العدد 74 - أردني | ||||||||||||||
ماجد توبة
يكاد يطغى الحراك الداخلي للإخوان المسلمين، وذراعهم السياسية جبهة العمل الإسلامي، وعلاقتهم بالدولة والمجتمع، على مجمل الحراك في المشهد الحزبي والسياسي المحلي. وتكاد التغطيات الصحافية لأخبار الحركة الإسلامية وخلافاتها وعلاقاتها، تنفرد بواجهة الإعلام والصحافة المحلية، لعوامل موضوعية وذاتية عديدة. هذه «الظاهرة» سياسية أردنية بامتياز، وتتعلق أساساً بتراجع المنافسين، من واجهات حزبية قومية ويسارية علمانية و«وطنية»، شكلت في عقود سابقة من حياة الأردن الحديث، حالة سياسية فاعلة وحققت حضوراً في الأوساط الطلابية والنقابية والبرلمانية والشعبية طغت في حقب الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين على حضور الإسلاميين. يرى حزبي أردني أن التيار اليساري والقومي والديمقراطي، عربياً وأردنياً، يعاني أزمات بنيوية وحالة انكفاء ترسخت منذ نحو عقدين، وتعود جذورها إلى مرحلة ما بعد النكسة العام 1967، وفشل تجارب العديد من الأحزاب القومية واليسارية في الحكم في غير بلد عربي، وكذلك انهيار المنظومة الاشتراكية وجمود الخطاب اليساري القومي، ما أفسح المجال لتقدم الإسلام السياسي كبديل أو كحل مفترض لسؤال التنمية والاستقلال. يسهم التشتت وحالة الانقسام في التيار اليساري والقومي، الأردني والعربي، في تشكيل لوحة فسيفسائية فاقعة تعكس تجذر حالة الضعف والانكفاء اليساري والقومي في الحياة السياسية العربية والأردنية، وبخاصة عقب فشل محاولات توحيد اليسار والقوميين، وسيادة الفردية والشخصنة في قيادة غالبية هذه الأحزاب. تتصدر مشاركة الإسلاميين الانتخابات البلدية والنيابية والنقابية واجهة الاهتمام الإعلامي والسياسي، كما تتصدر حاليا مسألةالخلافات الداخلية في الإخوان والجبهة المشهد السياسي والإعلامي، ما يعكس أهمية التفاعلات الداخلية في بيت الإسلاميين على المشهد العام للحياة السياسية وعلى العلاقة مع الدولة والحكومة. تمور الحركة الإسلامية هذه الأيام بجدل وخلافات داخلية،لم يقلل من أهميتها النفي الرسمي للحركة لبعض التوقعات،بانزلاق خلاف الصقور والحمائم وما بينهما من تصنيفات الى مرحلة الانشقاق والانقسام، استنادا الى تجارب وسوابق تاريخية وصلت فيها الخلافات الى مرحلة «كسر عظم» بين التيارات المتصارعة وخروج مجموعات أو أفراد، كانوا وصلوا الى سدة قيادة الحركة لكنها لم تصل في أي منها الى انشقاق في جسد الجماعة وهيكلها التنظيمي والسياسي. في تفاصيل الخلافات المستعرة داخل الحركة الإسلامية بين ما يصنف الصقور والحمائم والتيار الرابع،تقر مصادر مطلعة في الإخوان بوجود خلافات ووصول الأزمة الداخلية الى «عنق الزجاجة». على أن هذه المصادر ترفض أغلب التسريبات التي وردت في تقرير صحفي نشره موقع إلكتروني محلي قبل أيام، وبعض هذه التفاصيل وتحديداً موضوع تقدم أعضاء المكتب التنفيذي للجبهة باستقالاتهم بناء على طلب من شورى الإخوان، وهو ما نفاه رسمياً لـ «ے» رئيس مجلس شورى الإخوان عبد اللطيف عربيات، وأمين عام حزب الجبهة زكي بني ارشيد. وأعاد الجدل الذي رافق تبني شخصيات قيادية من الحمائم لمبادرة «الملكية الدستورية» في ظل تبرؤ قيادة الجماعة والحزب من تبني المبادرة الخلافات الداخلية بين الصقور والحمائم الى الواجهة،وإحياء الأزمة الداخلية التي رافقت انتخاب أمين عام الحزب زكي بني ارشيد العام 2005، وترسخت (أي هذه الأزمة) في خلال مرحلة التحضير للانتخابات البلدية والنيابية أواخر العام 2007 وتواصلت لأشهر بعدها قبل أن تعود أجنحة