العدد 74 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: جون بيرمان* يستكمل محمد غولي مجد أبحاثه حول الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى، فيوفر للمؤرخين نظرة ثاقبة للعراق خلال تلك السنوات الحاسمة. ومن المدهش أن القليل كان قد نُشر حول هذا الموضوع، الذي كثيرا ما يشار إليه بوصفه «الحرب المهملة» (وهو عنوان كتاب من تأليف أي جي بيكر حول الصراع في العراق، كُتب قبل نحو 40 عاما). وفي ما يتعلق بأعماله السابقة حول إيران، فإن مجد استفاد من أرشيف وزارة الخارجية الأميركية، فقدم تقييما للحرب كما نظر إليها الموظفون القنصليون الأميركيون. هذه التقارير القنصلية التي لم تُستخدم من قبل تغطي العديد من المواضيع، بما فيها الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحرب في السكان المحليين. ربما بسبب ثراء المصادر الأولية التي توافرت له، اختار مجد أن يقدم سردية تقييمية للحرب، وقد ترك التحليل والتعليق للآخرين، ممن سيكونون قادرين على استخدام أكبر للكتاب في وضع أبحاث حول العراق في فترة ما قبل الانتداب. وفي بعض الأحيان بدت آراء المؤلف غير واضحة، رغم أنها تبدو معتمدة كليا على التقارير القنصلية. مثلا، يقول مجد إن «الأتراك حاولوا جاهدين تجنب الحرب»، قبل اقتباس من تقرير السفير هنري مورغنتاو المؤرخ في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1914، والذي أنحى فيه باللائمة في دخول الإمبراطورية العثمانية الحرب، بما حملته من نوايا وأهداف، على ألمانيا (ص 68). ولا يأخذ تأكيد المؤلف في الحسبان ثراء العمل الذي يثير الشكوك حول تحليل مورغنتاو، فضلا عن ذلك، فإن فصلا ختاميا وببليوغرافيا كان يمكن أن تزيد الفائدة. بنزولها في منطقة الفاو في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 1914، تكون القوات البريطانية قد استكملت غزو العراق بعد أربع سنوات حين استولت على الموصل. ويرى مجد أن ذلك النصر الواضح يناقض حالات الفشل الخطيرة في الجيش البريطاني والتفكير السياسي في الفترات الأولى من الحملة. وقد أتت الأخطاء وسوء التقدير من جانب البريطانيين في العامين الأولين للحرب، التي تمخضت عن خسارات عسكرية سيئة الصيت مثل حصار الكوت (من كانون الثاني/ديسمبر 1915) وحتى نيسان/أبريل 1915، من خفض أولي لعدد القوات المطلوبة للاستيلاء على منطقة بأكملها. لقد حقق البريطانيون نجاحات مبكرة ضد المقاومة التركية المهلهلة، ولكن بعد التقدم نحو القصر المعروف باسم «طاق كسرى» جنوبي بغداد في تشرين الثاني/نوفمبر 1915، تم التصدي لهم من جانب من قيل إنهم مجموعة باسلة ذات عزيمة. وبعد الهجمات المضادة في العام 1915 فقط، أحضر البريطانيون تعزيزات كبيرة. لقد نشأت الحسابات الخاطئة الأولية عن الحاجة إلى الوضوح حول الأهداف الشاملة للحملة على العراق. كان التصميم البريطاني على النزول إلى العراق قائما على مخاوف على مصالحها النفطية في رأس الخليج الفارسي، فقد اكتشف البريطانيون النفط في عربستان (خوزستان) في 1908، وسرعان ما مددت الأنابيب لنقل النفط إلى جزيرة عبدان في فم شط العرب، حين أقامت شركة النفط البريطانية الإيرانية خزانات ومصافي. وبحلول العام 1912، كانت عبدان تتحول بسرعة إلى ميناء مهم، ومع العام 1914، كان البريطانيون يشعرون بالقلق على صون إمداداتها النفطية التي عُدَّت ضرورية للحماية العسكرية. وقد هدفت الخطة التالية