العدد 75 - أردني
 

سعد حتر

منذ طلب الملك عبدالله الثاني في خريف العام 2008، إعادة «دراسة» مشروع لجنة الأقاليم لتعظيم التنمية في المحافظات، تصارع معسكران على قاعدة إحياء هذه الفكرة كما وردت من اللجنة الملكية أواخر 2005، أو اعتماد المحافظة نواة لتطبيقها.

لكن بدل أن يحفّز المشروع النخب السياسية والحكومة على «توظيفه لاستغلال موارد الوطن وتوزيعها بعدالة، سعى كلّ طرف وراء مصالح ذاتية بحثاً عن كراسي أو حفاظاً عليها»، بحسب ما يرى مسؤول سابق مطلع على هذا الملف.

«في المحصلة غابت المصلحة الوطنية وانحرف المشروع عن مساره المنشود»، يقول المسؤول الذي رفض نشر اسمه. ويردف: «ظن مسؤولون سابقون أن مشروع الأقاليم سيفتح الطريق مجدداً أمامهم صوب الدوار الرابع، فيما راهن رئيس الوزراء (نادر الذهبي) عليه، لإطالة أمد حكومته سنة أخرى أو أكثر».

هكذا، انطلق مسؤولون سابقون للدفاع عن «مشروع الأقاليم» أو «تنمية المحافظات»، وعين غالبيتهم على المنافع الكامنة وراء التقاط الإشارة الملكية.

في السياق، نظمت عشرات الندوات ودبجت مئات التقارير الصحفية، في إطار المواجهة بين مؤيد ومعارض للفكرة بالمطلق، أو لأحد المنحيين: المحافظات أو الأقاليم.

الملك كان «يراقب المشهد، وفي الوقت المناسب اتخذ قراره، ولم يترك السفينة وحدها»، وفقاً للمسؤول السابق الذي كان قريباً من أطقم الديوان الملكي.

يستذكر ذلك المسؤول بدايات تمرين اللامركزية العام 2002، حين أطلق الملك سباقا تنافسيا بين المحافظات حول مسألة التنمية، وذلك في إطار مشروع مشترك، لم يكتمل حين ذلك، بين وزارتي الداخلية والتخطيط.

حينذاك والآن، يوضح المسؤول السابق، «لم يفكر عبدالله الثاني يوما في تسييس المشروع» الذي «حرفته» اللجنة الملكية عن سكتّه التنموية عبر «طرح أفكار لبرلمانات منفصلة لكل إقليم ومجلس أمّة مركزي في عمان».

نواب وصحفيون قابلهم الملك الأحد، الثالث من أيار/مايو الجاري، لاحظوا «نبرة عتب وغضب» في حديثه عن إشكالية الأقاليم.

من بين كلام له لم ينشر عقب ذلك اللقاء، قال الملك: «يقف خلف المشككين تنظيمات أو مسؤولون ومراكز قوى تخاف أن تخسر مواقعها لآخرين». إلى ذلك رأى أن هذه الفئات «لا تريد للمواطن أن يأخذ دوره في تطوير بلاده».

نقل أحد الحضور عن الملك قوله إن النخب السياسية التي اجتمعت إليه أواخر العام الماضي في منزل رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة بدت متحمسة لفكرة الأقاليم، وشجعّت رأس الدولة على تسريع تطبيقها. لكنّه استدرك إنه تفاجأ لاحقا باندلاع السِّجال بين مسؤولين سابقين.

في بيت الروابدة شرح زيد الرفاعي أمام الملك فكرة «مجالس المحافظات». وتوافق معه ثلاثة رؤساء حكومات سابقين حول أهمية المشروع؛ الطراونة، الروابدة، وطاهر المصري، فضلا عن رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي. الروابدة، صاحب الدعوة، أيدّ الفكرة مع «بعض التحفظات» معتبراً أنها نبعت أصلا منه.

لاحقاً، نقلت الصحف عن الروابدة قوله إنه صاحب فكرة اللامركزية، لكن ليس بمفهوم الأقاليم أو بأبعاد سياسية.

نسبت الفكرة أيضا إلى سلفه عبد السلام المجالي، الذي طرحها مطلع العقد الماضي، بهدف إحداث هجرة معاكسة من العاصمة إلى المدن، القضاء على «مرض الواسطة الشرس»، وتحقيق تنمية سياسية من القاعدة إلى القمّة.

وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة ما زال يعتقد أن تقسيم المملكة إلى أقاليم يحتاج إلى تعديل 200 قانون على الأقل.

وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف، يؤكد أن مشروع الأقاليم لم يعد قائما بعد أن «حسم» الملك مؤشر بوصلة اللامركزية. على أن «مصير اللجنة الوزارية التي شكلّها رئيس الحكومة للسير بالمشروع ما زال مجهولا»، بحسب ما يوضح الشريف لـ«العرب اليوم». وعقدت اللجنة اجتماعا (6 أيار/مايو) لـ«دراسة المستجدات»، علما أن رئيس الحكومة غائب في طرابلس الغرب، فيما عاد وزير الداخلية نايف القاضي أمس من زيارة خارج البلاد.