الحركة، الى توافقات وتسويات سحبت فتيل الأزمة لعدة أشهر. ورغم نفي بني ارشيد لـ «ے» أن تكون هناك استقالات قدمت من المكتب التنفيذي للجبهة، الذي يتشكل في غالبيته من الحمائم ويتصدرهم نائب الأمين ارحيل غرايبة، فإن مصادر مقربة من تيار الحمائم ترجح تقديم الحمائم للاستقالة من تنفيذي الحزب قريباً، وقبل انعقاد مجلس شورى الحزب المقرر في 30 أيار المقبل ينطلق الحمائم في جنوحهم للاستقالة من تنفيذي الحزب،من مسعاهم الى حل المكتب ودفع الشورى إلى انتخاب قيادة جديدة و«التخلص» من «الخصم اللدود» بني ارشيد، الذي خرج من قصة «المبادرة الملكية الدستورية» الأقوى، حسب تقييمات داخلية. نفي الاستقالات في تنفيذي الحزب أكدها رئيس شورى الإخوان، وهي أعلى الهيئات القيادية في الحركة الإسلامية وصانع سياساتها وقياداتها، عبد اللطيف عربيات لـ «ے». نفى عربيات أن يكون شورى الإخوان طلب من تنفيذي الجبهة الاستقالة، للخروج من الأزمة الداخلية. وقال عربيات «لم نطلب منهم الاستقالة، ولا يجوز لنا نظامياً مثل هذا الطلب منهم، فلهم مؤسستهم ونظامهم الداخلي الذي يحكم هذه الأمور». أقر عربيات بوجود خلافات واختلافات في وجهات النظر داخل الحركة، لكنه أكد أن هذا «أمر موجود دائما ويحل داخل المؤسسة ولا يمكن أن يصل الى انشقاق، والجماعة عصية على الانشقاق، وهذه رغبات من لا يريدون الخير للجماعة». وأيد بني ارشيد عربيات في نفي أن يكون شورى الإخوان، قد طلب استقالة تنفيذي الحزب، قائلاً «ليس من صلاحية شورى الإخوان طلب استقالة أعضاء تنفيذي الحزب ولا تعيينهم، فهذا من صلاحيات شورى الحزب». اعتبر بني ارشيد، رغم تحفظه في الحديث عن الخلافات الداخلية، أن الرهان على انشقاق الحركة الإسلامية «رهان فاشل وأضغاث أحلام، فالمؤسسة الإخوانية ثابتةومستقرة وقادرة على تجاوز أي ازمة قد تبرز». وتشير أوساط داخل الحركة،أن أمام تيار الحمائم سيناريوهين لتصعيد الأزمة مع تيار الصقور للإطاحة ببني ارشيد من قيادة الحزب. الأول هو الاستقالة الجماعية من الحزب التي قد تسبق شورى الحزب، لإحراجه وإحراج شورى الإخوان وانتخاب تنفيذي وأمين عام جديدين للحزب، إلا أن هذا السيناريو لن يضمن عدم عودة بني رشيد الى قيادة الحزب، في ظل دعم أغلبية نسبية له في مجلس شورى الإخوان. ويشار إلى أن شورى الإخوان هو من يحدد شخص الأمين العام للحزب، فيما يترك لشورى الحزب انتخاب واختيار أعضاء تنفيذي الحزب. اما السيناريو الثاني أمام الحمائم،فهو اللجوء الى انسحاب رموزهم من المؤسسات القيادية للحركة: من تنفيذي الإخوان وربما شورى الإخوان ومن تنفيذي الجبهة وشوراها، في محاولة لوضع تيار الصقور والمقربين من حركة حماس، في مواجهة الدولة مباشرة دون غطاء من التيار المعتدل. هذا السيناريو يواجه معيقات من داخل تيار الحمائم ذاته ومن بعض رموزه، الذين وصلوا سابقاً الى توافقات مع الصقور، ولا يرون ان هناك ما يسوغ تفجير الأزمة. وبما يتعلق باستمرار الجدل بين الحمائم والصقور، حول الموقف من مبادرة «الملكية الدستورية» أشارت مصادر مطلعة في الإخوان، أن المكتبين التنفيذيين للجماعة والحزب سيعقدان قريباً اجتماعاً مشتركاً لإصدار موقف لا لبس فيه من المبادرة، ومن المنتظر أن لا يتبنى مجلس شورى الإخوان المبادرة ويتمسك بمبادرة الإخوان «الإصلاحية» المقرة في العام 2005. في هذه الأثناء ترقب القوى السياسية والحزبية ما يجري من موقع المتفرج، رغم أن مدار خلافات الإخوان يدور في بعض جوانبه حول قضايا وطنية وطنية عامة، ما يدلل على المزيد من تراجع هذه القوى. |
|
|||||||||||||