العدد 74 - كتاب
 

في بداية ثمانينيات القرن الماضي، نفذت حكومة «تاتشر» البريطانية الليبرالية، نهجاً وتطبيقاً اقتصادياً جديداً تمثل في نقل ملكية العديد من الوحدات الاقتصادية الخدمية والإنتاجية من ملكية الحكومة وقطاعها العام إلى حيازة القطاع الخاص البريطاني، أو/و في حالات أخرى نقل مسؤولية ومهام الإدارة إليه مقابل أجر. وقد أتيحت الفرصة لأكبر عدد من البريطانيين المساهمة في الشركات والمؤسسات المنقولة، في ما عُرف بخيار وطريق الخصخصة (Privatisation) والرأسمالية الشعبية.

في موازاة ذلك، وبعد ذلك، وتمشياً مع مطالب صندوق النقد الدولي، في برامجه المسماة «التصحيح الاقتصادي وإعادة الهيكلة»، عمدت الحكومات الأردنية على تطبيق فلسفة الخصخصة ومنهجها، وتسريع تنفيذها منذ العام 1998 وما زالت.

لكن، خلافاً لتفاصيل الخصخصة البريطانية، وشروطها، وتطبيقاتها، وخصخصات أقطار رأسمالية أخرى، التي حرصت على أن يكون انتقال الملكية للمؤسسات العامة المراد خصخصتها إلى جهات بريطانية أساساً، وأيضاً إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد والشركات المحلية، فإنّ نهج الخصخصة وتطبيقاته في الأردن اتسم بكونه أقرب إلى البيع من خلال ابتداع مصطلح «الشريك الاستراتيجي»، ثم بيع ونقل ملكية معظم الشركات والمؤسسات الأردنية الكبرى إلى جهة أجنبية واحدة وبنسبة تجاوزت 50 في المئة من رأس المال، الأمر الذي أتاح لها السيطرة على اتجاه ونوعية القرارين الإداري والمالي، وفتح الطريق أمام تسريح أعداد كبيرة من العاملين الأردنيين بأسلوب «التقاعد المبكر»، الذي أصبح مع حالات أخرى مشكلة متضخمة لعمل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.

الخصخصة في الأردن، أحاطت بأبرز وأهم الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأردنية وعلى رأسها شركة مصانع الإسمنت الأردنية، وشركة (مؤسسة) الاتصالات، والملكية الأردنية وشركاتها، وشركة توليد الكهرباء المركزية، وشركة توزيع الكهرباء، وشركة كهرباء إربد، إلى جانب بيع نسب مؤثرة في شركة مناجم الفوسفات (37 في المئة)، وشركة مناجم البوتاس العربية (26 في المئة)، ومساهمات الحكومة في مصفاة البترول والعديد من الشركات، والمرافق الصناعية والفندقية والسياحية والخدمية الأخرى.

وتوافرت مؤشرات وتقييمات سابقة ولاحقة ترجح بأن خصخصة معظم المؤسسات والشركات المنقولة قد تَمَّت بأسعار أقل من القيمة العادلة لها، في ظروف محدودية الشفافية والمعلومة، ومع تكليف شركات خبرة أجنبية ذات صلة بتحديد قيم أصولها، والسعر الأمثل للسهم أو الحصة المباعة.

في الجدول رقم (33) المدرج في نشرة مالية الحكومة الشهرية عدد 2 لسنة 2009، أدرج عائد (ثمن) الخصخصة لكل شركة ومؤسسة، كل على حدة، وموزعة على سنوات تحققها، لتصل القيمة الإجمالية لعائدات الخصخصة حتى شباط/فبراير 2009، إلى 1725 مليون دينار.

إلى جانب محدودية عائدات الخصخصة قياساً بقيمتها الفعلية، وخلافاً لشعار وهدف الاحتفاظ بها في صندوق خاص ضماناً للأجيال القادمة، توسعت الحكومة في الإنفاق منها إلى مستوى اقترب من استنفاد رصيدها، وبالفعل لم يبق من عائدات الخصخصة في شباط/فبراير2009 إلاّ 4.5 ملايين فقط.

الجانب السلبي لم يقتصر على الإفراط الكمي في الإنفاق من العائدات، بل تخطاه إلى نوعية وجدوى الإنفاق، وحيث يُلاحظ من بيانات الجدول رقم 33 من نشرة مالية الحكومة أن معظم الإنفاق تركز على بند «سداد وشراء ومبادلة وإعادة هيكلة مديونية خارجية في معظمها» وبقيمة 1563 مليون دينار، وبنسبة 91 في المئة، ويبدو أن هذا تم بضغوط من الدائنين في نادي باريس، ونادي لندن.

هكذا، وفي المحصلة لنهج البيع أو الخصخصة، تحققت خسارة الملكية العامة لأهم المرتكزات والمعاقل الاقتصادية الأردنية، ولجهات غير أردنية، وتجرّد الوطن من قدرته على التأثير والسيطرة على قراراتها واتجاهاتها، كما فقدت الموازنة الإيرادات من الربحية التي كانت ترفد الخزينة قبل الخصخصة وإنفاق عائداتها، وانعكاس ما سبق على اختلال القاعدة الإنتاجية والخدمية للاقتصاد الوطني الأردني، وقنوات نشاطاته، واشتداد انعكاساته الاجتماعية.

أحمد النمري: مسار الخصخصة وتداعياتها
 
30-Apr-2009
 
العدد 74