العدد 74 - أردني
 

سعد حتر

حين دشّن البابا بولس الثاني المغطس مرجعية وحيدة لمعمودية المسيح العام 2000، قفز طموح الأردن صوب مضاعفة مردوده المتواضع من السياحة عشر مرات إلى أربعة مليارات دولار سنويا خلال العقد الحالي.

إلا أن مواسم السياحة اللاحقة تراجعت في ضوء الانتفاضة الثانية والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان، زلزلة 11 أيلول/ 2001 في الولايات المتحدة  وغزو العراق ربيع 2003.

اليوم، يتطلع الأردن إلى تعظيم استثمار زيارة البابا بندكتوس السادس عشر، الذي يفتتح جولته في الأراضي المقدسة عبر بوابة عمّان (8-11 أيار/مايو)، امتدادا لمقاربة سلفيه بولس السادس العام 1964 وبولس الثاني 2000.

المغطس، الذي بات يصنف ثالثا بين المواقع المقدسة لدى الكنيسة بعد مهد المسيح في بيت لحم وكنيسة القيامة وطريق آلامه في القدس، سيشهد ذروة الزيارة البابوية، على غرار برنامج حج البابا بولس الثاني العام 2000.

في أول حج بابوي لدولة عربية العام 1964، بدأ يوحنا بولس السادس زيارته في القدس التي كانت – مع سائر الضفة الغربية - جزءا من الأردن حتى وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي العام 1967.

كان سلف الحبر الأعظم الحالي، البابا بولس الثاني (الذي توفي العام 2005) جال في المنطقة بدءا من الأردن في ربيع العام 2000.   

في ضوء تلك الزيارة التاريخية، توقع المسؤولون في حقل السياحة أن تتضاعف العوائد إلى مليار دينار (مليار و400 مليون دولار) بحلول 2002.

خبير في شؤون السياحة وزير السياحة الأسبق عقل بلتاجي، يرى أن الاستعدادات للزيارة البابوية كان يجب أن تكون أكثر شمولية، مستذكرا ما وصفها بالعوائد المنقوصة التي أعقبت الحج البابوي الأخير.

«كان يمكن استثمار جولة الملك عبد الله الثاني في أميركا الجنوبية للترويج السياحي عبر مخاطبة أكبر تجمع كاثوليكي في العالم»، حسبما يرى بلتاجي، رئيس لجنة السياحة والتراث في مجلس الأعيان. بلتاجي دعا أيضا إلى طرق أسواق مجتمعات كاثوليكية في أوروبا، مثل إيطاليا وإسبانيا.

الكرسي الرسول في روما يمثّل مليار كاثوليكي، أي سدس سكان العالم، من بينهم تسعة ملايين عربي، علما أن الأردن يضم 50 ألف كاثوليكي من بين زهاء 200 ألف مسيحي.

في غضون ذلك، دعت جماعة الإخوان المسلمين البابا إلى الاعتذار مجددا عن تصريحات صدرت عنه قبل ثلاث سنوات، بدا فيها كأنه يربط الإسلام بالإرهاب.

ورد ذلك على لسان الناطق الإعلامي باسم الإخوان جميل أبو بكر، الذي خيّر الفاتيكان بين الاعتذار وإرجاء زيارة البابا إلى المنطقة. واعتبر أبو بكر أن «تجاهل» البابا «لمشاعر المسلمين سيظّل حجر عثرة أمام التئام الجرح الذي سبّبته تصريحاته ، التي مسّت بالإسلام وبالرسول الأعظم».

يذكر أن بندكتوس السادس عشر كان ألقى محاضرة حول «الدين والعقل» في 11 أيلول/سبتمبر 2006 في إحدى جامعات ألمانيا، بدا فيه كأنه يقيم رابطاً بين الإسلام والعنف، ما أثار احتجاجات في العالم العربي والإسلامي. واقتبس بندكتوس مقتطفا من كتاب إمبراطور بيزنطي.

