العدد 75 - أردني
 

سوسن زايدة

تفاقمت مشاكلها، بدأت تفقد السيطرة على أعصابها ولم تعد تقوى على ممارسة حياة طبيعية. لم تنفع نصائح صديقتها والمقربين، فلجأت إلى طبيب نفساني طلباً للمساعدة، دون أن تدري أن علاجها سيكون حبوباً مهدئة.

عشر دقائق كانت كافية لطرح بضعة أسئلة داخل عيادة الطبيب الذي وصف لسميّة دواء مهدئاً. قال لمريضته: «عودي بعد ثلاثة أسابيع لنرى تأثير الدواء». لكن سميّة لم تراجع الطبيب، ذلك أنها تخرجت حديثاً في الجامعة ولا تمتلك «كشفية الطبيب الباهظة». لذلك أخذت على عاتقها المضي في تناول الحبات المهدئة دون استشارة.

وعندما اعتادت على المهدئات وضعف تأثيرها على جسمها، زادت الجرعة من تلقاء نفسها. هكذا لم تعد تقوى من دونها على التركيز نهاراً أو النوم ليلاً، لكنها لا تعلم إن كانت مدمنة عليها أم لا.

أما منى، فتعرفت على الحبوب المهدئة عن طريق نصيحة زميلتها في العمل، التي لجأت لها في ظل الضغوط النفسية نتيجة أعباء العمل والبيت والواجبات الاجتماعية، المتراكمة بعد أن أنجبت طفلها الأول، فالثاني، والثالث.

تدخل منى عقدها الخامس، وقد أضيف عبء جديد على كاهلها. فهي أدمنت على المهدئات، لكنها هذه المرة لجأت لذوي الاختصاص: المركز الوطني لتأهيل المدمنين.

قرابة عشرين طبيباً نفسانياً وصيدلانياً، ممن يصفون أو يبيعون العقاقير المهدئة، يفيدون بأن نسبة النساء الأردنيات اللاتي يلجأن للأطباء أو الصيادلة، بحثاً عما قد يخفف من الضغوط النفسية تفوق نسبة الرجال.

وتفيد دراسة أعدها العام 2003 الطبيب جمال الخطيب، اختصاصي الطب النفسي ورئيس قسم الصحة النفسية والرعاية الاجتماعية في مركز الحسين للسرطان، أن نسبة إصابة النساء بالاضطرابات النفسية تتجاوز نسبة الرجال، وتحديداً بما يتعلق بالقلق والكآبة، إذ تصل إلى الضعف.

«قد يفسر ذلك بسبب الظلم الواقع على المرأة في المجتمع، فهي عرضة لضغوط الحياة مضافاً إليها ضغوط الرجل. واللافت في بلادنا أن مراجعات النساء المصابات للعيادات، أقل من مراجعات الرجال. ولعل ذلك يعكس الطبيعة الذكورية للمجتمع وحالة الظلم الواقعة على المرأة، فهي الأكثر إصابة والأقل رعاية»، يقول الخطيب.

وتشير عينة الدراسة التي شملت 500 من مراجعي عيادة الخطيب، إلى أن الفئة العمرية بين 20 إلى 40 عاماً تشكّل 60 في المئة من المراجعين، ذلك أن هذه الفئة تزداد فيها معدلات القلق والكآبة.

وتقاربت نتائج هذه الدراسة مع دراسة نفذها أستاذا الطب النفسي: وليد سرحان وبهجت عبد الرحيم، على عينة من ألف مريض، وقدمت لمؤتمر الطب النفسي العربي الحادي عشر 1994.

ولا يقتصر تعاطي المهدئات، بحسب مشاهدات الأطباء والصيادلة، على فئة عمرية، اجتماعية أو اقتصادية واحدة من النساء، وإنما يشمل أمهات، ربات بيوت أو عاملات، شابات طالبات أو متعطلات عن العمل، من فئات اقتصادية متنوعة.

توصف المهدئات عموماً في الحالات التي يترافق معها اضطراب النوم أو التوتر أو العصبية. وهي أعراض قد تحتاج إلى وصف مهدئ، بشكل مؤقت لكي يغطي المدة الزمنية التي يحتاجها العلاج الرئيسي لبدء الفعل، حسبما يوضح الدكتور الخطيب، الذي يرى أن «المهدئات ليست ضارة وإنما المشكلة في إساءة استعمالها». إلى ذلك يؤكد على ضرورة وجود «وصفة وبإشراف طبي، لأنها قد تؤدي بسهولة إلى الإدمان».

لكن مدير المركز الوطني لرعاية وتأهيل المدمنين، الطبيب جمال عناني، يرى أن الأولى أن يتم «تشخيص ومعالجة المشكلة الرئيسة وراء صعوبة النوم، التي قد تكمن في الاكتئاب أو القلق أو الصدمة النفسية أو المرض العضوي».

