العدد 73 - اقتصادي
 

محمد علاونة

بعد أن أدت دورا أساسيا في تغيرات أسعار الأسهم والعملات والنفط، اتخذت المضاربة أشكالا جديدة لتطال أسعار السلع، مثل الحديد والخضراوات.

مدير شركة وساطة في بورصة عمّان أسعد الديسي، يعرّف المضاربة بأنها «توظيف الأموال في المكان الذي يدرّ أعلى دخل ممكن»، ويضيف: «لكن في حال خروجها عن تبادل المنافع، ودخولها في دائرة الرابح الأوحد، وجعل البقية خاسرين، فإنها تصبح مضاربة سلبية».

لكن رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان زهير العمري، يكشف عن شكل آخر من المضاربة يحدث في سوق العقار، يتمثل في إخفاء كميات من الحديد وتخزينها لغايات تقليل الكميات المطروحة في الأسواق، وبالتالي رفع الأسعار.

العمري يؤكد حدوث ذلك مع ارتفاع سعر الحديد بأكثر من مئة دينار خلال عشرة أيام، عندما سجل سعر 380 دينارا للطن في 10 نيسان/أبريل ليرتفع إلى 480 ديناراً سجله في 19 نيسان/أبريل.

في ظل التباطؤ الذي تعيشه قطاعات اقتصادية مثل العقار والتجارة، يلجأ رجال أعمال إلى ممارسات تخلّ بقوانين المنافسة والاحتكار، ما يغذّي المضاربة على سلعة ما، بحسب نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق. يقول: «ينتج عن ذلك زيادة في الأسعار على قيمتها الحقيقية، وهو ما يُعرف في علم الاقتصاد بـ: الفقاعة».

البيانات الصادرة عن دائرة الأراضي والمساحة تفيد أن هنالك تراجعا ملحوظا في حجم نشاط العقار الذي هبط إلى 940 مليون دينار في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ1.39 بليون دينار للفترة نفسها من العام الفائت، أي بنسبة انخفاض وصلت إلى 32 في المئة.

يؤكد الحاج توفيق أن النشاط التجاري في الأسواق انخفض بأكثر من 30 في المئة في الفترة المذكورة، ما دفع «فئة محدودة»، بحسب تعبيره، لاتباع أساليب لتنشيط أعمالها، من بينها «المضاربة المفتعلة» في تداولات سلع وخدمات.

الديسي يرى أن للمضاربة وجهَين: سلبي وإيجابي، بخاصة في تعاملات الأسهم، ويقول إن «المضاربة الصحيحة تأتي بمعلومات إلى السوق، وعندما يعتبر أحد المستثمرين أن سعر السهم قليل جداً ثم يقوم بالشراء، فإنه بذلك يدفع السعر إلى أعلى نحو أقرب نقطة من قيمته الحقيقية». ‏

ويضيف: «المضاربة تختلف عن الاستغلال، لأنها تأخذ بالسعر إلى المكان الذي يجب أن يكون عليه، على عكس المضارب الاستغلالي الذي يأخذ بالسعر بعيداً عن مكانه ويتسبب بالأضرار للآخرين».

الاحتكار من خلال التخزين لغايات رفع الأسعار، كثيراً ما حدث في أسواق النفط العالمية، وهو ما بينه تقرير صدر أخيرا عن مؤسسة «ميريلينش» العالمية أكد أن ارتفاع الأسعار لا يعود إلى آلية قوى السوق (العرض والطلب)، مع وصول العقود الآجلة للبترول خلال خمس سنوات لنحو 848 مليون برميل، وتخزين 1.1 مليار برميل من خلال أسواق العقود الآجلة، أي ثمانية أضعاف مخزون احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي منذ العام 2003. فقد زاد مثلاً مخزون شركة غولدمان ساكس للبترول بنسبة 25 في المئة خلال عام ونصف العام، مع تحقيق أرباح قياسية.

