العدد 75 - بلا حدود
 

لم تشهد الحركة النقابية العمالية الممثلة رسمياً في الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن حالة أسوأ من حالتها الراهنة التي آلت إليها، بسبب استمرار التدخلات «الأمنية» في شؤونها الداخلية خلال أكثر من ثلاثة عقود، وإعادة صياغة التشريعات الناظمة لعملها، بما صادر استقلاليتها وحرياتها النقابية التي تعترف لها بها اتفاقيات العمل الدولية. هذا الوضع «فرّخ» قيادة نقابية آثرت السلامة حفاظاً على مصالحها الضيقة على حساب مصالح عمال الأردن، ما شكّل دافعاً لنشطاء وقيادات نقابية، للعمل من أجل إعادة الاعتبار للعمل النقابي الديمقراطي. «السّجل» حاورت ثلاثة من قيادة التجمع النقابي العمالي الديمقراطي حول تجمعهم وأهدافه، وحول الآفاق التي يتطلعون إليها.

«السّجل»: متى أعلن عن التجمع، وفي أي ظروف؟.

- جمال: لقد أعدنا منذ مدة إحياء التجمع الذي تعود جذوره إلى بداية التسعينيات. التجمع تشكل بسبب تردي أوضاع الحركة النقابية العمالية، وتراجع أعداد النشطاء النقابيين الذين يحملون هموم العمال ويدافعون عن حقوقهم. التجمع يتبنى قضايا عديدة منها التعددية النقابية، ويطالب بإعادة النظر بنظام تصنيف المهن القديم الذي تجاوز عمره ثلاثة عقود، بحيث يسمح للعمال في المهنة الواحدة أو الاختصاص الواحد، بإنشاء نقابة عمالية خاصة بهم لتمثلهم وتتبنى قضاياهم. وأمام استمرار تقصير الاتحاد العام لنقابات العمال عن رعاية الحقوق العمالية، وعدم السعي لتطوير تشريعات العمل، جاء دور التجمع لمناصرة العمال وتحقيق أهدافهم والنهوض بالحركة النقابية العمالية.

«السّجل»: كيف تعرّفون أنفسكم في التجمع؟.

- «محمود أمين»: يتكون التجمع من نشطاء وقياديين نقابيين في النقابات العمالية، منهم قيادات سابقة ومنهم قيادات في مواقع المسؤولية. ويتركز ثقل التجمع في نقابات الكهرباء، البتروكيماويات، البناء، المصارف، المناجم والتعدين، والخدمات، إضافة إلى لجنة عمال المياومة في القطاع العام. وأبواب التجمع مفتوحة لكل فئات العمّال الخاضعة لقانون العمل، بما في ذلك بعض القطاعات التي ما زالت محرومة من حق إنشاء نقابات خاصة بها. لقد اختار التجمع من بين نشطائه أمانة عامة سباعية منذ عام، تجمع ما بين تمثيل مختلف القطاعات العمالية وبين ذوي الخبرة. اعتمد التجمع حينما انطلق في التسعينيات وثيقة أساسية تحمل تصوراته للنهوض بالحركة النقابية العمالية، ونحن قمنا بمراجعة هذه الوثيقة وأجرينا عليها تعديلات، وفق المتغيرات والظروف الحالية.

«السّجل»: ما أبرز أهداف التجمع؟.

- جمال: يسعى التجمع من أجل أن تعمل النقابات وفق أسس ومبادىء العمل النقابي الديمقراطية، وهذا يتطلب ضرورة أن تفتح النقابات أبوابها امام انتساب العمال لها، بحيث يتم انتخابها بشكل ديمقراطي، لا أن تصل بطريق «التزكية». هذه شروط أساسية لا بد منها، حتى يتم تشكيل الاتحاد العام لنقابات العمال، الذي يضم جميع النقابات العمالية على أسس ديمقراطية، بحيث يلبي احتياجات وطموح عمال الأردن. وفي واقع الأمر لسنا بديلاً عن الاتحاد العام، لكننا نعمل من أجل إصلاحه من الداخل، لتمكينه من القيام بواجباته تجاه العمال، وقيادة الاتحاد منشغلة بمصالحها. من هنا نتخذ المواقف التي كان على قيادة الاتحاد اتخاذها، لحماية حقوق العمال المكتسبة وتطوير التشريعات التي تكفل لهم حقوقهم وحرياتهم.

