العدد 74 - الملف
 

دلال سلامة

يتذكر سلطان بدر (63 عاما) الستينيات التي كان سيل الزرقاء فيها نهرا حقيقيا لا يجرؤ الناس على قطعه؛ مياهه شديدة العذوبة، وتعيش فيه أسماك صغيرة ملونة، على جانبيه حقول من القمح والشعير. «كانت المنطقة زاخرة ببساتين التين والعنب والمشمش، كانت متنزها يأتيها الناس من مختلف المناطق» يقول بتحسر.

وصف كهذا يبدو عجائبيا لندى العقرباوي (17 عاما)، فبالنسبة لها، ليس السيل سوى المكرهة الصحية الأبرز في المدينة: «مياه وسخة في الشتاء، وبعوض وحشرات غريبة في الصيف».

سيل الزرقاء الذي يبلغ طوله 73 كم، ويمتد من رأس العين في عمان، وينتهي في سد الملك طلال في جرش، كان، وفق وزارة البيئة، يصرف نحو 5000 متر مكعب في الساعة من الينابيع الواقعة في حوضه، قبل تأثرها بنشاطات استخراج المياه الجوفية، ولكن معظم هذه الينابيع قد جف، أو تدنى معدل تصريفه من المياه بسبب زيادة عدد الآبار المحفورة في الحوض.

لم يكن الضخ الجائر الناجم عن الزيادة الكبيرة في عدد السكان هو السبب الوحيد في جفاف النهر وتلوثه، بل النمو الهائل للصناعات في المنطقة، ففي الزرقاء يتركز ما نسبته 52 في المئة من صناعات المملكة، يندرج تحتها أكثر من 5 آلاف نشاط صناعي، منها: صناعات الكرتون والألبان وصهر الحديد والدباغة والجلود. كثير من الصناعات والزراعات تكاثرت في صورة عشوائية على جانبي السيل، وفي حين استنزفت الزراعات المياه، قامت الصناعات بتلويث مياه النهر واستنزافه في آن واحد، إذ كانت المصانع تقوم بإلقاء نفاياتها مباشرة في مياه السيل.

مسح ميداني أجرته في شباط/فبراير من العام الجاري وزارة البيئة، بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحماية البيئة ومؤسسة ميرسي كور، أسفر عن نتائج تكشف الواقع البشع الذي يعيشه السيل والمناطق المحيطة به، فالتقرير أشار إلى أن المنشآت الصناعية على جانبي السيل تقوم بإلقاء مخلفاتها مباشرة إليه، وقال إنه يتم «التخلص من النفايات الصلبة والطمم في السيل بكميات لا توصف»، كما لفت إلى فيضان المياه العادمة إلى مجراه و «اختلاطها بمياه الأمطار والشرب»، وقد أشار في السياق نفسه إلى قيام «محطة رفع الزرقاء بفتح خط المجاري إلى السيل مباشرة، عند حدوث عدم استيعاب لخطوط النقل»، وإلى «رشح مياه السيل الملوثة إلى مياه الآبار التي يروي المزارعون منها المزروعات»، كما أشار التقرير أيضا إلى الجسر المقام فوق مجرى السيل من قبل أصحاب الكسارات، والذي «أدى إلى تضييق المجرى، وانسداده في كثير من الأحيان، وتجمع النفايات الطبيعية والصناعية، وبالتحديد الإطارات».

التقرير نفسه أشار إلى «ضعف الرغبة الحقيقية لدى الدوائر الرسمية للتعامل مع معضلة السيل».

مدير بيئة محافظة الزرقاء عبد المجيد خابور، الذي يقول إن معالجة القضايا البيئية في الزرقاء، وعلى رأسها السيل، هي واحدة من أولويات وزارة البيئة، شدد على أن المخالفات التي ترتكب حاليا هي مخالفات فردية، ذلك أن وزارة البيئة ومنذ إنشائها في العام 2003، تراقب وبشكل مشدد «مصانع المواد الغذائية التي تنتج مخلفات عضوية مربوطة بشبكة الصرف الصحي، أما المصانع التي تنتج مخلفات غير عضوية فهي ملزمة بإلقاء نفاياتها في مكب الأكيدر». خابور يشرح الآلية التي تقوم من خلالها الوزارة بالمراقبة، حيث تتم مراقبة عقود المصانع مع شركات نقل النفايات «نقوم بتتبع الإيصالات التي تثبت خروج النفايات من المصنع، ومن ثم تتبع الإيصالات التي تفيد بوصولها إلى المكب».

لكن محمود عليمات، رئيس جمعية البيئة في الزرقاء ، يقول إن الرقابة ليست مشددة بما يكفي، ذلك أن الكثير من المصانع ومنها مصنع الخميرة، ومصانع الألبان، ومناشر الحجر، ما زالت تلقي بمخلفاتها في السيل.

بارقة الأمل لأهل الزرقاء وسيلها المغدور، هو «مشروع إعادة تأهيل سيل الزرقاء»، الذي يقول خابور إن وزارة البيئة تبنته بدعم من وكالة الإنماء الأميركية وبمنحة إسبانية. المشروع، بحسبه، بدأ العمل فيه أوائل العام الجاري، ومدته عشر سنوات، وبميزانية ضخمة تبلغ 40 مليون دينار.

سيل الزرقاء: من نهر إلى مكرهة صحيّة
 
30-Apr-2009
 
العدد 74