العدد 73 - سينما وتلفزيون | ||||||||||||||
السجل - خاص رغم استناد أعمال درامية كثيرة، في السينما والتلفزيون والإذاعة، إلى نصوص روائية عربية وعالمية، إلا أن الجدل ظل يلقي بظلاله على العلاقة بين الطرفين (الدراما، والرواية)، بخاصة حين ينبري صاحبُ رواية ما، معلناً أن المخرج «تلاعَبَ» في نصه، أو أضاف إليه أو حذف منه، مؤثراً على ثيمته ومضمونه. عملية تحويل الرواية إلى عمل درامي مصور تنطوي على أكثر من مجازفة، ففي الوقت الذي تترك فيه الروايةُ للمرء حرية تخيل الشخصيات مستهدياً بصفات يقدمها الكاتب، يمارس العمل الدرامي، بشكل أو بآخر، سيطرة على هذا الخيال وفقاً للرؤية البصرية للمخرج. هذا ما دفع الناقد السعودي حامد بن عقيل لأن يقول إن التلفزيون «صانع بَلادة من نوع خاص لمدمني التلقي عن طريقه”، لأنه ينوب عنهم في رسم كل شيء، ولهذا لا يمكن أن يزيد من مساحة قدرات المشاهد على التخيل أو التفاعل الإيجابي مع ما يبثه. في السياق نفسه يقول الروائي باولو كويلو: «كل قارئ يبتكر فيلمه الخاص في ذهنه، يجسّد شخصياته، يبنيه مشهداً مشهداً، يسمع الأصوات، يستنشق العطور، ولذلك، كلما ذهبت إلى السينما لمشاهدة فيلم مقتبس عن رواية تروق لي، انصرفتُ خائبَ الأمل». وهو بذلك يشير إلى ما يمكن أن يعتري النص الروائي من تشوهات عندما يتحول إلى عمل درامي. إذا كانت الرواية تمتلك خصائص تستبطن الواقع وتحاكي المتلقي، وإذا ما تمكنت الدراما من القبض على الخيوط الحساسة التي يلتئم السرد بها، يمكن عندئذٍ وصول العمل الدرامي إلى المتلقي كما وصلت الرواية من قبل. وهو الأمر الذي لم يحدث مثلاً لفيلم «شيفرة دافنشي» المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه. حققت الرواية التي كتبها دان براون مبيعات عالية، وطُبع منها أكثر من 50 طبعة، وتُرجمت إلى زهاء أربعين لغة، إلاّ أن الفيلم المأخوذ عنها (إخراج رون هاويرد)كان محبطاً لمشاهديه لأسباب تعلقت بحذف بعض المشاهد، وسوء أداء الممثلين، وضعف الرؤية الإخراجية، باتفاق نقاد سينمائيين. هذا ما حدث أيضاً لـ«عمارة يعقوبيان». فالرواية التي كتبها علاء الأسواني، حققت نجاحاً كبيراً فور صدورها، لكن الفيلم الذي استند إليها من إخراج مروان حامد، والذي شارك في بطولته أبرز الفنانين المصريين، شكّل إحباطاً للجمهور، بخاصة أولئك الذين عايشوا أجواء النص الورقي، حيث جرى اختزال كثير من المشاهد وتفاصيل حياة الشخصيات التي تعكس تنوعها وثراءها، فبدا الفيلم باهت المعالم ومشتت الرؤية، وكذلك الحال بالنسبة للمسلسل الذي حمل الاسم نفسه أيضاً، والذي أخرجه أحمد صقر. وعندما حُولت رائعة ميلان كونديرا «خفّة الكائن التي لا تُحتمل» إلى فيلم سينمائي، خبا ذلك التوهج الذي توافرت عليه الرواية، بعد أن عمد المخرج فيليب كاوفمان إلى تقديم الشخصيات بطريقة مشتتة وفجائية لا تربط النتيجة بالسبب، ولا تمنح الشخصية فرصة النمو بأفكارها وهواجسها وعلاقاتها بشكل طبيعي. وهو ما دفع كونديرا إلى التصريح غير مرة أنه لن يوافق مطلقاً على تحويل أيٍّ من رواياته الأخرى إلى عمل درامي. من جهة أخرى، هناك روايات شكّلت الأعمالُ الدرامية المأخوذة عنها، إضافة عليها، وحققت شهرةً أكثر من تلك التي حظيت بها تلك الروايات. مثال ذلك رواية «أبو شلاخ البرمائي» للكاتب السعودي غازي القصيبي التي لم تنل حظها من الشهرة إلاّ بعد تحويلها إلى عمل تلفزيوني. كما حققت أعمال درامية نجاحاً يوازي النجاح المتحقق من الأصل الروائي لها، من مثل أعمال الروائي الراحل الأكثر إنتاجاً للدراما العربية نجيب محفوظ، التي نالت بنسختيها الورقية والدرامية السينمائية والتلفزيونية والإذاعية، نجاحاً كبيراً، فقرأ المتلقي العربي وشاهد بالمتعة نفسها: «الثلاثية»، «ثرثرة فوق النيل»، «الكرنك»، «زقاق المدق»، و«الحرافيش».. وكان محفوظ شارك في إعداد سيناريوهات بعض أعماله الروائية، مراعياً اختلاف بعض التفاصيل بين النسختين، لكن بما لا يخلّ بالنص الأصلي، بوعي يأخذ في الحسبان حساسية التلقي البصري وارتباطه بظروف تصوير العمل وشخصيات الممثلين ومهنية المخرج والقائمين على التصوير. يُذكر في هذا السياق أن جمهور السينما عندما شاهد أفلاماً مأخوذة عن روايات مثل: «غادة الكاميليا»، «هاملت»، «د.زيفاجو»، و«الحرب والسلام»، بدأوا البحث عن الأصول الروائية لها، ما زاد مبيعاتها أضعافاً، كذلك حققت سلسلة «هاري بوتر» أرقام مبيعات خيالية بعد تحويلها إلى سلسلة أفلام سينمائية. السيناريست المصري بلال فضل الذي كتب سيناريو عن رواية «نقطة النور» للروائي بهاء طاهر، يرى أنه لا بد أن يكون هناك اختلاف بين الرواية والعمل الدرامي المأخوذ عنها، لافتاً إلى أن بعض السيناريستات يرون أن لغة السرد، وتداخل الأزمنة، وفكرة الراوي ستكون مغايرة لما ينتظر الناس مشاهدته في الفيلم، وهو ما قد ينفّرهم منه. يشار هنا إلى ما قام به داوود عبد السيد كاتب ومخرج فيلم «الكيت كات» الذي يعدّ من روائع السينما المصرية، والمستوحى من رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان، حيث ركز داوود على الشخصيات وليس على الأحداث، لأن السرد الروائي لم يكن غزيراً، فنسج من وحي شخصية بطل أصلان أحداثاً من إبداعه الخاص، بما يؤكد دور السيناريست في هضم الرواية وإعادة إنتاجها. |
|
|||||||||||||