العدد 2 - أردني | ||||||||||||||
من حق من يشاء التساؤل: لماذا برزت الدعوة لمراقبة الانتخابات المقبلة ؟ .
في واقع الأمر أن الدعوة ليست مرتبطة بدافع آني محدد ،وليست رداً على إجراء حكومي ما . فالمراقبة لا تعني التدخل في مجرى العملية الانتخابية ، أو التسبب في ازدواجية الإشراف والمسؤوليات . فملاحظة هذه العملية هي بمثابة جهد تكميلي، واعتراف بمدى أهمية العملية الانتخابية وانعكاسها على الحياة العامة ، ولقياس درجة التطور في الاقتراب من المعايير الدولية للعملية الانتحابية .ولا تنطوي بطبيعة الحال على تشكيك مسبق ، كما أنها لا تضفي شهادة مسبقة بهذا الاتجاه أو ذاك .
المقصود بها هو السعي لضمان أكبر قدر من الشفافية و ومن سلامة الإجراءات . خاصة إذا علمنا أن هذه المتابعة لا تقتصر على مراقبة أداء أجهزة السلطة التنفيذية ، بل تشمل أداء المرشحين وحملاتهم الانتخابية وسلوك ممثليهم ، وتشمل أيضا سلوك الناخبين أفراداً وجماعات. .
وإذ نشطت منظمات اجتماعية محلية في الدعوة لتمكينها من مراقبة الانتخابات ، متجنبة استخدام كلمة مراقبة واستبدالها بتعبير "ملاحظة الانتخابات" كما ورد مؤخراً في تصريح للناطق باسم "تحالف المجتمع المدني" هاني حوراني ، فإن ذلك ينسجم مع طبيعة عمل هذه الهيئات الذي نالت الترخيص بموجبه ، ومع المناخ الديمقراطي العام ، ومع الطموح لقطع أشواط إضافية . ويندر أن تعترض دول ديمقراطية على مبدأ الرقابة الداخلية ، بل إنها تفسح في المجال أيضاً أمام الرقابة الخارجية من قبل هيئات دولية معترف بكفاءتها وحيادها ، باعتبار أن تلك الدول ليس لديها ما تخفيه .
في الانتخابات المغربية الأخيرة كان هناك عدد كبير من الملاحظين المغاربة وغير المغاربة ، الذين تابعوا العملية الانتخابية في مختلف مراحلها ، وتمتعوا بتسهيلات من السلطات بعد الاتفاق على طبيعة مهماتهم وتحديدها .وفي النهاية فقد احتسب ذلك للسلطات ولسائر أطراف هذه العملية ، وجرى تحديد النقاط المضيئة وتلك القاتمة في ما جرى ، مما يعين على مزيد من التصويب .
وفي دول ديمقراطية عريقة فإن الرقابة تنشأ في الداخل ، واستقرار تقاليد هذه العملية لا يغري مراقبين أجانب بالمتابعة ،وذلك لسبب بسيط وهو عدم توقع ظهورمفاجآت من أي نوع . وإذا أضاف المرء الى ذلك ما تتمتع به السلطة القضائية من نفوذ ، بما في ذلك الاشراف على بعض مراحل هذه العملية ، فإنه يمكن تصور مدى الطمانينة لسلامة هذه العملية التي تواكبها وسائل الإعلام أولاً بأول بالكلمة والصوت والصورة، وبما تحمله هذه المتابعة من فرص للرقابة ومن إشراك للجمهور أولاً بأول.
من مصلحة الجميع مترشحين وناخبين وجمهور وسلطات ، أن تستكمل أركان متابعة هذه العملية ،على أوسع نطاق ممكن وفي اجواء من الانضباط والتعاون .فذلك يحمل سائر الأطراف على التقيد بأصول هذه العملية وإبداء افضل سلوك ، ما دام أن كل شيء يتم في دائرة الضوء .وما دامت الإمكانية قائمة لمراقبة متبادلة ، تاسيساً على حقوق مرعية لسائر الأطراف .
من الواضح أن هناك تحسساً حكومياً لكلمة الرقابة وما تنطوي عليه من " شبهة تدخل " ، علماً أن السلطات عندنا وعند غيرنا تمارس أشكالاً مختلفة ومتفاوتة من الرقابة على أمور شتى ، دون أن يقترن ذلك باحكام سلبية عليها ، كالرقابة على الغذاء والدواء وحركة السير والتجمعات وسواها . بالمنطق نفسه فإن الرقابة على الانتخابات لا تحمل بالضرورة ولا ابتداء ظلالاً سلبية . بل تمثل علامة على الثقة بالذات والتطلع لمعاينة أوجه القصور المحتملة ، سعياً الى تداركها وتحديد مسؤليات سائر الاطراف ، لا السلطة التنفيذية وحدها عن مجرى هذه العملية ومشتملاتها .
وبما أننا لا نتحسس من نشاط منظمات حقوق انسان وهيئات حقوقية يفد ممثلوها الى المملكة بصورة دورية ، للتعرف على واقع الحال في بلادنا ، ونتيح فرصة واسعة لإعلاميين غير أردنيين لرصد مظاهر حياتنا، وتدوين وبث ما يشاؤون ضمن حدود التقاليد الإعلامية المتطورة المعهودة ، فإنه لا يعيبنا تمكين مؤسسات أهلية من القيام بالملاحظة والرصد ، ففي ذلك عون للسلطات والمرشحين وناخبيهم ، وخدمة للتطلع نحو منافسة ديمقراطية نزيهة بأقل قدر ممكن من الشوائب والتجاوزات، وبدونها كما هو مرتجى .
لقد أحسنت الحكومة ممثلة برئيسها بإعلان الموافقة على قيام منظمات اجتماعية محلية بدور المتابع الملاحظ . وكذلك التنويه بهذه الهيئات وما تمثله ، وذلك لأول مرة في تاريخ الانتخابات النيابية ، وهو تطور جيد وهام يحسب للحكومة ورئيسها ، على أنه من اللافت أنه عقب هذه الموافقة من رأس السلطة التنفيذية ، فإن ندوة حول هذا الأمر أي حول مشاركة منظمات المجتمع المدني قد تم منع انعقادها !.
والمأمول رغم ذلك أن تمضي هذه التجربة الى الأمام وأن ترى النور.
وتبقى الإشارة في هذا المقام ، الى أن المسألة لا تنال ما تستحقه من اهتمام من قبل أطراف معنية ، كنقابة المحامين ونقابة الصحفيين ورابطة الكتاب . بل إن المترشحين أنفسهم لا يبدون حتى الآن اهتماماً يذكر بها ، وهي التي تتعلق بهم بصورة مباشرة ، رغم ما ترتديه من أهمية خاصة في إرساء بيئة حيوية سليمة ، وتوسيع "فضاء " العملية الانتخابية وإثارة وتحفيز اهتمام الجمهور ، ونقل أزهى صورة ممكنة للبلد الى الخارج .
"مراقب " |
|
|||||||||||||