العدد 74 - الملف | ||||||||||||||
حسين ابو رمّان الزرقاء هي ثاني مدينة من حيث عدد سكانها بعد العاصمة عمًان، إلا أن ثقل المجتمع المدني فيها لا يوازي ثقلها السكاني. ويتضح هذا من خلال أعداد منظمات المجتمع المدني المرخصة بحسب أرقام العام 2006 على صعيد المحافظة مقارنة مع باقي محافظات المملكة. على صعيد الجمعيات الخيرية، فإن عدد الجمعيات يبلغ 71 جمعية مقارنة بنحو 138 جمعية في إربد، و70 جمعية في المفرق. ولا تتفوق الزرقاء على المفرق سوى في وجود 14 فرعاً لجمعيات مركزها الرئيسي في عمان. الأمر نفسه ينطبق على الروابط والملتقيات الثقافية التي يبلغ عددها 20 منظمة، مقابل 42 في إربد، و21 في البلقاء. ولا يختلف الوضع فيما يخص الأندية الرياضية والشبابية، فهناك 19 نادياً فقط في الزرقاء مقابل 55 في إربد و23 في الكرك. الوضع كان مختلفاً بعد الانفراج الديمقراطي في بداية التسعينيات، إذ زادت منظمات المجتمع المدني زيادة كبيرة سواء في عددها أو فعاليتها، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى أواسط التسعينيات حيث بدأت بالتراجع، بحسب رئيس رابطة القلم محمد صبيح. التفوق النسبي للزرقاء مقارنة بالمحافظات خارج العاصمة، يمكن أن نجده فقط على صعيد الثقل القاعدي لبعض القطاعات مثل الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية. لكن هنالك أسباب ذاتية وموضوعية، وأخرى ربما من طبيعة جغرافية وإعلامية، لا تساعد المجتمع المدني الزرقاوي أن يأخذ فرصته الحقيقية. ناديا بشناق رئيسة مركز التوعية والإرشاد الأسري، والناشطة في العمل الاجتماعي والنسائي، تقول «للزرقاء خصوصية، فهي معروفة بصفتها مدينة الجندي والعامل، وعلاوة على ذلك، فإن حصتها كبيرة من الهجرات الحديثة في التسعينيات من القرن الماضي وبدايات الألفية الجديدة»، مستخلصة أن هذا يضاعف من حجم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي من طلب الجمهور على الخدمات. وتضيف «هناك فقر وبطالة ودخول محدودة وأسر كبيرة ومعدلات إعالة عالية، لذلك يصعب على منظمات المجتمع المدني وبخاصة العاملة في المجال الاجتماعي والثقافي والشبابي أن تعتمد على نفسها للنهوض بواجباتها وتنفيذ برامجها وأنشطتها. وتشدد بشناق على أهمية توفير التمويل لهذه المنظمات التي لا تتلقى سوى القليل من الدعم من اتحاد الجمعيات الخيرية أو من الوزارات المعنية رغم أن هذه المنظمات تقوم بأدوار كبيرة رديفة للدولة، داعية لتوفير دعم على شكل مشاريع إنتاجية للإسهام في استدامة الموارد. يتفق صبيح مع إشارة بشناق إلى نقص التمويل، ويقول إنه لا يوجد دعم مناسب لمنظمات المجتمع المدني، لافتاً الانتباه إلى عدم تحمل القطاع الخاص والجامعات في المحافظة لمسؤولياتها الاجتماعية، «فالصناعات تلوث البيئة، وتخلق بؤراً بيئية ساخنة، ومع ذلك لا هي تعالج هذا المشاكل، ولا تدعم المجتمع المدني ليقوم بدوره على هذا الصعيد»، يقول صبيح، ويضيف أن الجامعات غائبة عن خدمة المجتمع المحلي حتى في أبسط أشكال الدعم للأنشطة الثقافية حتى «بتنا نشعر وكأن أصواتنا مبحوحة، فلا أحد يسمعنا جيداً». وبالاستناد إلى تجربتها الطويلة في العمل الاجتماعي، تقول بشناق نحن توصلنا إلى ضرورة وجود تشبيك بين المؤسسات المدنية وبينها وبين المؤسسات الحكومية المعنية، ونتطلع إلى الارتقاء بهذا التعاون إلى درجة المؤسسية، لافتة إلى أنه رغم اختلاف أدوار المؤسسات ووظائفها، فإنها تلتقي عند خدمة المواطنين. وترى بشناق بخصوص التشريعات، أن المجتمع المدني بحاجة إلى مرونة في التشريعات الناظمة لعمله ولا سيما قانون الجمعيات، بحيث يكون عوناً لها على النمو والتطور. يشدد صبيح على التراجع الكبير في درجة الإقبال على العمل التطوعي في مختلف المجالات قياساً بالعقد الماضي، ويفسر ذلك بحالة من الإحباط تسود الناشطين في العمل العام، مشيراً إلى وجود تراجع في أداء كل فئات المجتمع المدني بما في ذلك النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية. كما يلفت صبيح النظر إلى وجود نزوح للنخب السياسية والاجتماعية والثقافية نحو العاصمة، وكذلك خارج البلد، وإلى أن هذا يترك أثره السلبي على المجتمع المدني ومنظماته. ويضيف بأن التعددية في مكونات النسيج الاجتماعي الزرقاوي، لم تتحول إلى مصدر إثراء لحياة المدينة كما ينبغي أن يكون، بل تشكل مصدر إرباك لهوية أهل المدينة سواء في تعاملهم مع الآخرين أو في تعامل الآخرين معهم، لافتاً إلى أن صراع الحكومات في السنوات الأخيرة مع الإسلاميين، أسهم في إقصائهم جزئياً، لكن الوجوه التقليدية هي من يملأ الفراغ، وليس قوى التغيير. |
|
|||||||||||||