العدد 74 - الملف | ||||||||||||||
ابراهيم قبيلات شهدت خمسينيات القرن الماضي حراكاً حزبياً وموجة تسييس شعبي واسعة، لا سيما عقب اندلاع ثورة يوليو العام 1952 في مصر، وانتشار المد الناصري في ربوع الوطن العربي. في البداية احتكر الشيوعيون وجماعة الأخوان المسلمين التعاطف الجماهيري في المدن الأردنية المختلفة بما فيها مدينة الزرقاء. محمد الحاج، عضو مجلس النواب الخامس عشر، يقول لـ«ے»: «الزرقاء التي عرفت بأنها مدينة العمال والجنود، تآلفت ضمن تنوع سياسي منذ العام 1948». ويستذكر الحاج افتتاح شعبة الإخوان المسلمين في هذه المدينة العام 1949، بعد ثلاث سنوات على دخولها رسميا إلى الأردن. تلك الشعبة كانت برئاسة يحيى الأيوبي منذ تدشينها وحتى العام 1956. لكن «الإخوان المسلمين خسروا كثيرا من التعاطف بعد موقفهم من أحداث الزرقاء العام 1957»، كما يقول ناشط يساري رفض الإفصاح عن اسمه، وذلك حين أصدرت الحكومة قرارا بحل الأحزاب اليسارية والقومية، وأبقت على جماعة الإخوان التي كانت تقف آنذاك موقفا مناوئا للنظام الناصري الذي كان يمثل الوطنية المصرية والقومية العربية والنزوع التحرري آنذاك. حزب التحرير، الذي كان في الأصل انشقاقا عن الإخوان المسلمين، ظهر في النصف الأول من الخمسينيات، وكان يتنافر مع الإخوان إلى حد تكفير بعض أعضائه. منير الحمارنة، الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، يرى أن الحركة الناصرية بدأت تتصاعد بعد الثورة المصرية، ولكنها اشتدت وأصبحت حركة متعاظمة عندما بدأ عبدالناصر بتغييرات سياسية واقتصادية في مصر مثل: عمليات التصنيع وبناء السد العالي، وتسليح الجيش المصري من الاتحاد السوفييتي، وتأميم قناة السويس؛ ظهر التوجه الناصري الوطني المستقل، قبل أن يتحول إلى الاشتراكية في العام 1961. بقي التيار الناصري في صيغته الوطنية داخليا، القومية عربيا والاشتراكية عالميا، هو المهيمن على الساحة السياسية في الزرقاء حتى العام 1967، وكانت الفترة فترة «مد سياسي يتخللها العمل السري للشيوعيين والقوميين العرب والبعثيين وحزب التحرير. وبعد العام 67 بدأ العمل الحزبي بالتداخل مع عمل الفصائل الفلسطينية التي اعتمدت الكفاح المسلح لتحرير فلسطن» كما أكدت بياناتها الصادرة آنذاك. هذا النشاط اليساري والقومي في الزرقاء، شهد تحولا لمناصرة الفصائل الفلسطينية بعد هزيمة العام 1967، التي شهدت خسارة الضفة الغربية، قطاع غزّة، سيناء المصرية، والجولان السوري، ما جعل الأنظمة تبدو مهزومة، في الوقت الذي بدأت فيه الفصائل الفلسطينية المقاومة، التي كان بعضها قد بدأ نشاطه قبل الهزيمة ولكن على نطاق ضيق، تحظى بشعبية بدأت في التصاعد في أوساط المواطنين، لا سيما في مناطق التجمعات الفلسطينية والمخيمات المحيطة بالمدينة. في ذلك الوقت، طغى ولاء سياسي لمنظمة التحرير والفصائل الفسطينية التي سيطرت على المنظمة العام 1969، في مقدمتها حركة فتح والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين. ورغم تأثر النظام المصري سلبا بفعل الهزيمة، فإن النظام الناصري الذي كان يخوض حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، ويعيد بناء الجيش المصري على أسس علمية جديدة بقي يحظى بنفوذ كبير وجماهيرية لم يلغها النفوذ المتصاعد للتنظيمات الفلسطينية المسلحة. عبدالعزيز العطّي، من مؤسسي الحزب الشيوعي الأردني، يقول لـ«ے»: «الحزب الشيوعي الأردني هو امتداد لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني، التي كانت تضم الشيوعيين العرب في فلسطين قبل العام 1948، بعد توحده مع الحلقات الماركسية في الأردن. وفي العام 1952، بعد عامين على وحدة الضفتين، بدأ الحزب في الانتشار في مدن وقرى المملكة الأردنية؛ نتيجة لمطالبته بالتحرر وإلغاء المعاهدة الأردنية-البريطانية والنضال من أجل الديمقراطية ولدفاعه عن حقوق العرب في فلسطين». ويؤكد العطي أن «بناء المصانع في محيط الزرقاء ساعد على انتشار الفكر الشيوعي بين العمّال الذين نشطوا سياسيا ونقابيا». بعد احتلال الضفة الغربية