«السّجل»: ما تقييمكم للانتخاب بالتزكية؟.

سياج: وظيفة التزكية هي تكريس الأشخاص أنفسهم في قيادة النقابات، وبالتالي في قيادة الاتحاد العام. لقد أصبحت التزكية بمثابة نظام هيمنة وتوريث للأشخاص أنفسهم، إلى درجة أن سبعة رؤساء نقابات ما زالوا على رأس نقاباتهم رغم أنهم متقاعدون، والأدهى من ذلك أن معظم هذه النقابات لا هيئات عامة فعلية لها، وهي تفتقد لنصاب الهيئة العامة الذي هو 50 منتسباً (عند التأسيس)، باستثناء نقابة واحدة لديها هذا العدد من المنتسبين في مؤسسة واحدة. لذلك تصر هذه النقابات على إغلاق أبوابها أمام العمال. هذا السلوك، مضافاً إليه وجود هيئات عامة «صورية»، وقدم تصنيف المهن والصناعات، يفسر كيف أن ست نقابات فقط من أصل 17 نقابة أجرت انتخاباتها، في ما تم انتخاب الهيئات الإدارية في 12 نقابة بالتزكية.

«السّجل»: لكن ما دلالات هذا السلوك؟.

- سياج: في غياب المساءلة والمحاسبة، يُبقي رؤساء نقابات «التزكية» الأبواب موصدة أمام الجمهور العمالي، حفاظاً على مكتسباتهم على حساب الطبقة العاملة، التي هي أحوج ما تكون فيه إلى الحماية، دفاعاً عن حقوق العمال في مستوى معيشي لائق. لذلك تختار هذه النقابات يوم جمعة للإعلان عن فتح باب الترشيح، في زاوية لا تلفت الانتباه من صحيفة يومية. ومؤخراً كشفت وفاة رئيس نقابة العاملين في البلديات عن عدم وجود هيئة عامة، فقامت الوزارة بإلغاء هذه النقابة، وإعادة تصنيف عمال البلديات مع نقابة الخدمات العامة. وكانت هذه النقابة رغم أنها صورية، تأخذ حصتها في التمثيل وفي المنح الدراسية والمشاركة في المؤتمرات الدولية مثلها مثل أي نقابة كبيرة.

«السّجل»: ما أهم الأنشطة التي نفذها التجمع؟.

- محمود أمين: نفذ التجمع أنشطة متنوعة. فعلى الصعيد التشريعي، أعد عدة دراسات؛ واحدة حول المواد الواجب تعديلها في قانون العمل لتتماشى مع الاتفاقيات الدولية، ودراسة أخرى حول حاجة الحركة النقابية العمالية إلى قانون خاص ينظم عملها، حتى لا تبقى خاضعة لمادة في قانون العمل وأنظمة تتغير في أي وقت. كما أعد دراسة حول مشروع قانون الضمان الاجتماعي. ويقوم التجمع بالتواصل مع القطاعات العمالية لدعوتها للانتساب للنقابات العمالية بهدف إحداث التغيير من الداخل، وتوعية العمال بسبل حماية حقوقهم. ويضع التجمع الرأي العام المحلي، بصورة أهدافه وأنشطته وتوجهاته لإصلاح الحركة النقابية من خلال وسائل الإعلام. والتجمع عضو في حملة «الخبز والديمقراطية»، وشارك بفعالية في الملتقى الوطني العمالي الأول الذي نظمته الحملة مؤخراً. كما أن التجمع احتفل بعيد العمال في عمان والزرقاء، بينما غيّبت قيادة الاتحاد هذه المناسبة.

