العدد 73 - كتاب
 

فور الانتهاء من جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء 14نيسان/إبريل التقى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال مندوبي الصحافة، ونقل إليهم بشرى قرار مجلس الوزراء باعتماد خطة اقتصادية تتضمن محاور عدّة، أبرزها تعزيز البيئة الاستثمارية في البلاد، ومنح دور أكبر للقطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصادي، وزيادة الطلب المحلي.. ومراجعة آلية تخصيص الموارد المالية للدولة لضبط الإنفاق العام.

واستطرد الوزير قائلاً إن الخطة المقررة تهدف أيضاً إلى مراجعة وتعديل «مجموعة من القوانين الاقتصادية، ومن أهمها قوانين تشجيع الاستثمار، والضريبة والبترول والمعادن والسياحة والإسكان والملكية العقارية والتأمين والعمل والمناطق التنموية»، بما يساعد في رأيه في تحقيق أهداف الخطة، بوصف الإجراءات والقوانين المزمع تنفيذها تشكل «حزمة اقتصادية متكاملة» لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، ويكفل مواجهة التحديات القائمة التي تتطلب معالجة شمولية ضمن إطار كلي بدلاً من التعامل مع جزئيات لا تجدي.

وأوضح الوزير أن «مشروع قانون الضريبة الموحد الجديد»، سيشمل في طيّاته قوانين ضريبة الدخل، وضريبة المبيعات، ونقل المُلكية مع إلغاء الضرائب الإضافية والخاصة الأخرى، وسينص القانون الموحد على إجراء تخفيضات ملموسة على نسب ضريبة الدخل العالية، وتقليص عدد الشرائح بهدف تخفيض العبء الضريبي (لمن؟) وتحسين الإدارة الضريبية، وتبسيط إجراءاتها، وأن يرافق ذلك مراجعة للعديد من «بنود التعرفة الجمركية».

ولم ينس الوزير التذكير أن الحكومة ستعرض هذه الحزمة الواسعة من التعديلات والتغييرات في القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي على مجلس الأمة في «دورته الاستثنائية القادمة» في أيار/مايو المقبل.

للأسف، فإنّ قراءة موضوعية، ومقاربة تحليلية لما أورده الوزير عن القرار الحكومي بمجمل فقراته، لا تصل بنا إلى الاستنتاج بأنه «خطة اقتصادية» فعلية متكاملة قادرة على مواجهة الأزمات أو «التحديات»، ولا حتى «ورقة عمل» أو «خريطة طريق»، بخاصة في أبرز المحاور المقترحة فيها للمواجهة والمعالجة الفعّالة للأزمة وآفاق الخروج من عنق زجاجتها الضيِّق.

فلا جديد في تأكيد القرار الحكومي على محورية الالتزام بـ«تعزيز البيئة الاستثمارية في المملكة»، فهذا شعار لم تتخلف أي حكومة أو فريق اقتصادي ومسؤول ومُنَظِّر عن رفعه مراراً وتكراراً ولفظياً لتجنب العتب، فيما تعزيز البيئة الاستثمارية من البديهيات الأساسية التي لا تحتاج إلى استمرار التأكيد اللفظي عليها.

أيضاً لا جديد في التأكيد الحكومة مرة أخرى على «منح دور أكبر للقطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصادي»، فمثل هذه المقولة والتعهد بها تكرر في عشرات البيانات والتصريحات الحكومية كما من قبل رجال الأعمال في السابق، وهي ليست مقولة إيجابية أو صحيحة بالمطلق وفي كل الأحوال والشروط، وبخاصة إذا ترتب عليها اختلال خطر في التوازن بين القطاعين، وليس خطة اقتصادية جديدة، أو جزءاً منها القول بالعمل على «زيادة الطلب المحلي» و«مراجعة آلية تخفيض الموارد المالية لضبط الإنفاق العام» إذ إن ذلك مقولات وأساسيات في الإدارة المالية، وفي إعداد مشاريع الموازنة العامة ومتابعة تنفيذها وتقييمها، وإجراء أي تعديلات أو تصويبات لاحقة عليها بما يضبط الإنفاق العام مع إمكانيات الإيرادات المتوافرة أو المتغيّرة.

لكن أخطر ما تضمنه القرار الحكومي الموصوف بـ«الخطة الاقتصادية» يتصل بنية الحكومة إجراء تعديلات أو تنفيذ تغييرات لمعظم القوانين المالية والاستثمارية والاقتصادية، كما كشف الوزير، وإذ تعدّها الحكومة «حزمة اقتصادية متكاملة» لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، فإنّ قراءات أخرى معمقة لها تقيّمها بأنها ستكون «مجزرة تشريعية يائسة وسيئة»، من شأنها زيادة وتعميق الاختلالات والتشوهات ليس في المجال الاقتصادي فقط، بل وأيضاً في البعدين الاجتماعي والسياسي، وكما يلاحظ هذا بوضوح في توجه الحكومة لوضع مشروع لـ«قانون الضريبة الموحد الجديد»، الذي يتضمن مقترحات باعتماد «تخفيضات واسعة على نسب ضريبة الدخل العالية»، والتخفيض من عدد الشرائح، والتصفية التدريجية لمبدأ «تصاعدية الضريبة الدستوري» مقابل استمرار تفضيل ضريبة المبيعات، فيما تتطلب المواجهة للأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، إجراءات وقرارات ضريبية معاكسة للتوجهات الحكومية في مشروعها الضريبي الموحد، والذي لم تلجأ إلى مثيله معظم، إن لم يكن كل الأقطار الرأسمالية في مواجهة الأزمة المماثلة.

إلى جانب المخاطر الاقتصادية والاجتماعية الكامنة في مضمون التعديلات والتغييرات التشريعية المقترحة، فإنّ مخاطر موازية أو أشد منها تكمن في التوجه إلى عرضها جميعاً على مجلس الأمة في دورة استثنائية قصيرة، فيما يحتاج إجراء أي تعديل في قوانين محورية كهذه، إلى مناقشات موسعة، وإلى قراءات أولى وثانية وثالثة، وخلال فترات زمنية طويلة، وبأوسع مشاركة من القوى والأحزاب وممثلي الفعّاليات الاقتصادية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، للوصول إلى قواسم مشتركة متوازنة متفق عليها في مواجهة ومعالجة أعمق أزمة مالية واقتصادية واجتماعية متشعبة محلياً وعلى الساحة الدولية.

أحمد النمري: ليست بخطة اقتصادية
 
23-Apr-2009
 
العدد 73