لاحتلال البصرة، التي لم تصمد سوى أسبوعين، لتعزيز ولاية البصرة فقط، فبذلك فقط يمكن تأمين حماية مناسبة للموجودات النفطية، ونتيجة لخطأ الحسابات العثمانية عن أن أي هجوم بريطاني سوف يوجَّه إلى فلسطين انطلاقا من مصر، فإن البريطانيين لم يواجهوا سوى مقاومة رمزية من القوات التركية في الفاو والبصرة. وبنشوتهم بهذه بالمكاسب المبكرة والسهلة نسبيا وخشيتهم من سبق الروس إليها، قرر البريطانيون التقدم نحو بغداد بما تحول في ما بعد إلى قوات غير مناسبة. وفي معركة «طاق كسرى» في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1915، تكبدت القوات البريطانية خسائر زادت في يوم واحد على ما خسرته خلال العام الأول بأكمله في حربها على العراق. يكشف مجد عن تقرير مثير للاهتمام من مسؤول دبلوماسي أميركي، هو النقيب ويليامز، الذي قابل الجنرال تاونسند، قائد القوات البريطانية في الكوت خلال أسره في إسطنبول. وبحسب ويليامز، فإن تاونسند وجه انتقادات قاسية لرئيسه المباشر، الجنرال نيكسون، الذي كان قد أمر بالتقدم نحو بغداد بالضد من تقدير أفضل من جانب تاونسند. هذه الآراء، بالإضافة إلى رأيه السلبي في نوعية القتال الذي قدمه الجنود الهنود، حذفت من مذكرات تاونسند المنشورة، كما إنه طلب من النقيب ويليامز أن يحذفها من تقريره. وكما حدث في غزو العراق العام 2003، أيقنت القوات الغازية أنها سوف تستقبل بترحيب من جانب العرب العراقيين، ولكن بالضد من العلاقة البناءة التي كان يقيمها البريطانيون مع شريف مكة وابن سعود خلال الحرب، فإن القبائل العراقية كانت تكن شعورا بالعداء تجاه البريطانيين، وإلى حد كبير، فإن هذا العداء لم تكن له علاقة بالحرب الدفاعية العثمانية الواسعة التي كافح فيها الأتراك لحشد الدعم من القبائل العربية. وقد تزايدت الهجمات ضد القوات البريطانية بشدة بعد تراجعها في أواخر العام 1915. وكان من بين التكتيكات البريطانية المثيرة للاهتمام للفوز بتأييد السكان المحليين، تفضيل الشيعة على السنة؛ وتذكر التقارير القنصلية الأميركية أن إشاعات انتشرت عن أن علماء السنة في مناطق مثل كربلاء والنجف قد تلقوا تمويلا من البريطانيين، وقد زاد من حدة التوترات الدينية تشجيع البريطانيين للاحتفالات الدينية الشيعية يعد إكمال الغزو. إلى ذلك، فإن كتاب «العراق في الحرب العالمية الأولى» يتضمن تقديرا للنجاح العسكري البريطاني في النهاية، والذي قام على الخبرات التقنية، وأهم من ذلك على التفوق العددي الساحق، فقد كانت القوات البريطانية تتمتع بمدد يكاد لا ينضب من التعزيزات من الهند، والتي وفرت نحو ثلاثة أرباع القوة المطلوبة لكسب الحرب والمقدرة بنحو 900 ألف جندي. لقد جند الأتراك، الذين كانوا مشغولين بالدفاع عن الدردنيل والقفقاس وفلسطين، ما يقرب من نصف هذا العدد دفاعا عن العراق، وبعيدا عن الإضافة الواضحة لفهمنا للحملة العسكرية على العراق، فإن العدد الكبير من التقارير القنصلية في الكتاب ترسم صورة لبلد دمرته الحرب، وهو على وشك الدخول في مرحلة الانتداب، وهو في حالة مريعة. وفضلا عن الخسائر البشرية في القتال، فإن السكان عانوا من انهيار اقتصادي ومن المجاعة والمرض، وطفت التوترات الدينية والعرقية، فهجر المسيحيون واليهود البلاد. هكذا بدأ خراب العراق الذي لا تبدو له نهاية. جامعة كيمبردج، كيمبردج، المملكة المتحدة
بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||