العدد 74 - أردني
 

سوسن زايدة

كما يحدث عندما تُطرح قضية تتعلق بالمرأة أو الأسرة، يثور الجدل وتنقسم الأصوات بين مؤيد ومعارض. ها هي اتفاقية إنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، تتصدّر المشهد وسط تجاذبات بين تيارين: أحدهما ينطلق من موقف محافظ وتسييس، ويضم قوميين ،سلفيين ،يساريين أصوليين، والآخر محدود ضعيف لكن صوته عالٍ، قوامه اليسار المستنير، الإصلاحيون بألوانهم المختلفة، والعلمانيون، الكتّاب التنويريون وبعض مؤسسات المجتمع المدني.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) هي أول معاهدة دولية مكرّسة لحماية حقوق المرأة. تضمن المعاهدة حق المرأة في التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، المدنية والسياسية، المنصوص عليها في جميع المعاهدات الدولية، على أساس متساو مع الرجل، وهي تُلزم الدول الأطراف باتخاذ المناسب من التدابير، التشريعية وغير التشريعية، لحظر كل تمييز ضد المرأة.

الاتفاقية هي ثمرة جهود استمرت أكثر من ثلاثين عاما، قام بها مركز لجنة المرأة في الأمم المتحدة، وهي اللجنة التي شكلت في العام 1946 بعد عام واحد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر أول ميثاق دولي يتضمن إشارة إلى ضرورة المساواة بين الرجال والنساء. وقد توالت بعد إنشاء اللجنة القرارات الدولية الرامية إلى تحسين أوضاع المرأة، فاعتمدت اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة العام 1952، واتفاقية جنسية المرأة العام 1957، ثم اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج العام 1962، إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية (سيداو)، التي أقرت العام 1979 ودخلت حيز التنفيذ العام 1981.

الأردن كان بين 21 دولة عربية انضمت إلى الاتفاقية، وقد وقعها العام 1992، ثم صادق عليها نهائيا العام 2007. لكن الجدل ظل قائما حول ثلاث مواد، هي المادة 9 وتنص على حق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها، والمادة 15، التي تنص على حق المرأة في السفر والتنقل واختيار مكان السكن، والمادة 16، وتنص على حظر التمييز بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بالزواج والعلاقات الأسرية.

«الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات». بهذه العبارة ابتدأ ناشطون حقوقيون دفاعهم عن الاتفاقية، مؤكدين أن الجدل حولها هو جدل على الدستور الأردني. فيما يرى معارضو الاتفاقية أن التهديدات بـ«حجب» التمويل والمساعدات عن الأردن، هي الأساس في «الخضوع لإملاءات خارجية».

التصعيد لم يقف عند هذا الحد، فقد وُوجهت الاتفاقية بإشكاليات معقدة، وتمترس المعارضون خلف «الثقافة المجتمعية»، لما تتطرق له الاتفاقية من «محظورات» في المجتمع، على حد تعبير نشطاء معارضة الاتفاقية.

الاتفاقية تثير جدلاً كبيراً في هذه الآونة، فمصادقة الحكومة النهائية عليها يعني إسقاطها التحفظ على المواد آنفة الذكر، التي يعتبرها كثيرون «منافية للشريعة ، وعامل هدم محتمل للعلاقات الأسرية».

في مقابل الموقف المحافظ، فإن ناشطين وممثلين عن مؤسسات معنية بحقوق المرأة، أرجعوا الجدل إلى خشية المجتمع «الذكوري» من خسارة مكانته وسطوته، إذا ما تحققت المساواة بين الرجل والمرأة. وأيّدوا إزالة التحفظات الرسمية على الاتفاقية، ودعوا إلى إقرارها بالكامل.

الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة أسمى خضر، قالت لـ«ے» إن الاتفاقية «تأتي مساندة لقانون الأحوال الشخصية النافذ، وفيه حق التنقل وحق اختيار مكان السكن مكفول».

«بعضهم يقول إن المرأة ملزمة بالالتحاق ببيت زوجها، بينما يتيح لها قانون الأحوال الشخصية هذا الاختيار، وللمرأة الحرية الكاملة لأن تقبل الزواج أو لا تقبل، وباستطاعتها أن تضع الشرط التي تريد في عقد الزواج، فهذا حق لها»، توضح خضر.

كان حزب جبهة العمل الإسلامي تصدّر معارضة الاتفاقية، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في 26 نيسان/أبريل، حول ما وصفه «مخاطر» اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو».

الحزب أصدر عقب المؤتمر بيانا شرح فيه أسباب معارضته الجذرية للاتفاقية، ورأى فيه أن تطبيق بنودها بالكامل سيحوّل الحياة الأسرية إلى «صراع وحرب مشتعلة بين الرجال والنساء». وأضاف أن «تقنين التشريعات المحلية بناء على الاتفاقية سيؤدي إلى شيوع التفسخ الأسري، وسلب المرأة الحقوق التي منحها الشرع لها بحجة المساواة المطلقة». الاتفاقية «ترسم لمستقبل خطير من خلال خلق جيل نسائي يستغني عن الرجل»، يقول البيان.

مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان، يتبنى وجهة نظر حزب جبهة العمل الإسلامي. يقول سرحان لـ«ے»: «الأولوية في الحديث عن بنود الاتفاقية هي أصحاب الاختصاص في القضايا الشرعية، مثل دائرة الإفتاء وعلماء الاجتماع والشريعة الإسلامية، وليست المنظمات النسائية بصرف النظر عن ماهية توجهاتها وما تحمله من افكار مناصرة للمرأة». ويضيف أن أي حوار يتعلق ببنود الاتفاقية، لا بد أن يكون «منبثقا من الثوابت الدينية والقيم الأصيلةالتي تصب في مصلحة المجتمع الذي ينشده». لكنه يؤكد أن «المادة 9 الفقرة 2، الخاصة بقانون الجنسية، لا إشكالية عليها، رغم عدم رفع التحفظ عنها، لأنها تعدّ قضية سياسية».

الكاتب والصحفي باتر وردم يدافع عن الاتفاقية، ويختلف مع التيار العريض المحافظ، ويتبنى أفكاراً إصلاحية ليبرالية. يقول في مقالة نشرت في «الدستور» (26 نيسان/أبريل 2009) إن الاتفاقية لا تساهم بأي شكل من الأشكال في التفكك الأسري، ولا في الانحلال والجريمة كما يشيع بعضهم، فهي «إطار قيمي وتشريعي لحفظ حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في الأدوار الاجتماعية».

من جهته، أكد عضو كتلة العمل الإسلامي النائب سليمان السعد، موقفه المحافظ والمتشدد، والمخالف لموقف وردم وموقف مؤسسات المجتمع المدني، وقال إن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة «أمر لا يمكن القبول به».

سرحان يضيف على ما يقوله السعد، أن اتفاقية «سيداو» لا تفرق بين المرأة المتزوجة وغيرها. يقول: «هذا الأمر ليس مقبولا، لا في الشريعة الإسلامية، ولا حتى في أعرافنا الاجتماعية».

رداً على رفض مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، يرى وردم أن هذه الفكرة تنطلق من نظرية خاطئة مفادها أن المرأة هي سبب الانحراف الأخلاقي، وأن الوسيلة الأفضل للوقاية هي الحد من تحركها، «لكن الواقع يقول إنه منذ فجر البشرية، فإن سوق الانحلال الخلقي كانت مفتوحة من قبل الرجال، ومن أجل فائدة الرجال، ودور النساء هو فقط أدوات في هذه السوق».

سرحان يشدد رفضه إزالة التحفظ على المادتين 15 و16 المتعلقتين بالزواج والعلاقات الأسرية، وحرية التنقل للمرأة، ويرى أنهما تتيحان للفتاة السكن في خارج منزل العائلة. «يصبح بإمكان الزوجة أن تطلب المسكن في خارج إطار بيت الزوجية، وهذا منافٍ للشريعة الإسلامية، فإذ كان هناك رغبة حقيقية في تغير مكان المسكن يجب أن تتم بموافقة الزوجين، علينا أن لا نعطي للفتاة الحرية المطلقة لتتنقل من دون إذن وليها، فهذا الأمر يؤدي إلى تفكك الأسرة وخلخلة بنيانها».

هذه المنظومة من الآراء والأفكار المعارضة، تعتقد أن المرأة بالضرورة ستفسُد إذا رفعت أي رقابة عنها، بينما الرجل مصان من كل ذلك.من هذه الزاوية، ترى منى مخامرة، محامية ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن ما يسوقه بعضهم من حجج، مثل حرصهم على مصالح المرأة، هي في جوهرها تقييد لحرية المرأة «وحجر» عليها.

يعود سرحان لانتقاد المادة 16 مبيناً «خطورتها» على حد تعبيره. «المادة ترفع شرط رضا الولي وموافقته في موضوع الزواج، وهذا الأمر خطير، لأن جمهور الفقهاء أكدوا ضرورة وأهمية وجود موافقة الولي في موضوع الزواج، لكن هذا لا يعني التحكم بمصير الفتاة، فنحن نريد للأسرة أن تمتد وتبقى متماسكة».

ترد خضر على ذلك بقولها إن المجتمع الأردني «مثال للمجتمعات الذكورية المنحازة لمصلحة الرجل»، وتضيف أن هذا مرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف، وليس بالضرورة بالنصوص الدينية، فهو «راسخ بالثقافة و التربية والسلوك، ما يتطلب تعديله وتغييره، لكن هذا يحتاج إلى جهود جبارة كبيرة».

وردم يختتم مقالته بقوله إن «التمييز ضد المرأة لن تعالجه اتفاقية مثل هذه، لأنه مزروع في ثنايا ثقافية اجتماعية راسخة تاريخيا، ولن يتم التخلي أبدا عن هذه الثقافة بسهولة، حتى لو تم توقيع مليون اتفاقية (سيداو).

لهذا، فإن المشوار طويل باتجاه دفع عملية المساواة بين الرجل والمرأة إلى الأمام، ويمكن اختصاره إذا ما كانت السلطة التنفيذية إصلاحية قولاً وعملاً.

المساواة تتطلب سلطة تنفيذية إصلاحية “سيداو”: جدل حول الاتفاقية طغى عليه رؤى ذكورية
 
30-Apr-2009
 
العدد 74