من أبرز مساندي السلطة ضد الانفصاليين في حرب 1994، يقود الآن مع حلفائه في «الجهاد الإسلامي» «الحراك الجنوبي» من محافظة أبين، ويعلن تمرده التام على النظام، ويطالب علناً بطرد «الاحتلال الشمالي»، ويقول: «إن هذا الاحتلال قضى على ثقافة الوحدة». لا يبدو إيفاد الرئيس علي عبدالله صالح نائبه عبد ربه منصور هادي، وهو من الجنوب، إلى المناطق الملتهبة، للحوار مع وجهائها علاجاً كافياً، ولن يقيض النجاح الكامل في الوقوع على العلاج المشتهى، للجنة موسعة من حزبيين وفاعلين سياسيين وعلماء دين، شكلتها السلطات في صنعاء. ذلك أن حماية الوحدة وصيانتها، لا تستقيمان بالتسليم بأن من يهددونها «مخرّبون وخارجون على القانون وأصحاب ولاءات خارجية، ينبغي التصدي لهم بالقوة»، ما داموا يقلقون الأمن والاستقرار ويسيئون إلى البلاد بإحداث الفوضى والفتن، على ما تدأب السلطة في صنعاء وأجهزتها الإعلامية والحكومية على قوله. شخصيات وأحزاب يمنية، منها التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، عبّرت مخاطر المضي في الاكتفاء بمسار استخدام العنف والمواجهة العسكرية والمعالجات الأمنية. ومن عقلاء الحزب الاشتراكي ثمة من يؤشر إلى شعارات استفزازية غير مطابقة للواقع في تحركات الغضب الجماهيرية، إلا أن الإيغال في ممارسة نهج القوة دون إدراك لما يمكن أن ينجم عنه من تداعيات، تزيد الأمور تعقيداً، على ما قال الأمين العام المساعد للحزب بابكر باذيب لـ «الخليج» الإماراتية. وهذا سالم صالح محمد، المستشار السياسي للرئيس اليمني وأحد القياديين الاشتراكيين السابقين وهو أيضاً أحد المنفيين السابقين بعد حرب 1994، يقول للصحيفة نفسها: «إن معالجة الأمور بالاتجاه الإيجابي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، تكون قادرة على وضع الحلول المناسبة للوضع القائم اليوم». تقيم العناصر المسلحة الداعية للانفصال في إحدى مدن الجنوب (الحبيلين) نقاط تفتيش للقادمين والخارجين عند مداخل المدينة ومخارجها، والتوترات الناجمة عن «شكاوى مشروعة»، بحسب تعبير بيان للسفارة الأميركية في صنعاء، تصبح مرشحة لجولات من التصعيد خطيرة، ما لم تتم المسارعة إلى فتح ملف الجنوب كله أمام المعالجات الجدية العاجلة، وإن كان منها ما يشابه أوضاعاً في الشمال وفي اليمن عموماً، من قبيل الغبن والتهميش والإهمال لمناطق في الجنوب، وهي الدعاوى نفسها لأهل جنوب السودان طوال عقود ولأهل إقليم دارفور في غرب السودان منذ سنوات. من مظاهر نقصان التنمية في هذه المناطق، وغياب العدالة والمساواة بين المواطنين اليمنيين في الجنوب، ما يتردد، على نطاق واسع من سياسات حكومية تمييزية، رغم أن جميع رؤساء حكومات اليمن منذ الوحدة اختيروا من الجنوب. وكذلك رفض تسوية أوضاع مئات آلاف العسكريين والمدنيين ممن أقصتهم السلطة من مواقعهم الوظيفية بعد حرب 1994. وإلى ذلك لم يتم الحديث عن استغلال ونهب السلطة المركزية ثروات الجنوب اليمني. بين هذه المطالب ما هو واضح وأخرى تحتاج إلى التحقق منها، ومعلوم أن اليمن يعاني سوءات الفقر والبطالة والفساد، ومن تشوش رؤى التنمية والتخطيط الاقتصادي، فضلاً عن اختلال فرص المشاركة المتساوية في الحياة الاقتصادية. وأياً تكن مقادير الوجاهة في المطالبة بإرسال الحلول النافعة والسياسات اللازمة لتجاوز المتاعب والصعوبات أو الحد منها، فإنه يصعب تصور اعتبار أن انفصالاً لجنوب اليمن عن شماله هو الحل الأجدى، فقد كان الإخفاق في سياسات التنمية والتحديث والتمدين، من أسباب اندفاعة الجنوبيين وقياداتهم في الحزب الاشتراكي قبل نحو عشرين عاما نحو الوحدة، فلا يعقل وصف علاجين مختلفين كل الاختلاف لمرض واحد. |
|
|||||||||||||