العدد 75 - أردني
 

عطاف الروضان

حسمت الحكومة موقفها من التسريبات الأخيرة حول انسحاب الدنمارك من تمويل مشروع ديوان المظالم، بنفي وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف وجود أي توجهات حكومية لإلغاء الديوان الذي ثارت تساؤلات حول مدى مطابقته للمواصفات العالمية.

وبين الشريف «أن الجهات الدولية معنية وحدها بقراراتها، وأن الأردن، مستمر بمسيرته الإصلاحية»، وأضاف أن «انسحاب جهة ممولة أو دخولها كشريك لا يؤثر في الرؤية الواضحة في تمكين المؤسسات من السير في مسيرتها».

هذه التصريحات، سبقها تأكيدات لـ«السجل» من مطلعين داخل الديوان، شددوا على عدم نشر أسمائهم، أن هذه التسريبات جاءت نتيجة «امتعاض الدنماركيين من الصورة التي انتهى إليها الديوان بنسخته الأردنية، بعكس تلك التي أرسوا مبادئها كمؤسسة مستقلة تحقق مبدأ العدالة، يرأسها قاضٍ ذو خبرة طويلة في فض النزاعات لا تقل عن 20 عاماً، قرارته ملزمة أدبياً رغم أن ليس له صفة رسمية، مرجعيته في التعيين وتقييم أدائه هو مجلس النواب».

على أن وزير الدولة للشؤون القانونية سالم الخزاعلة، يرى أن الحديث حول توقف المنحة الدنماركية لديوان المظالم «يأتي في غير وقته، ذلك أن الجدل حول استقلالية الديوان توقف، بمجرد صدور قانون الديوان قبل سنتين».

الخزاعلة، الذي عُين رئيساً للديوان في حزيران/يونيو العام 2008، استغرب إثارة هذا الجدل بعد أن تم قطع شوط كبير في العمل نحو تعزيز عمل الديوان. وأضاف: «لا يجوز بعد ما هلكنا للحصول على دعم المشروع والبدء فيه، أن يعيدنا البعض إلى نقطة الصفر».

وبينما فند القول بعدم استقلالية رئيس الديوان لربطه برئيس الوزراء وفقاً للقانون، استشهد الخزاعلة بنص المادة الثامنة من القانون ذاته التي تؤكد أن «لا سلطان على رئيس الديوان سوى القانون، وعدم تلقيه لأي تعليمات أو توجيه من أي جهة أو سلطة».

الخزاعلة نفى صحّة الحديث عن توقف المنحة الدنماركية للديوان، ذلك «أنهم سبق أن مولوا إنشاء الوحدة الفنية التي أسست لبدء المشروع، كما أن هذا البلد كجزء من الاتحاد الأوروبي الآن، مشترك في تقديم الدعم المالي للديوان، من خلال مجموعة خبراء للتدريب في مجال بناء القدرات ونظم المعلومات»، لافتاً إلى أنهم «يعملون الآن لبناء الخطط لتطوير عمل الديوان».

يقول الخزاعلة عن الهيئة التي شكلت أثناء ترؤسه للديوان إنها «كانت ضمن آليات العمل لتوجيه الدعم المعرفي بهذه المؤسسة الجديدة، التي تحتاج لدعم من مؤسسات المجتمع المدني والأفراد الملمين بحقوق الإنسان وسيادة القانون».

«لكن الخزاعلة اهتم بالقشور»، حسب صحفي طلب عدم نشر اسمه لعلاقته الجيدة مع الخزاعلة، مضيفاً أن الخزاعلة أمضى جل وقته في البحث عن «مبنى ذي صبغة تراثية عربية وإسلامية»، بدلاً من الاهتمام بـ«إنجاز المطلوب».

نقل مقر الديوان، الذي أنشىء بقانون لسنة 2008 كهيئة مستقلة مالياً وإدارياً، من شارع المدينة المنورة في عمان الغربية، إلى مكان آخر لا يبعد عنه كثيراً في شارع مكة.

تأكيدات الخزاعلة بعدم انسحاب الدنمارك من تمويل المشروع، وعلى «نجاحه كمشروع وطني لسيادة القانون»، لا يتطابق مع آراء مسؤولين ساهموا في تأسيس ديوان المظالم على نمط التجربة الدنماركية.

ناشط في مؤسسة مجتمع مدني، فضّل عدم نشر اسمه، قال إن «الديوان ابتعد عن فكرته الجوهرية، وأن إنجازه على مدار سنتين لم يتعدَّ أموراً شكلية من مهام الوحدة الفنية، وليس من مهام كادر الديوان الذي كان يُفترض به العمل على استقبال الشكاوى من المواطنين».

ويدلل الناشط على قوله بعدم تقديم الديوان أي تقرير مفترض عن إنجازاته إلى مجلس النواب بحسب القانون حتى الآن، لأنه «ببساطه ما أنجز شي» يقول الناشط .

النائب السابق وديع الزوايدة اشترك العام 2006 عبر القنصلية الأردنية في الدنمارك، في جلسات حوارية رسمية وبرلمانية في البلدين. يؤكد الزوايده أن الفكرة المطبقة منذ ستين عاماً في الدنمارك «تختلف عما أسسناه في الأردن».

يعيد الزوايدة السبب في اختلاف الفكرة الأردنية عن الدنماركية ومثيلاتها الأوروبية، إلى الصيغة التي خرج بها القانون من مجلس النواب قبل سنتين، لغياب الفهم الدقيق للفكرة الدنماركية».

