العدد 74 - دولي | ||||||||||||||
صلاح حزين في الوقت الذي راجت فيه أقوال عن وفاة أسامة بن لادن، نسب بعضها إلى الرئيس الباكستاني آصف سرداري، كانت رحى معركة ضارية تقع بالقرب من العاصمة الباكستانية إسلام آباد بين القوات الحكومية وقوات من حركة طالبان الباكستانية. وقد ذكرت الأنباء أن قوات الجيش الباكستاني قد قصفت، وبعنف، مواقع لحركة طالبان الباكستانية في منطقة بونر التي لا تبعد عن إسلام آباد سوى 60 ميلا، حيث أقامت حركة طالبان هناك معقلا لها وبدأت في إجراءات تطبيق الشريعة الإسلامية، بما في ذلك منع إقامة الحفلات وعزف الموسيقى، والاعتداء على مقرات مكاتب الصحف ووكالات الأنباء التي اتهمت بأنها لا تنشر الأنباء الحقيقية، وهددت بتطبيق حد الشريعة على أي صحفي لا ينقل الحقيقة، «فهنالك عقاب لكل من يكذب خلافا لشرع الله» كما قال ناطق باسم طالبان الباكستانية. للوهلة الأولى، لا يبدو أن هنالك علاقة بين الخبرين، ولكن كان هنالك دائما ما يجمع بين الوضع في باكستان والوضع في أفغانستان، على الأقل منذ دخلت الجيوش السوفييتية الأخيرة في أواخر العام 1979، مشعلة ما سمي في الثمانينيات حمى الجهاد الإسلامي ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. فمنذ ذلك الحين تحولت باكستان إلى قاعدة للمجاهدين الذين توافدوا على باكستان للمشاركة في الجهاد الأفغاني، وبقي الأمر كذلك حتى برزت حركة طالبان واجتاحت أفغانستان التي كان يحكمها تحالف الأحزاب الإسلامية التي كانت احتلت كابول بمعونة أميركية باكستانية في العام 1992. وعلى الرغم من مقاطعة القسم الأعظم من المجتمع الدولي لنظام طالبان المتشدد في أفغانستان، فإن باكستان كانت من بين دول قليلة اعترفت بنظام طالبان، وأقامت معه علاقات وثيقة لم تقطع إلا عشية الغزو الأميركي لأفغانستان بعد اتهام تنظيم القاعدة الذي كانت تحتضنه طالبان بالمسؤولية عن تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وقبيل الغزو، بدأت وكالات الأنباء المصورة تبث صورا لمقاتلين باكستانيين يجتازون الحدود في اتجاه أفغانستان، لمساعدة النظام هناك على التصدي للقوات الأميركية والدولية التي شاركت في الهجوم. أولئك المجاهدون المتطوعون هم في معظمهم من أنصار تنظيم طالبان الباكستانية، وهم النسخة الباكستانية من تنظيم طالبان الأفغاني، فنفوذ طالبان لم يقتصر على أفغانستان فقط، كما هو معروف، بل تعداه إلى باكستان التي تحولت حدودها الجنوبية إلى معقل لهذا التنظيم الذي أصبح يعرف بطالبان باكستان، أو طالبان الباكستانية. وحين احتلت الجيوش الأميركية وتلك المتحالفة معها أفغانستان العام 2001، هرب من هرب من قادة طالبان وتنظيم القاعدة إلى باكستان، حيث يقال إن كلا من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما من القادة قد لجأوا، ومن هناك يديرون اليوم المعارك التي بدأت تنشب بين حركة طالبان الأفغانية والجيوش الغربية المشاركة في الحرب على أفغانستان. ويقال إنه من هناك أيضا يجري تسجيل الأشرطة الصوتية التي يبثها بن لادن أو تلك الأشرطة بالصوت والصورة التي يتحدث فيها نائبه أيمن الظواهري. ويتذكر كثيرون ذلك الشريط الذي بثته قناة الجزيرة قبل سنوات، وظهر فيه بن لادن والظواهري وهما يسيران في جبال وعرة قيل في حينه إنها في منطقة الجبال الوعرة التي تفصل الحدود الباكستانية عن الأفغانية. تلك المنطقة تحديدا، تسيطر عليها القبائل الباكستانية التي تشترك في أصولها مع تلك الأفغانية، فمعظم سكان تلك المنطقة ينتمون إلى قبائل الباشتون التي تحكم أفغانستان تاريخيا. وفي الفترة الأخيرة قويت شوكة القبائل التي تملك سلاحها الخاص، وبدأت في استهداف قوافل التموين التي تمد القوات الأميركية والدول المتحالفة معها في أفغانستان بالإمدادات الغذائية والعسكرية. في صورة