«السّجل»: ما دلالة إلغاء الفروع؟

- جمال: من بين 17 نقابة عمالية، كانت هناك خمس نقابات فقط لها فروع، وهي تشكل الجسم الرئيسي من النقابات الفاعلة. هذه الفروع لها هيئات عامة واسعة، وأنجزت مكتسبات مهمة للعمال في سائر مواقع العمل، ونجحت في توقيع اتفاقيات جماعية لمصلحة العمال، ولذا فهي تحظى بثقة قواعدها العمالية. ما يؤسف له أنه بدلاً من التوسع في تشكيل الفروع وتفعيل النقابات الأخرى، وجهت قيادة الاتحاد ضربة لهذه النقابات في المؤتمر الاستثنائي في آب/أغسطس الماضي، باتخاذ قرار بحل جميع الفروع. هذه الخطوة هي مقدمة لإبقاء العمال بلا مظلة نقابية حقيقية. وفوق ذلك جمّدت قيادة الاتحاد النقابيين الذي عارضوا هذا التوجه، وشمل ذلك الزملاء سياج، محمود أمين، جمال التميمي، فوزي الحوامدة، وأنا.

«السّجل»: ما موقفكم من مشاركة المرأة في العمل النقابي ؟.

سياج: كنت في المكتب التنفيذي للاتحاد، أميناً عاماً مساعداً لشؤون المرأة والشباب. وكان لي تحفظات على الطريقة الاستخدامية للمرأة، فاعترضت على رئيسة لجنة المرأة لأنها كانت متقاعدة، وأوصيت باستبدالها، فقامت قيادة الاتحاد بفصل شؤون المرأة عن صلاحياتي. ومؤخراً قررت القيادة إعادة تشكيل لجنة المرأة، ففازت لجنة لم ترض عنها القيادة فقامت بحلّها وتعيين أخرى. للأسف فإن تعامل قيادة الاتحاد مع المرأة العاملة لم يأت لتلبية احتياجاتها، بل لتحسين صورة هذه القيادة أمام المجتمع والجهات المانحة. أما في التجمع فنؤمن بضرورة إشراك المرأة على قدم المساواة، فالعمل النقابي ليس حكراً على الرجال بل حق لكل العاملين ذكوراً وإناثاً، وصفوف التجمع مفتوحة للناشطات من العاملات.

«السّجل»: ما هي برأيكم متطلبات إصلاح الحركة النقابية؟.

- محمود أمين: عنوان إصلاح الحركة النقابية هو انتزاعها لاستقلاليتها، بحيث تعمل انطلاقاً من مصالح العمال الذين تمثلهم. ومن غير المعقول أن يستمر هذا الوضع. فهناك مليون وربع مليون عامل، هم بناة الأردن الحقيقيون، ويتم التطاول على حقوقهم وحرياتهم. إصلاح الجانب التشريعي له الأولوية على طريق دمقرطة الاتحاد العام لنقابات العمال، ووقف التغول على مصالح العمال، وتأمين الحصانة للتفرغ النقابي. كذلك نحن بحاجة إلى تثقيف عمالي حقيقي، وإشراك العمال في مناقشة قضاياهم، ودمج المرأة العاملة في العمل النقابي. وعلى وزارة العمل أن تتحمل مسؤولياتها في احترام التعددية النقابية وإعادة تصنيف المهن والصناعات، إذ ليس مقبولاً أن تبقى قطاعات عمالية كبيرة، مثل عمال الصناعات الدوائية والعاملين في الاتصالات وغيرهم مهمشين.

«السّجل»: هل هناك قضايا أخرى ترغبون في الإشارة إليها؟.

- جمال: لا بد من الإشارة إلى أن العمل النقابي يقع تحت سطوة أصحاب العمل، وهذا ما حدث مع زميلنا سياج الذي نقل من موقع عمله الأصلي في العقبة، إلى منجم الرصيفة المغلق وبدون مسمى وظيفي. النقابيون معرضون إلى عقوبات بالفصل من العمل، أو النقل التعسفي أو عدم نيلهم الترقيات. لذلك نطالب بتشريعات تكفل حرية العمل النقابي، وأن يتمتع بحصانة ضد عقوبات أصحاب العمل، واستمرار هذا الوضع سيؤدي إلى عزوف النشطاء النقابيين عن الترشح لأدوار قيادية. لذا يجب توفير الحرية والحصانة للتفرغ النقابي، فهو من الحقوق العمالية الأساسية.

التجمع النقابي العمالي الديمقراطي: نحو استعادة استقلالية الحركة النقابية وتعدديتها
 
07-May-2009
 
العدد 75