أهم الانتقادات التي أثيرت على القانون، هو ربط رئيس الديوان برئيس الحكومة، ما يشي بعدم استقلاله عملياً.

يكشف الزوايدة «أننا حصلنا على تعهد من قبل الدنماركيين بمنحه تقارب 170 ألف دولار للبنية التحتية للديوان، ووعد بمتابعة المشروع مع الأردن إذا تم وفقاً للنسخة الدنماركية، وهو للأسف لم يتم».

في كتيب صادر عن وزارة الخارجية الدنماركية موشح بالعلَمين الأردني والدنماركي، يفيد وزير الخارجية الدنماركي بير ستي مولر: أن «الأردن، في حال تنفيذ ديوان المظالم، سيكون أول دولة في المنطقة تخطو هذه الخطوة الديمقراطية بنسختها الدنماركية». ويضيف: «إن دعم الدنمارك للخطوة الأردنية يأتي ضمن المبادرة الدنماركية التي تم فيها تخصيص مبلغ 150 مليون كرون، لدعم مشاريع التنمية الإدارية في الشرق الأوسط وتعزيز دور الصحافة والإعلام في العملية الديمقراطية».

«التجربة الدنماركية» التي أنشأت ديوان المظالم «الأمبودزمان» بعد الحرب العالمية الثانية، كرسته نموذجاً دولياً للتطوير الإداري والحاكمية الرشيدة، للوقوف في وجه تجاوزات الإدارة، وتعزيز وسائل الدفاع عن المواطن في مواجهتها. وهي كفكرة تعد رأس الهرم الديمقراطي، فهو ملجأ للشخص الذي لا يمتلك اللجوء إلى القضاء، حين تكون السلطة الإدارية هي خصمه.

يؤكد النائب الحالي أيمن شويات مقرر اللجنة القانونية في مجلس النواب ،أن التعديلات التي أدخلتها اللجنة القانونية وصوّت عليها النواب، جاءت لمواءمة مشروع القانون مع الدستور الأردني ومنظومة القوانين المعمول بها».

وهو أمر اختلف معه نواب طلبوا عدم نشر أسمائهم وبينوا «أن المجلس بإقراره قانون الديوان بصيغته الحالية حرمه الاستقلالية، ما أدى لإخراجه بالصورة الحالية التي اعتبروها غير موفقة».

ماهر المدادحة، وزير تطوير القطاع العام السابق، الذي أُقر في عهده مشروع القانون بصيغته الحالية، أكد أنه لم يطلع على اتفاقيات تدلل استمرار الدانمركيين في تمويل المشروع.

محمد ذنيبات، وزير تطوير القطاع العام الأسبق الذي نشأت فكرة المشروع أثناء تقلده الوزارة، أكد أنه لم يطلع على أي كتاب مرتبط بأي منحة لإنشاء ديوان المظالم، باستثناء منحة تراوحت قيمتها بين 40 و45 ألف دولار جددت مرتين من الحكومة الدنماركية، واستخدمت لغايات دفع رواتب اثنين من الموظفين كلفا بإنشاء الوحدة الفنية للديوان، إضافة إلى نفقات لقاءات وغداء عمل لوفود دنماركية زارت الأردن مرتين.

بحسب ذنيبات، في حال استمر عمل الديوان بهذه الطريقة، فإن «الهدر المالي والجهد البشري سيستمر دون جدوى، باستثناء إثقال كاهل الموازنة باستمرار إنفاق الحكومة لمبالغ طائلة على هذه المؤسسة، التي تتكرر فكرتها وغايتها وأهدافها سواء في منظومة القوانين الأردنية المتضمنة في الدستور، العقوبات، قانون الخدمة المدنية، أو في مؤسسات أخرى كهيئة مكافحة الفساد، وديوان المحاسبة».

القائم بمهام رئيس ديوان المظالم علاء العرموطي أكّد في ردّ نشرته “الغد” (زاوية رسائل إلى المحرر، 6 أيار/مايو) أن الدنمارك “لم تنسحب لأنها لم تتعهّد”، وأن الدنمارك وقّعت على اتفاقية تمويل وحدة إنشاء ديوان المظالم مطلع 2006، ثم استمرت في التمويل حتى 2008، وانتهى الأمر بانتهاء مدة الاتفاقية.

يشترط الذنيبات لقيام دور مهم للديوان، أن تعدل نصوص قوانين أخرى تمنح صلاحيات لجهات أو سلطات تتقاطع مهامها مع الديوان.

موظف حالي في الديوان طلب عدم نشر اسمه لما وصفه بـ«حساسية الموقف»، طالب بـ«تبيان صحة هذا الجدل لمصلحة الموظفين، فهناك تخوف من إلغائه، وبالتالي سيكون مصيرهم مجهولاً».

يشار إلى أن فكرة ديوان المظالم بنسخته الحالية، لم تكن الأولى أردنياً، فقد تم إغلاق دائرة ديوان المظالم التي كانت تابعة لرئاسة الوزراء العام 2000 بعد مضي أقل من عام على إنشائها.

بحسب الموقع الإلكتروني الرسمي لديوان المظالم، فإن من أسباب فشل التجربة الأولى الافتقار إلى الاستقلالية اللازمة، ونقص الموارد البشرية المؤهلة و المالية.

وهي أسباب لا تبتعد كثيراً عن مدار الجدل الدائر حالياً.

حديث عن انسحاب الدعم الدنماركي .. مَن أوقعَ الظلم على ديوان المظالم؟
 
07-May-2009
 
العدد 75