أو أخرى، فإن هذه المنطقة تتمتع بنوع من الحكم الذاتي، إذ لا تتدخل الدولة في إدارة شؤونها، هي التي تحولت معقلا للجماعات الإسلامية المتطرفة، وبخاصة حركة طالبان الباكستانية التي تعرف الحكومة تماما مدى نفوذها هناك، وهو ما جعل العلاقة بين القبائل التي تقيم في تلك المنطقة، وبخاصة منطقة وادي سوات الشمالية القريبة من الحدود مع أفغانستان، وبين الحكومة علاقة مضطربة، وخلال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي لأفغانستان راوحت هذه العلاقة بين المهادنة وبين الهجمات العسكرية التي كانت تشنها بين حين وآخر قوات الحكومة المركزية في إسلام آباد على المنطقة. وقد حدث أكثر من مرة أن هاجمت القوات الباكستانية منطقة القبائل وألحقت بمدنها وقراها دمارا كبيرا، وبخاصة بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، والذي وقف فيه الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف إلى جانب الأميركيين وقدم لهم دعما لوجستيا حاسما، ما أثار حفيظة المتشددين الباكستانيين القاطنين في تلك المنطقة التي تتمتع بقدر من الحكم الذاتي. حكومة آصف سرداري لم تختلف كثيرا في تعاملها مع منطقة القبائل تلك، فقد راوحت العلاقة بين الطرفين؛ الحكومة والقبائل، بين الهدوء والمعارك الحربية، ولكن شهر شباط/فبراير الماضي شهد اتفاقا بين الطرفين، تسمح الحكومة بموجبه للقبائل في منطقة وادي سوات، وهو معقل المتشددين الإسلاميين كما ذكرنا، بأن تطبق الشريعة الإسلامية في مناطقها، وهي خطوة لقيت انتقادات كبيرة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية التي اعتبرت تلك الاتفاقية مدخلا لإقامة حكومة إسلامية متشددة على غرار نظام طالبان الذي أسقطته قوات التحالف الغربي. وقد بدأت تبث من المنطقة مشاهد مصورة تظهر نماذج من العقوبات التي تنسب إلى الشريعة في تلك المنطقة تنفذها السلطات في وادي سوات، من بينها شريط يصور إنزال عقوبة الجلد في امرأة على مشهد من جماهير غفيرة من الناس. غير أن الأمور اتخذت أخيرا منحى خطيرا حين بدأت الحركة في مد نفوذها إلى مناطق قريبة من العاصمة إسلام آباد أخيرا حين هاجم نحو 500 مقاتل من قوات القبائل مدينة بونر الواقعة شمال غربي إسلام آباد وبدأت في خطف شباب من سكان المدينة، وقاموا بأعمال نهب وسرقة للممتلكات وبدأوا في التحصن في داخل المدينة ومعاقبة من رأوا أنه يقوم بممارسات مخالفة للشريعة الإسلامية، بمن في ذلك من كانوا يستمعون إلى أشرطة كاسيت تبث أغاني في سياراتهم. القوات الحكومية لم تجد بدا من الرد على ما اعتبرته خرقا للاتفاق الذي كانت أبرمته مع القبائل حول تطبيق الشريعة في وادي سوات فقط، وبدأت تتردد أنباء عن أن القبائل بدأت زحفها نحو العاصمة إسلام آباد. وردت الحكومة على التمدد الذي قامت به القبائل المسلحة بقصف مدفعي، واستخدمت طائرات الهليكوبتر في قصف المدينة، فأوقعت نحو 75 قتيلا بين قوات القبائل التي احتجت قائلة إن أعضاء طالبان باكستان هم في النهاية باكستانيون ومن حقهم التواجد في أي مكان في وطنهم. الاشتباكات الأخيرة قد تكون بداية النهاية للاتفاق الإشكالي بين الحكومة والقبائل التي ما تزال تمثل مشكلة كبرى لكل نظام وأي نظام يحكم باكستان، فهو لا يستطيع تجاهل قوة القبائل التي يغلب عليها طابع التشدد، وأهم من ذلك أنها لا تخفي تعاطفها مع نظام طالبان في أفغانستان، مع ما يعنيه ذلك من إزعاج للولايات المتحدة التي تخوض حربا شرسة مع الحركة الشقيقة عبر الحدود، ولا هو بقادر على التزام الصمت وهو يرى جزءا من الأرض الباكستانية خارج إطار القانون، وبين هذين النزاعين يقف نظام سرداري اليوم بعد أن كان وقّع مع القبائل اتفاقه المثير للجدل ذاك، وما المعارك والضحايا سوى ثمرة ذلك الاتفاق الذي يبدو أنه لن يعمر طويلا. |
|
|||||||||||||