العدد 1 - أردني
 

عمّان - تعكف الحكومة ومؤسسة «فافو» النرويجية على تقدير انعكاسات وتكاليف استضافة أكثر من نصف مليون عراقي استقروا في الأردن، عقب سلسلة هجرات خلال السنوات الأربع الأخيرة.

تأتي هذه الإجراءات بعد أن أنهت "فافو" أول مسح على مستوى دول الجوار لتحديد أعداد وجود العراقيين، وأمكنتهم، وطبقاتهم، وخلفياتهم المذهبية والعرقية.

يقدّر المسح عدد العراقيين في الأردن ب 450 ألفاً فضلاً عن 50 ألف متحرك داخل المملكة وخارجها. بينما تشير التقديرات الرسمية إلى وجود 750 ألفاً.

مسؤول رفيع يؤكد أن الطرفين سيعلنان مطلع الأسبوع المقبل نتائج الشقين الأول والثاني المتعلقين بالأعداد والخصائص الديمغرافية. أما الشق الثالث المتعلق بتكاليف استضافة العراقيين، فسينجز بعد الانتهاء من دراسة أبعاد انتشار العراقيين في المدن الأردنية.

يؤكد مسؤولون أنهم لا يريدون إعطاء تقديرات أولية عن التكاليف الإضافية في موازنات التعليم، والخدمات الصحية، ودعم المواد الاستراتيجية والطاقة، تحاشياً لوقوع أخطاء في التقدير قد تستدعي التراجع عن المعطيات المنشورة.

واحد من كل عشرة عراقيين قدّم طلب لجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. إذ تشير سجلات المفوضية إلى أن 50 ألف عراقي سجّلوا أسماءهم لديها سعياً للتوطين في بلد ثالث، بحسب المسؤولة الإعلامية في المفوضية رنا الصويص. وجدت المفوضية أن 6000 من المتقدمين ينطبق عليهم صفة اللجوء، وبالتالي تحرّكت من أجل إعادة توطينهم في دول غربية.

مسح «فافو» أظهر شبوبية ورفعة تعليم غالبية العراقيين المقيمين في المملكة. إذ وجد أن نصف العراقيين هنا تزيد أعمارهم عن 25 عاماً، 28 % منهم أقل من 15 عاماً، والباقي يتأرجح بين 15 و25 عاماً.

في التوزيعات المذهبية والعرقية، أظهر المسح أن ثمانية من كل عشرة عراقيين يتبعون المذهب السنّي أو أنهم من أصول عربية.

منظمو المسح استندوا في تقدير الأعداد وجمع الإحصاءات إلى مقابلات شخصية مع عيّنات مختارة بالارتكاز إلى قاعدة إحصائية أساسها تعداد السكان الأخير الذي أجري عام 2004.

تلك المعادلات والنسب من شأنها مساعدة المملكة على التعاطي بمنهجية مع تحدي اللجوء العراقي بعد سنوات من الصمت الرسمي والشعبي في بلد يعاني أصلاً من عقدة اللاجئين. فهذا البلد، الواقع على مفترق طرق من الصراعات والحروب، استقبل موجات هجرة ونزوح كان أكبرها لجوء غالبية الشعب الفلسطيني عقب قيام دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية عام 1948.

كان الأردن قد قدر تكلفة استضافة العراقيين منذ بدء الحرب عام 2003 بحوالي مليار دولار خلال مؤتمر استضافته جنيف قبل أربعة أشهر، بعد أسابيع على بدء مسح «فافو». وتساءل مسؤول: "كيف للأردن أن يحسب كلفة استهلاك كوب من الماء في بلد يصنف ضمن أفقر عشر دول في العالم من حيث مصادر المياه؟".

مشكلة القادمين من بلاد "ما بين النهرين" أنهم لا يدركون أهمية تقنين المياه، وبالتالي فهم يستهلكون أضعاف الحصة المخصصة للمواطن الأردني.

بعدد سكان يناهز ستة ملايين نسمة، يحذّر الأردن، ذو الموارد القليلة، من عدم قدرة بنيته التحتية وقطاعات الصحة والتعليم فيه من تلبية احتياجات سكانه. وتزداد شكوى غالبية السكان، لا سيما الطبقة الوسطى المتآكلة، من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتضاعف تكاليف شراء واستئجار المسكن. وزير التربية والتعليم خالد طوقان يقول: إن الطلبة العراقيين في المدارس الأردنية لا يتجاوزون 25,000 ألفا منهم 15 ألفاً في المدارس الحكومية والبقية في المدارس الخاصة، وأن الوزارة تخطط لإقامة عشر مدارس جديدة لاستيعاب العراقيين ومواجهة الطلب المتنامي من الطلاب الأردنيين.

