العدد 74 - بورتريه
 

موفق ملكاوي

تمتلك روح المبادرة والتصميم، وخطواتها تتحدد برغبة داخلية قوية لاستكشاف ما هو مجهول وغامض، ويحتاج إلى مثابرة وطول نفس.

إنها دينا أبو حمدان، التي لم تكن تعلم أن مجرد إعلان على إحدى الفضائيات سوف يقودها إلى عالم الاحتراف في الرقص مع واحدة من أشهر الفرق الفنية وأعرقها: فرقة كاركالا، لينفتح الباب بعدها واسعا أمامها على آفاق كثيرة، خصوصا تلك التي اختبرتها في العاصمة اللبنانية بيروت.

بعد رحلة استمرت زهاء 15 عاما مع كاركالا ،زياد الرحباني ،فيروز ،نضال الأشقر، ومريم نور، حطت أبو حمدان رحالها من جديد في عمان، مديرة لمركز هيا الثقافي، الذي تحاول من خلاله البحث عن الاطفال والشبان الموهوبين وصقل مواهبهم من خلال توفير كل ما يلزم لتنميتها.

الولادة كانت في في مستشفى عاقلة بجبل عمان في العام 1973، ابنة أولى لعائلة تكونت من 4 بنات وصبي، تعود في أصولها إلى منطقة الشوف بلبنان.

بيت الجد يقع في منطقة الدوار الأول، وهو المبنى نفسه الذي يحتله اليوم «بوكس آت كافيه».

أما المدرسة الأولى فكانت راهبات الوردية، حيث تعلمت أولى الأبجديات، وبقيت فيها حتى نهاية المرحلة الإعدادية. وفيها تعرفت كذلك على إدارة الإبداع، حين انضمت طفلة صغيرة إلى مركز هيا الثقافي، حيث اطلعت على فنون رقص الباليه والفلكلور.

وخلال أعوام طويلة، شاركت أبو حمدان في العديد من المسرحيات في المركز، وزارت دولا عديدة منها ألمانيا وتركيا وبلجيكا، كما شاركت في مهرجان جرش لأكثر من دورة، إما بمسرحية، أو من خلال فرقة الدبكة التي قدمت الفلكلور الأردني.

وتؤكد «مركز هيا شكّل بداية تعلقي الحقيقية بالفنون والأداء الحركي».

انتقالها باختيارها إلى المدرسة الأهلية للبنات، كان قراراً مهماً بالنسبة إليها «شعرت بأنني وصلت إلى مرحلة النضج التي أستطيع فيها اتخاذ قرارات خاصة بحياتي».

لا تخفي دينا أن تلك المرحلة شهدت بدايات تشكّل شخصيتها، إذ وفرت لها المدرسة مواصلة استكشاف الإبداع في ميادين مختلفة: الموسيقى، المسرح، الرياضة، وغيرها.

في المدرسة الأهلية اندرجت في أنشطة فنية عديدة، وكانت واحدة من «نجوم مسرح المدرسة»، وقد أحبت هذا العالم كثيرا.

تعترف بدعم أهلها لها، وبتعليمها كيفية استغلال الوقت على الوجه الأمثل.وتتذكر أبو حمدان تلك المرحلة بالخير، وتؤكد أن الرياضة التي كانت تمارسها وقتها، من سباحة وتنس، بنت لديها انضباطا وتصميما كبيرين استفادت منهما في حياتها اللاحقة.

تقول «المسرح حياتي، وأحب أن أشرف على (طبخة المسرح)، وأن أدير تلك الطبخة». وتضيف «لا أعتبر نفسي ممثلة ناجحة، ولم أرغب ولا مرة أن أكون ممثلة.. مكاني الصحيح خلف الممثلين».

بعد الدراسة الثانوية، جاء القرار الأصعب حين ارتأت الرحيل صوب بيروت، ولم تكن تعلم ماذا يخبئ لها القدر في مشوارها ذاك، إلا أنها كانت تؤمن كثيرا بإحساسها الداخلي الذي يطلب منها تلبية النداء.

هناك أنهت السنة التحضيرية في الجامعة الأميركية، لتنتقل بعدها إلى الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)، وتدرس فنون الاتصال في المسرح والتلفزيون.

واظبت على الحضور إلى عمان في كل عطلة أسبوعية، ولكن في إحدى المرات، شاهدت على التلفزيون إعلانا تطلب فيه فرقة كاركالا راقصين جددا من أجل تجارب أداء.اتخذت قرارها سريعا، وعقدت العزم على التقدم للفرقة، وفي اليوم التالي كانت ضمن أكثر من 500 متسابق يتنافسون على 8 بطاقات.

حينها اعتقدت أن تجربة الأداء ستستمر أسبوعاً على أكثر تعديل، لكنها اكتشفت أن الأمر يتطلب وقتا أطول، إذ استمر 4 أشهر، لتفوز أبو حمدان بالاختيار.

