العدد 74 - الملف | ||||||||||||||
دلال سلامة عندما تزوج ماجد الذي يقيم في إربد من فتاة يقيم أهلها في الزرقاء، كان أصحابه يمازحونه قائلين «دير بالك تعمل عليها زلمة، بعدين بتشطبك موس». إنها دعابة، ولكنها تعكس ما هو راسخ في ذهنية الناس من ارتباط مدينة الزرقاء بالجريمة والعنف، حتى أصبح الزرقاوي النمطي هو الشاب «الأزعر» الذي يروّع الأهالي بسلاحه الأبيض، ويتقاضى الإتاوات من أصحاب المحلات التجارية، ولا يتردد في استخدام الموس في أي مشاجرة. وفق إحصائيات مديرية الأمن العام، فإن عدد الجرائم المضبوطة في الزرقاء للعام 2008، كان 5778، كما تم ضبط 4.41 كيلو غرام من الهيروين، و52996 حبة مخدرة، ومليوني حبة كبتاغون. على عكس ما هو شائع، فالزرقاء وفق الإحصائيات الأمنية، احتلت العام 2005 المرتبة الرابعة في نسبة الجريمة بين المحافظات الأردنية، حيث سبقتها على التوالي محافظات العقبة، فالعاصمة، فالمفرق، واحتلت المرتبة الثالثة العام 2008، لتعود وتحتل المرتبة الرابعة العام 2009. عبدالله المجالي (39 عاما)، يسكن حي الغويرية منذ عشرين عاما، يعتقد أن ارتباط الزرقاء بالجريمة والعنف، يعود إلى حقبة ماضية، «كان لكل حارة (أزعرها) الخاص، الذي كان يفرض سيطرته بالقوة، وكان يلجأ إلى أخذ الإتاوة من المحلات التجارية، ولكنه في الغالب لم يكن يتعرض بالسوء لأبناء الحارة، لأنه كان ينتمي إليهم، بل كان يتعرض للغرباء الذين يدخلون الحيّ بالضرب والمضايقة». المجالي يقول إن هؤلاء لم يكونوا يمارسون انحرافاتهم علانية «كانوا يتعاطون المخدرات، ولكن في الدخلات والمنازل المهجورة». بحسب المجالي، لم يعد الوضع على حاله، فخلال العشر سنوات الماضية، اختفت الكثير من مظاهر الفتونة واستخدام القوة ضد الناس، وإن كانت ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة، بحسبه، ما تزال موجودة: «إنهم معروفون بين الناس؛ المتعاطون والموزعون». عماد المومني، ناشط سياسي، من سكان المدينة، يوافق المجالي على أن الصورة المتداولة بين الناس لم تعد تعكس الواقع: «في السبعينيات، وأوائل الثمانينيات، كان هناك الزعران الذين يأخذون الإتاوات من المحلات التجارية، ويزعجون الأهالي؛ مثلا كانوا يحضرون حفلات الأعراس ويخربونها، ولكن هذا لا يحدث الآن». ولكن المومني الذي يقول إن الزرقاء توسعت في الثمانينيات إلى أحياء سكنها بالتحديد أبناء الطبقة الوسطى مثل الزرقاء الجديدة ومنطقة غرب الزرقاء، والسلوكيات السيئة ظلت متركزة في مناطق مثل: الجبل الشمالي وحي معصوم والمخيم وجناعة والغويرية، وهي مناطق تتميز بالاكتظاظ السكاني الهائل، وتعاني من عشوائية البناء والفقر وارتفاع نسبة البطالة. المومني يشير إلى مفارقة، وهي أن الزرقاء التي تضم نحو 52 في المئة من الصناعات في المملكة، يعاني أبناؤها من البطالة، ذلك أن «المصانع التي يعمل الموظفون فيها ساعات عمل طويلة وفي ظروف قاسية، لا تلتزم بالحد الأدنى للأجور». جمال (35 عاما) من سكان الزرقاء، يقول إن كثيرا من الزعران في الزرقاء انتهوا قتلا، ففي العام 1998، قام اثنان ممن كانو يثيرون الرعب في الزرقاء بقتل صديق لهما في ناد للبلياردو بعد اختلافهم على مبلغ مالي، فحوكما وتم إعدامهما، وفي العام 1999، قتل أحد متقاضي الإتاوات من قبل أخ لأحد التجار، وذلك بعد أن قام المجرم بضرب أخيه بموس في وجهه، وفي العام 2003، قتل آخر على يد أحد التجار الذين كان يتقاضى منهم إتاوة، وآخر حادثة قتل كانت لامرأة تدعى ل.ك، وكانت تتقاضى الإتاوات بمساعدة صبيين لها، قتلت قبل أربعة أشهر في مجمع سفريات الزرقاء، عندما طعنها في رقبتها شخص تعرضت له بالشتائم. محمود (37 عاما) من سكان الزرقاء، يعتقد أنه إضافة إلى الإجراءات الأمنية المشددة في السنوات الأخيرة، فإن حوادث القتل المتكررة التي تعرض لها الزعران ساهمت أيضا في كبح جماحهم. ورغم الإجماع على أن الأمور لم تعد كما كانت في السابق، فإن محمود يقول إن ظاهرة ما يعرف بـ(التبلّي) ما زالت قائمة بشكل ملحوظ، وهي أن يقوم الشخص بابتزاز آخرين، عن طريق تهديدهم بأنه سيؤذي نفسه ويتهمهم بذلك. يروي محمود قصه صديقه، أحد كبار التجار في الزرقاء، الذي جاءه قبل ثلاث سنوات تقريبا شخص وطلب منه دفع مبلغ من المال، وعندما رفض، خرج هذا الشخص وضرب نفسه بموس، ثم ذهب إلى المركز الأمني وادعى أن التاجر هو من اعتدى عليه «الشرطة كانت تعرف أنه كاذب، ولكنها لم تستطع إلا تطبيق القانون، فأوقفوا التاجر، وحققوا معه، ثم عرضوه على المحكمة، واستمرت القضية أشهرا والتاجر يتردد على المحكمة لحضور الجلسات، ثم اضطر في النهاية إلى دفع مبلغ من المال مقابل إسقاط الحق». جمال يقول إن الجرائم التي يتم الإبلاغ عنها، لا تعكس حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ذلك أن كثيرا من الذين يتعرضون للإيذاء يخافون من التقدم بشكوى، وهو أمر يؤكده ما حدث مع ماهر، الذي يعمل محاميا في الزرقاء، فقد دخل إلى مكتبه الساعة التاسعة ليلا، شخص، وطلب منه مالا تحت تهديد السلاح، فأخرج له المحامي خمسة دنانير، ولكنه لم يخرج إلا بعد أن أخذ كل ما يحمل من نقود. ماهر لم يبلغ، فقد كان يعرف أن هذا الشخص سيسجن لفترة بسيطة ويعود إليه. المومني الذي يشدد على ضرورة أن تعدل التشريعات لتكون رادعة أكثر، ينبه إلى أن الزعران لديهم ثقافة قانونية «إنهم يعرفون مثلا أن ضربة الموس في منطقة القلب أو الرئة تصنف على أنها شروع في القتل وعقوبتها سنوات طويلة، أما الضربة في الوجه، فهي إيذاء، وعقوبتها أشهر قليلة». |
|
|||||||||||||