يظهر مسح فافو بأن واحداً من كل أربعة عراقيين وصل إلى الأردن قبل عام 2003 مع أولى موجات التهجير مطلع العقد الماضي هرباً من القمع السياسي والانهيار الاقتصادي آنذاك. في حين جاءت البقية منهم بعد سقوط بغداد.

يتواصل اللجوء رغم إجراءات الدخول الصارمة منذ فجّر ثلاثة عراقيين أحزمة ناسفة في فنادق عمّانية أواخر عام 2005 ما أودى بحياة 60 شخصاً. العدد الأكبر من العراقيين وصل إلى الأردن خلال ذلك العام.

وبحسب المسح، فإن العراقيين أرجعوا سبب خروجهم إلى تدهور الوضع الأمني في بلادهم وضرورات لم شمل العائلة.

وأن حوالى 98 ٪ من العراقيين المشمولين بالمسح لا يحملون أي جنسية أخرى.

يصر أصحاب القرار على أن المسح لا يعني مطلقاً إصباغ صفة اللجوء بحكم الأمر الواقع على مئات آلاف العراقيين المقيمين في الأردن، بعكس مطالبات منظمات حقوق الإنسان الدولية.

في ضوء المشهد الملتهب أردنياً وعربياً على خلفية الأزمات الإقليمية في فلسطين والعراق، يصر الأردن- الذي لم يوقع على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام -1967 - على رفض توطين أي لاجئ من أي جهة كانت.

وسيواصل الأردن تقنين دخول العراقيين لأسباب، يرجعها مسؤولون إلى الأمن الوطني والمجتمعي. لذلك ترفض عمان الإذعان لضغوط أميركية وأوروبية، بحسب المسؤولين أنفسهم، لكنها تحاول في المقابل تسهيل دخول بعض العراقيين وإقامتهم من باب احترام حقوق الإنسان وتفعيلها.

ينبّه خبراء اجتماع إلى مخاطر حدوث تغييرات في وجه عمان الديمغرافي، في وقت يطلق فيه سائقو التاكسي ألقاباً عراقية على مناطق انتشار العراقيين مثل: "الكاظمية»، و«الكرادة" و"الاعظمية».

يتداخل مع الوجود العراقي الكثيف تحد آخر يتمثل في أن المملكة لم تحسم بعد أمر هويتها الوطنية بسبب استمرار الصراع العربي- الإسرائيلي، وتداعيات ذلك على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في بلد يتكون نصف عدد سكانه تقريباً من أصول فلسطينية، غالبيتهم يحمل الجنسية الأردنية. وكان الأردن قد منح الجنسية لأعداد كبيرة من المهجّرين لا سيما من لبنان، وسورية، ومصر والعراق ممن وفدوا إليه هرباً من القمع السياسي والأوضاع الاقتصادية بعد استقلال بلدانهم.

تدفق مزيد من العراقيين سيجلب المزيد من المخاطر الأمنية مثل: تزوير جوازات السفر في العراق، ومخاطر دخول عناصر من تنظيم القاعدة أو من الميليشيات الشيعية والسنيّة التي تضمر شراً للأردن بسبب مواقفه السياسية أو لأنها تريد الثأر من شخصيات عراقية مقيمة هنا.

تسربت معلومات أخيراً عن إحباط عدة عمليات كانت تستهدف شخصيات عراقية مقيمة في الأردن لأسباب سياسية أو مالية، لكن لم يعلن عن حيثياتها.

ثمّة 70 ألف عراقي يقيمون في الأردن بصورة مشروعة, غالبيتهم بفضل استثماراتهم، إذ نال مئات رجال الأعمال جوازات سفر مؤقتة لتسهيل سفرهم.

يرى الأردن أن تسهيل أوضاع العراقيين يكمن في تكثيف عمل مكاتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عمّان، واستمرار جمع الأموال لتقديم المساعدة للمهجرين والنازحين داخل العراق، حيث تعمل المفوضية السامية من خلال 20 منظمة غير حكومية فضلاً عن تفعيل الضغوط باتجاه إعادة توطين من يرغب في بلدان ثالثة، لا سيما في أوروبا وأميركا.

مسح "فافو" يقدر عدد العراقيين في الأردن بنصف مليون – السجل خاص
 
08-Nov-2007
 
العدد 1