العروض الآجلة في الأسواق العالمية تعدّ مساحة مرنة في المضاربة، كون المستثمرين يستطيعون من خلالها الشراء والقيام بعمليات التخزين.

الحالة السابقة تشبه ما يحدث حاليا في أسواق الأسهم والعقار، بحسب الديسي والعمري.

في بدايات التسعينات صدرت تشريعات تتماشى مع التغيرات التي حدثت في الأسواق العالمية وانعكست على المحلية، ما استوجب تعديلات في قوانين وزارة الصناعة والتجارة وتعليماتها، تحارب الاحتكار، وتمنع تخزين المواد وإخفاءها.

من أبرز تلك التعديلات البند (أ) من المادة الخامسة في قانون المنافسة، الذي ينص على: «يحظر تحت طائلة المسؤولية، أي ممارسات أو تحالفات أو اتفاقيات، صريحة أو ضمنية، تشكل إخلالا بالمنافسة أو الحد منها أو منعها وبخاصة ما يكون موضوعها أو الهدف منها ما يلي: تحديد أسعار السلع أو بدل الخدمات أو شروط البيع وما في حكم ذلك؛ تحديد كميات إنتاج السلع أو أداء الخدمات؛ تقاسم الأسواق على أساس المناطق الجغرافية أو كميات المبيعات أو المشتريات أو العملاء أو على أساس آخر يؤثر سلبا على المنافسة».

ما حدث في سوق الحديد يكشف بوضوح عن إخلال في المنافسة، وربما يكون هنالك اتفاق ضمني على رفع السعر، بحسب العمري، الذي يقول: «مصانع الحديد المحلية رفعت أسعارها دون مبررات، بعد زيادة الطلب من قبل العاملين في قطاع العقار والمواطنين، وأسعارنا في السوق المحلية أعلى من بعض دول الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات».

لكن غرفة صناعة الأردن قالت في بيان صحفي الاثنين 20 نيسان/أبريل، إن ارتفاع أسعار مادة حديد التسليح في السوق المحلية خلال الأيام الماضية، ناتج عن ارتفاع أسعار المواد الخام عالمياً، التي تشكل 80 في المئة من كلف تصنيعه.

وأكدت الغرفة على لسان رئيسها حاتم الحلواني، عدم وجود أي اتفاق ضمني بين مصانع الحديد المحلية على وضع سعر محدد بينها، مضيفةً أنه ليس هناك ما يخالف مبدأ المنافسة ويخلّ بمعادلة السوق.

الحلواني أكد أن الغرفة تحرّت أسعار الحديد في أسواق الدول المجاورة، حيث وجدت أن سعر الطن الواحد تراوح بين 570 إلى 610 دولارات، بانخفاض لا يتجاوز ثلاثين دولاراً عن سعره محليا.

الحاج توفيق يوجه الأنظار إلى أن المضاربة اتخذت أشكالا أخرى في قطاع الزراعة، مثل استخدام الإشاعة، يقول: «قبل أيام تناولت الصحف على لسان أحد المزارعين وجود آفة زراعية أضرت بمحصول البندورة، ما رفع سعر الكيلو في السوق إلى 1.2 دينار من نصف دينار خلال يومين»، ويضيف: «إذا كانت ادعاءات المزارع صحيحة، فليس مبررا ارتفاع الأسعار قبل أن يتأثر المحصول ككل».

بخصوص المخاوف من اشتداد المضاربة على السلع الأساسية في ظل ارتفاع المعروض النقدي، وهو ما أعلنه البنك المركزي أخيرا، أوضح الحاج توفيق أن «العلاقة بين الأمرين ليست وثيقة تماما، وأن المضاربة على السلع بأنواعها المختلفة مرتبطة بحجم المعروض من هذه السلع، فإن نقص ازدادت المضاربة عليها، والعكس صحيح».

تلاعبت بأسعار الحديد والأسهم والسلع المضاربة يغذّيها الاحتكار والإخلال بالمنافسة
 
23-Apr-2009
 
العدد 73