العدد 74 - ثقافي | ||||||||||||||
خالد أبو الخير «جدار، ليس مرمى لنفايات الكتابة. ننصح الكتاب السوريين الذين يكتبون النفايات، أن يتوجهوا إلى صحيفة (الأسبوع الأدبي)، أو ملحق (الثورة) الثقافي». بهذه العبارة الصادمة استهل موقع «جدار» الثقافي السوري المستقل، تعبيره عن ثورته الرقمية على الثقافة الرسمية المسيطرة. «جهة الشعر»، «كيكا»، «أوكسجين»، «القصة العربية»، «دروب»، «شروق»، «الروائي»، «ديوان العرب» و«البوتقة»، مواقع ثقافية تستقطب، هي وغيرها، كتّاباً من الشباب لا يجمعهم تيار ثقافي، بقدر ما يجمعهم الشعور بالظلم والحاجة لخلق واقع يحققون فيه ذواتهم، في وقت تُغلق فيه أمامهم أبواب المجلات والملاحق الثقافية في الصحف الرسمية وشبه الرسمية، التي تسيطر عليها الشللية، ويقتصر النشر فيها على فئة ثقافية معينة، وفقاً لهؤلاء الكتّاب. مَثّلت شبكة الإنترنت فرصة مواتية لإطلاق ثقافة عربية متحررة من القيود، لكن في خضم الاتساع الهائل للشبكة، وتعدد الخيارات أمام القراء، وافتقار القارئ للثقافة، لم تنجح هذه المواقع في تأكيد حضورها، فكثيرٌ منها يعاني من مشاكل، أبرزها الافتقار إلى مادة خاصة بها إلا في ما ندر، إذ تقوم هذه المواقع بإعادة نشر مواد سبق نشرها في صحف ورقية، فضلاً عن افتقارها للصلة بعضها ببعض، الأمر الذي يدفعها للظهور بمظهر المنغلق في عالم افتراضي مفتوح. يُرجع عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب، أحمد النعيمي، ضعف هذه المواقع، إلى أنها «ذات طابع شخصي، فقد أسسها أفراد وليس مؤسسات مستقلة أو حكومية، لذلك يغلب التعثر على أدائها». وعلى خلاف المواقع الثقافية الغربية التي تنشر موادها الخاصة، وتحتفي بقرائها بنشر موادهم ومدوناتهم، إلى جانب موادها ومقالات كتابها، تستمرئ المواقع العربية لعبة النقل من الصحف والمجلات الورقية، وتحصر النشر في أدباء نالوا شهرتهم من الصحافة الورقية، مع استثناءات قليلة، وبذلك فإنها تفتقر للطموح بالتغيير. فضلا عن أن ضعف حماية هذه المواقع يعوق نمو التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط بعامة. أزمة النشر دعت أدباء ومثقفين إلى إنشاء مدونات أو مواقع لهم على الشبكة، كما هي الحال مع مدونة محمد عمر (الأردن)، وموقع الشاعر عبد الرزاق الربيعي (العراق)؛ أو النشر عبر إطلاق نسخ إلكترونية «سي دي»، محملة على الإنترنت أيضاً، من أعمالهم الأدبية، مثل قصة «صقيع»، للرئيس السابق لاتحاد كتاب الإنترنت العرب محمد سناجلة. غير أن أدباء ومدونين حازوا شهرتهم من طريق العالم الافتراضي، توجهوا إلى نشر أعمالهم في صحف وكتب، ما دعا آخرين لإعلان «ثورة في الثورة»، ضد هذا التوجه. وهو ما دعا المدون المصري ممدوح رزق إلى عدّ ظاهرة تحوّل المدونين إلى كتّاب، ظاهرة عدائية وانحداراً لشكل أدنى من الكتابة. «عدائية لمن؟!.. للمدونين طبعا.. (الظاهرة) - كما أفهمها أو أشعر بها في هذه الجملة- هي إشارة لحدوث شيء غير طبيعي، لكنه يكتسب تأييداً متزايداً يحفّز استمراره.. حدوث أمر استثنائي يطمح لأن يكون عادياً، ما يجعله مثيراً للرفض وللجدل، أو على الأقل للاستفهام في أحسن الظروف.. (التحوّل) -أيضاً كما أفهمه أو أشعر به في هذه الجملة- هو إشارة لفوضى طبقية مفاجئة ومتواصلة أدت لانهيار النظام التقليدي المعروف عن التراتبية الأدبية في زمن ومكان ما.. سعي غير مفهوم وغير مقنع للارتقاء يمارسه شكل (أدنى) من الكتابة، طمعاً في اكتساب قيمة غير مستحقة». يرى النعيمي أنه «من المفترض أن تشكل المواقع الثقافية ثورة ضد ما هو سائد من جانب الشباب المبدعين الذين عاصروا التجربة الرقمية أكثر من النشر الورقي، لكن هؤلاء ينقسمون إلى فئتين، فمنهم من يبدو مقاتلاً يريد أن ينفي كل ما سبقه ويتحلل من الإنجازات الورقية السابقة، وفي هذا بالتأكيد شيء من الانغلاق والتطرف، ومثلهم مثل من يتساءل: لماذا لم يقتل الإنسان كل الخيول لحظة اكتشاف السيارة. أما الفئة الثانية فهي أكثر عقلانية، وترى أن مستقبل البشرية يتطور ويتغير بطبيعته، وأن اللاحق لا ينفي السابق. «المنجزات الإنسانية تراكمية، لكي توصلنا في نهاية المطاف إلى واقع أفضل وإنسانية أجمل ورفاء مقبول». خريطة عالم الإنترنت تخلو من موقع ثقافي أردني حتى الآن، فيما تزدهر مواقع ذات طبيعة إخبارية، عُدَّت امتداداً للصحف الأسبوعية. «معظم الصحف الورقية لها مواقع إلكترونية، فقد انتبهت إلى أن الزمن تخطّاها، وسعت إلى التأقلم مع الوضع الجديد. ولأن لهذه الصحف صفحات وملاحق ثقافية، فقد بدا وكأنها قامت بالمهمة على طريقة (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام)، لكن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك، ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو. إذ ينبغي تأسيس مواقع إلكترونية ثقافية خاصة لنشر الثقافة»، يقول النعيمي. تأسس اتحاد كتاب الإنترنت العرب العام 2005، بهدف «نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب». ويسعى الاتحاد لـ«تحقيق قفزات نوعية في وعي الشعب العربي بعامة، للالتحاق بركب الثورة الرقمية التي تجتاح العالم» بحسب البيان التأسيسي للاتحاد. النعيمي يرفض فكرة أن الاتحاد نشأ نتيجة الشعور بالإقصاء من الصحافة الورقية. «أعضاء الاتحاد من الكتّاب المعروفين من خلال إنجازاتهم الورقية قبل الإلكترونية، لكنه نشأ لشعور بأن الزمن يتغير ويتبدل، ولا بد من التأقلم مع كل جديد». |
|
|||||||||||||