تلك اللجنة كانت تشكّلت مطلع العام برئاسة القاضي، الذي كان أحد أعضاء لجنة الأقاليم الملكية العام 2005، إلى جانب 11 مسؤولا سابقا من بينهم رؤساء حكومات.

وزير الشؤون البلدية شحادة أبو هديب، قال في تصريح ليومية «الدستور» إن «توجيهات الملك (الأخيرة) أوقفت التفكير والحديث حاليا عن مشروع الأقاليم».

رئيس الوزراء السابق معروف البخيت، قال في محاضرة الأسبوع الماضي أمام أركان الجيش، إنه يساند الفكرة، لكنه يعارض تقسيم المملكة إلى أقاليم، ذلك أن توصيات اللجنة تتضمن أخطاء دستورية. وضرب البخيت مثلا البند الذي يعطي مفوض الإقليم صلاحية فرض ضرائب، بينما ينص الدستور على أن الضرائب لا تفرض إلا بقانون وعبر القنوات الرسمية. حتى مجلس الوزراء لا يمتلك صلاحية فرض ضرائب دون إرفاقها بقانون.

مدير القسم الاقتصادي في «الرأي» عصام قضماني، رأى أن الملك كان «منزعجا من التشكيك في مشروع اللامركزية وشبهات تسييسه؛ من قبيل الغمز بأنه مقدمة لتمدد الأردن صوب إقليم رابع في الضفة الغربية، وخامس في الأنبار، غربي بغداد».

رأى قضماني أن التصريحات الملكية لا تعكس تراجعا عن مشروع الأقاليم، بل دعوة لتطبيقه على نحو تدريجي «بدءاً من المحافظة إلى أن تتضح نجاعة الفكرة، وصولاً إلى الأقاليم».

واعتبر الكاتب الصحفي أن «النخب السياسية تقتل الأفكار قبل وصولها إلى المواطن».

في ندوة (السبت 2 أيار/مايو) شارك بها رئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة والحباشنة، انتقد النائب المخضرم بسام حدادين تشكيل اللجنة الملكية، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي، «من شريحة ولون واحد».

حدادين اتهم الحكومة بالوقف وراء الدربكة وخلط الأوراق، لافتاً إلى أنها «حاولت التملص» بداية من المشروع «لكنها لم تفلح في مقاومة الضغوط».

مواقف حكومية متأرجحة

مقاربة الحكومة تبدّلت ثلاث مرات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. في البدء فتح الذهبي باب الاجتهاد، داعياً إلى صهر مشروع لجنة الأقاليم مع خلاصة مشروع قانون يتخذ المحافظة نواة للتنمية، كانت وضعته وزارة الداخلية في عهد الحباشنة قبل أربع سنوات. ثم أعلن رئيس الحكومة عن اعتماد مخرجات لجنة الأقاليم حصرياً، كأرضية لمشروع اللامركزية. وحين طبق أول تمرين عملي في محافظة مادبا، عاد الرئيس ليبدي مرونة، معلنا أن الإقليم الواحد قد يكون محافظة أو أكثر.

خلال ندوة السبت حول اللامركزية، خاطب الحباشنة الطراونة بالقول إن اللامركزية «مشروع الملك ولا دخل للنخب السياسية به».

الحباشنة رأى في حديث لـ«ے» أن الملك اتخذ قراره «المرجعي» بعد أن رصد رغبات الغالبية في الشارع الأردني.

بينما اندفع الملك لتطبيق فكرة اللامركزية التي لمعت في ذهنه حين زار إقليم شانغهاي في الصين (مصنع العالم) قبل سبع سنوات، «ظهرت اصطفافات بين مراكز القوى، منها من يدّعي أبوته للمشروع ومنها من يطلق النار عليه»، بحسب ما يضيف مسؤول حكومي سابق.

بالنسبة لكثير من الإعلاميين والمسؤولين، بدا الذهبي غير مقتنع بتصورات اللجنة الملكية التي وضعت على الرف. تجلى ذلك حين طلب من وزير الداخلية السابق عيد الفايز صوغ مشروع قانون بديل عن الأقاليم.

الفايز، الذي خرج في أول تعديل على حكومة الذهبي مطلع العام الجاري، تمسّك بالمحافظة كنواة لخلية اللامركزية، بعيداً عن الإقليم. وبنت وزارة الداخلية أفكارها على مسودة مشروع القانون الذي سن في عهد الحباشنة.

بعد 44 جلسة وسلسلة نقاشات خلال 2005، أوصت اللجنة الملكية بتجميع محافظات المملكة ضمن ثلاثة أقاليم؛ الأول: اليرموك وقصبته إربد في الشمال. الثاني: رغدان ويضم العاصمة باستثناء أمانة عمان وسائر محافظات الوسط في مقدمتها البلقاء والزرقاء، وأخيرا مؤتة في الجنوب. أوصت اللجنة أيضا بانتخاب عشرة أعضاء عن كل من المحافظات الأربع، فيما تعين الحكومة عضواً واحداً لكل منها، وبذلك يصبح عدد أعضاء مجلس الإقليم 44 عضوا.

وقف الاستغلال السياسي اللامركزية تعود إلى المحافظة تعظيماً للتنمية
 
07-May-2009
 
العدد 75