المهدئات قانونية ومتوافرة في الصيدليات، ويصفها الطبيب النفساني أو العام، ويمكن الحصول عليها بسهولة. «لكن الطبيب هو المسؤول عن وصف المادة وكمية الجرعة والمدة اللازمة. ويجب أن يشرح للمريض الأعراض الجانبية، وتحت إشرافه يتناولها المريض أو يتوقف عنها. ويقع الخوف من إساءة استخدامها»، يقول عناني.

وهناك أيضاً من يتناول المهدئات دون وصفة طبية. ويرجع عناني السبب إلى الفضول وحب التجربة، أو في الأغلب نصيحة من صديق جربها واستفاد منها. ويضيف: «هكذا نصبح بدافع الصداقة والنصيحة أطباء لبعضنا الآخر. ومع الاستعداد الشخصي وعدم تقبل الجسم للمادة، يمكن أن يحدث الإدمان من أول جرعة».

خطورة العقاقير المهدئة تكمن في إقدام مرضى على مواصلة تعاطيها، أو حتى زيادة جرعتها، دون الرجوع للطبيب، ما يسبب الإدمان وما يصاحبه من أعراض انسحابية جسدية ونفسية، إذا انقطع المدمن عنها بصورة مفاجئة.

من أعراض الإدمان، كما يوضحها عناني «عدم قدرة المدمن على ترك العقاقير رغم رغبته في ذلك، أو شعوره بأنه واقع في مشكلة لا يقوى على حلها، أو حاجته لتناول العقاقير يومياً ولا يقوى على تركها، وشعوره بالذنب من تعاطيها، إضافة إلى قضائه مراحل من عمره باحثاً عن هذه المواد ومحاولة التزود بها من الأردن أو خارجه».

لا يمكن، بحسب عناني، انقطاع المدمنة أو المدمن عن المهدئات دون إشراف طبي حثيث، خشية الأعراض الجانبية التي قد تصل إلى الصرع أو حتى الوفاة.

وفقاً للعناني، يشكل المدمنون على المهدئات النسبة الأكبر من مراجعي المركز، يليهم المدمنون على الكحول، ثم الأفيون، وأخيراً المواد الطيّارة المستنشقة.

الصيدلاني محمد الخفش، لا يتفق مع الميل القائل إن المرأة أكثر استهلاكاً للمهدئات.

«من الصعب الحكم أن النساء أكثر استهلاكاً للمهدئات من الرجال، لأن من يأتي لصرف الوصفة ليس بالضرورة هو ذاته الذي سيتعاطاها». كذلك يرفض «الكثير من الصيادلة صرف بعض الأدوية دون وصفة طبية، فيلجأ طالب الدواء لصيدلاني آخر، فيبدو العدد أكبر مما هو في الواقع»، حسبما يشرح الخفش.

الصيدلانية مروى أبو حنش، تؤكد أن «صرف أدوية المهدئات بالمجمل له محاذير، ويجب عدم صرفها للجميع إلا بوصفة مختومة من أطباء معروفين لدى الصيدلية. وإذا لاحظ الصيدلاني على المريض آثار الإدمان يعتذر عن بيعها بحجة أنها غير متوافرة».

من أكثر أنواع المهدئات رواجا بين النساء، سواء كان بوصفة طبية أو بدونها، برومازيبام أو ما يعرف باسمه التجاري ليكسوتانيل، وألبرازولام واسمه التجاري «زناكس»، اللذان ثبت أن تعاطيهما يسبب الإدمان طبقا لمدد زمنية تتفاوت من شخص لآخر. أما أكثر المهدئات تسببا في الإدمان فهي مركبات الفاليوم مثل: البرازين، ألترازولام، الريفوترين والوراتيبام، وفقا للصيدلانية، أمل يوسف.

لا يمتلك المركز التابع لوزارة الصحة إحصاءات حول أعداد أو نسب المدمنين على المهدئات في الأردن. لكن سجلاته تشير إلى أن 25 حالة إدمان من النساء أدخلت إلى المركز من أصل 47 امرأة مدمنة راجعت المركز منذ العام 2005، أي منذ افتتاح قسم خاص بالنساء. ويستقبل المركز النساء من سن 18 إلى 45، ويضم عشرة أسرة مخصصة للنساء و50 سريراً للرجال.

ورفض العناني التصريح بإجمالي عدد النزلاء في المركز من النساء والرجال، أو عدد المدمنين من كل نوع، منذ إنشاء المركز الوطني لرعاية وتأهيل المدمنين في أيلول 2001، بكلفة مليوني دينار، وبهدف التوعية والوقاية من انتشار الإدمان على المؤثرات العقلية، علاج وتأهيل الحالات التي تراجع المركز، والرعاية اللاحقة للمدمنين المتعافين.

النساء أكثر استهلاكاً لها إدمان المهدئات الأوسع انتشاراً بين مراجعي مركز تأهيل المدمنين
 
07-May-2009
 
العدد 75