العام 1967، عادت القضية الفلسطينية تطرح نفسها بقوة على جميع القوى السياسية، ومن بينها الحزب الشيوعي الأردني الذي كان قسمه في الضفة الغربية يقوم بمهمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل مظاهر السلاح التي كانت قائمة آنذاك، وجد الحزب نفسه يطرح ضرورة المشاركة في العمل المسلح لمقاومة العدو، ورغم معارضة قسم لا بأس به من القادة التاريخيين للحزب، فإن مؤتمرا مصغرا عقد في عمان العام 1970 اتخذ قرارا بإنشاء تنظيم شيوعي مسلح حمل اسم «قوات الأنصار». وبناءً على ذلك القرار ازدادت الاتصالات بين الشيوعيين وبين الفصائل الفلسطينية، فكان أن وجدوا الدعم والمؤازرة من الجميع. يضيف العطي أن الحزب شارك في أحداث أيلول/سبتمبر العام 1970، «شاركنا مع الفصائل الفلسطينية، واستشهد عدد من الرفاق في تلك المواجهات». في ثمانينيات القرن الماضي برز التيار الإسلامي، وبخاصة في الأوساط الفلسطينية. إذ بدأ يستقطب أعدادا كبيرة من جمهور هذه المدينة الأكثر كثافة سكانية، الأمر الذي انعكس في الانتخابات النيابية العام 1989. في تلك الانتخابات، التشريعية الشاملة الأولى منذ 20 عاما، حصد الإخوان المسلمون 22 مقعداً من أصل 80 مقعدا. فاز الإسلاميون بثلث مقاعد الزرقاء آنذاك؛ اثنان من ستة، محمد الحاج وذيب أنيس، فيما حصل عبد الباقي جمو على المقعد الشيشاني الذي كان حصل عليه لأول مرة في انتخابات العام 1956 ممثلا للإخوان المسلمين، ولكنه حصل عليه هذه المرة بوصفه نائبا مستقلا. في تلك الانتخابات رشج العطي نفسه عن الحزب الشيوعي الأردني، وحصل على 3900 صوت محرزا بذلك موقعا متقدما بين المرشحين، ولكن الحظ لم يحالفه، فيما تمكن عضو حزب الشعب الأردني (حشد) من إنجاح النائب عنه، آنذاك، بسّام حدادين، الذي ما زال يحتفظ بمقعده حتى الآن. مع الفكر الإسلامي ظهر الاتجاه السلفي الذي «دخل مدينة الزرقاء مع دخول الشيخ ناصر الدين الألباني إليها أوائل الثمانينيات، والذي ما لبث أن اتجه نحو العمل السياسي»، كما يقول محمد الحاج. كما عرفت الزرقاء أصحاب أفكار متطرفة مثل الزرقاوي وغيره. وظهر في الرصيفة مُنَظِّر السلفية الأبرز أبو محمد المقدسي. وفي هذا الإطار راجت أفكار الجهاد في أفغانستان التي لعب فيها دورا مهما عبد الله عزام الذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وكان يبث أفكاره التي تشجع على الجهاد في أفغانستان، ويستقطب أعدادا كبيرة للانضمام إلى تنظيم «القاعدة». عبدالله عزّام، الذي كان أستاذا في كلية الشريعة، قتل في تفجير سيارة مفخخة العام 1989 في باكستان. يرى عماد المومني، ناشط سياسي، أن الفقر وانتشار البطالة وتفشي الأمية وغياب مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات، والأندية الثقافية، وحالة الفراغ السياسي والثقافي في صفوف الشباب ساعد على ظهور التكفيريين في تسعينيات القرن الماضي. و«في ثمانينيات القرن الماضي، ظهر السلفيون بالتزامن مع تحالف أميركي - عربي لتجنيد «مجاهدين» من أجل قتال الاتحاد السوفييتي الشيوعي في أفغانستان»، يقول المومني. الأحزاب الوسطية التي ظهرت منتصف العقد الماضي مثل: حزب العهد والدستوري والرسالة واليقظة، أفل نجمها مبكراً. وخلال العقد الماضي تزايدت حدة الخلاف بين الأخوان والحكومة، وبلغ أوجه العام 1997 عندما قرر الإخوان مقاطعة الانتخابات النيابية. وقد شاركها عدد من أحزاب المعارضة الأردنية وشخصيات وطنية. أما انتخابات العام 2003 الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، والتي جاءت بعد عامين على تعطل الحياة النيابية، فشهدت زيادة مقاعد الزرقاء من ستة إلى عشرة بعد رفع عدد المجلس النيابي من 80 إلى 110. في تلك الانتخابات، نجح أربعة إسلاميين في محافظة الزرقاء هم: إبراهيم المشوخي في الدائرة الأولى، علي أبو سكر في الدائرة الثانية، وجعفر الحوراني في الرصيفة، إضافة إلى حياة المسيمي التي فازت بأحد المقاعد الستة المخصصة للنساء. ولكنهم فقدوا تمثيلهم تماما في الزرقاء في انتخابات العام 2007. |
|
|||||||||||||