على أن البابا ومعاونيه اعتذروا عن تلك التصريحات علانية في أكثر من مناسبة. ونظّم الفاتيكان أيضا استقبالا استثنائيا لسفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى الفاتيكان لتفسير مواقف الحبر الأعظم.

وبينما أكد أنه «لا يمكن أن تنعكس تصرفات شخصية لأي كان على متانة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين واتسامها بالاحترام والتسامح والتآلف»، أعرب أبو بكر عن «الأمل في أن يتخذ الفاتيكان قرارا بإرجاء زيارة البابا حتى تتم معالجة الملاحظات سالفة الذكر».

أمين عام هيئة تنشيط السياحة نايف الفايز، يؤكد أن الأردن يراهن على ما بعد زيارة البابا لاجتذاب أفواج جديدة من السياح، لا سيما من الدول الكاثوليكية.

السجلات الرسمية تفيد بأن 142 ألف سائح زاروا العام الماضي موقع المعمودية، غالبيتهم من الأوروبيين، بزيادة 53.7 في المئة عن أرقام 2007.

هذا الموقع المحاذي للأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي كان موقعا عسكريا مغلقا مزروعا بالألغام حتى العام 1996، حين تحرك الأردن لإعادة تأهيله بعد عامين على إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل.

واكتشف في المغطس أكثر من 20 موقعا مقدسا بين كنيسة عتيقة، كهوف وبرك معمودية أثرية أنشأها المسيحيون الأوائل.

إلا أن مجرى الموقع المقدس معرض للاضمحلال بسبب الضخ الجائر في المزارع المجاورة وإقدام إسرائيل على استنزاف وتحويل روافده في الشمال. مؤسسة نهر الأردن دعت البابا إلى مطالبة إسرائيل خلال جولته بوقف الاستحواذ على مياه النهر المقدس.

«زيارة البابا تاريخية ويجب أن نبني عليها لتعظيم عوائد السياحة»، حسبما يؤكد الفايز، رئيس الذراع الترويجية لوزارة السياحة.

إلى جانب المغطس، سيزور الحبر الأعظم مسجد الحسين بن طلال على رأس تلة دابوق في عمان الغربية، حيث سيلتقي برجال دين إسلام ومسيحيين. كذلك سيجول في قلعة مكاور قرب مادبا، التي يعتقد المسيحيون أن رأس يوحنا المعمدان قطع فيها، وكنيسة صياغة قرب جبل نيبو.

يشكل المسيحيون زهاء 4 في المئة من سكان الأردن المقدر بستة ملايين نسمة.

الفايز يؤكد أن نهر الأردن، الذي شهد معمودية المسيح، هو مهد هذه الديانة في العالم.

ويدافع الفايز عن استعدادات هيئة تنشيط السياحة، مؤكدا أنها أطلقت موقعا عالميا بست لغات حول أنشطة البابا، ووضعت يافطات ترويجية في سورية ولبنان، لمخاطبة سكان هذين البلدين، لا سيما المسيحيين منهم.

يؤكد أمين عام الهيئة أن السياحة في الأردن «نوعية» وليست «شعبية»، لافتا إلى محدودية الطاقة الاستيعابية لفنادق ومنتجعات هذا البلد.

في الأردن 22 ألف غرفة فندقية، بحسب الفايز الذي توقع ارتفاع العدد إلى 30 ألفا بحلول 2013.

يؤكد الفايز أن الهيئة ستواصل الترويج للسياحة الدينية، ضمن استراتيجية وطنية لسبع سنوات وضعت العام 2004.

وبينما يتوقع تدفق مئات آلاف السياح، يتحدث الفايز عن خطة لرفع معدل فترة إقامة السائح من 4.4 يوم إلى سبعة أيام بحلول 2013.

تساؤل حول كفاءة الترويج .. رهان على حجيج البابا لتعظيم عوائد السياحة و“الإخوان” يطالبونه باعتذار
 
30-Apr-2009
 
العدد 74