العرض الأول الذي شاركت الفرقة فيه كان «حلم ليلة شرق» في ساحل العاج، الذي لطالما شاهدته مع الجمهور في الزمن الماضي، لكن أحلامها حتى الوردية منها، لم تصوّر لها أنها من الممكن أن تؤديه مع كاركالا.

في السفر اكتشفت شخصية أخرى لعبد الحليم كاركالا، فقد كان يعمد إلى الاحتكاك المباشر مع ثقافات الآخرين، ويتورط في تلك الثقافات، ويحاول توريطهم هم أيضا، خصوصا إصراره الدائم على مشاركة الأفارقة رقصاتهم.

مع فرقة كاركالا زارت العالم، وعرضت في أشهر المسارح فيه: لندن، البرازيل، الولايات المتحدة، فرنسا، قرطاج، ودول من جنوب شرق آسيا، إذ لم تترك الفرقة مكانا إلا ونثرت فيه رقصها، وفي تلك السفرات تعاونت الجامعة مع أبو حمدان، وتركت لها حرية السفر مع الفرقة.

لا تنسى وقوفها على (أدراج بعلبك) بعد أعوام طويلة من توقف المهرجان. تقول «كان ذلك يعني لي الكثير، فهذا المسرح وقف عليه قبلي عمالقة: الراقصان مارغو فونتين ونورييف، والرحابنة وفيروز».

أما مشاركتها الأولى كمحترفة في مهرحان جرش، فمثلت «قمة المسؤولية بالنسبة لي. كنت أشعر بعبء كبير، فهناك في وسط الجمهمور أناس يعرفونني وأعرفهم».

لكنها تعتبر الأداء في لندن من أهم التجارب في مشوارها «إنه بمثابة الامتحان. يحضر عديد من النقاد والصحفيون المتخصصون، وكنا ننتظر بلهفة ما سيكتبونه».

تؤكد أن حياة الفرقة في حلّها وترحالها كانت «أشبه بحياة الجيش في المعسكر»، فهناك انضباطية عالية، و«قائمة طويلة من الممنوعات لا يمكن لأحد تجاوزها».

وتؤكد «حتى المرض كان ممنوعا خلال عمل الفرقة».

في العام 2004 وصلت أبو حمدان إلى المرحلة التي أعطت فيها تجارب الأداء للشبان الجدد الراغبين في الانضمام إلى كاركالا.

المرحلة البيروتية لم تنته عند هذا الحد عند النجمة الشابة، إذ سرعان ما وجدت «متورطة في عمل لذيذ مع زياد الرحباني».

عملت أبو حمدان مديرة أستوديو لدى زياد الرحباني مدة ثلاثة أعوام، وكانت في تلك الفترة قريبة من السيدة فيروز، وراقبتها وهي تسجل في أستوديو ابنها، إضافة إلى أنها كانت الوحيدة من خارج العائلة، المسموح لها أن تصور فيروز لغايات الأرشفة الخاصة بالعائلة.

العمل مع زياد «أغناني موسيقيا وفنيا من ناحية الصوت، لأنني تابعت عملية تكوين بعض الألبومات من الخطوة الأولى وحتى النهاية»، مؤكدة أن «زياد عبقري، ومعلم جيد منحني طريقة النظر إلى الأمور من زوايا أخرى».

وفي بيروت أيضا توفر لها العمل مع مريم نور، مخرجة لبرنامجين لها على قناة «تلفزيون الجديد»، وتؤكد أن نور علمتها «كيفية حل المشاكل والتخلص منها».

فترة بيروت عامرة بالإنجازات، فقد عملت مع نضال الأشقر مصممة حركات في عملين مسرحيين؛ «طقوس الإشارات والتحولات» و«ثلاث نسوان طوال»، وتعاونت مع مؤسسة الحريري في إخراج مسرحية للأطفال بعنوان «ماوكلي فتى الأدغال» اشترك فيها 67 طفلا، ومنحتها صحيفة «النهار» اللبنانية صفحة كاملة للحديث عن المسرحية.

عملها اليوم من خلال مركز هيا الثقافي يتحدد بدعم المواهب وتنميتها، فهي ترى أن «الهدف تنمية الطفل من جميع الجوانب»، والتركيز على الفروقات الفردية بين الأطفال، والتمايز بينهم، فالثقافة في منظورها «ليست إكسسوارا، بل جزءا من الحياة والنسيج الاجتماعي».

أبو حمدان لا تلقي منجزاتها الشخصية وراء ظهرها ، بل تحاول الاستفادة من كل ما تعلمته لإدارة مركز زاخر بالأطفال، وحافل بالمواهب التي تدعو الله أن يمكنها من تقديم ما يفيدهم في مسيرتهم.

دينا أبو حمدان: التنمية الثقافية تبدأ بالأطفال
 
30-Apr-2009
 
العدد 74