العدد 73 - الملف
 

ابراهيم قبيلات

بعد أن نطق القاضي بالحكم على سجين سياسي، عاد السجين إلى زنزانته فسأله الرفاق عن المدة التي حكم بها عليه القاضي، فرفع يديه بأصابعهما المنفردة وقال: بريزة، أي عشر سنوات.

وفي سياق مختلف تماما، التقى أحد متعاطي المخدرات بمروج لها، وطلب منه «بريزة»، فما كان منه إلا أن أخرج قطعة بعشرة دنانير وباعها له، فـ«البريزة» التي طلبها متعاطي المخدرات هي قطعة بعشرة دنانير؛ «البريزة» هنا غير «البريزة» هناك.

مثل كل الأنشطة التي تتم في السر، تتكون لهذا النشاط، على مر السنين، لغته الخاصة ومفرداته وتعابيره، وتجارة المخدرات ليست استثناء، حيث يتم ترويج المخدرات وتعاطيها عبر لغة خاصة ومفردات أكثر خصوصية لغرابتها وفرادتها التي نجمت عن سريتها.

في هذه اللغة التي يثريها التوسع في المتاجرة بالمخدرات وتعاطيها، تزدهر التسميات والتعابير المستخدمة بين التجار أو المتعاطين، وهي تسميات يأخذ بعضها قيمته من المادة التي صنع منها المخدر، أو من قيمتها، وربما من حجمها، ف«الفولة» هي أصغر ما يمكن بيعه أو شراؤه من مادة الحشيش المخدرة، وهي سهلة التسويق بسبب سعرها المنخفض وصغر حجمها، والذي يتأثر ارتفاعاً وهبوطاً بحسب العرض والطلب في السوق.

«القطعة» أكبر من الفولة كما يشير اسمها، وهي تشترك معها في تحقيق المزاج «الكيف»، وغالبا ما تباع بخمسة دنانير، أي أن سعرها معقول في هذا الغلاء الفاحش.

«البريزة» و«الشلن»، لم تأخذ اسمها من حجمها، كما هو الحال مع الفولة والقطعة، بل من السعر الذي تباع به قطعة الحشيش، فالبريزة هي تلك القطعة التي تباع بعشرة دنانير، والشلن تباع بخمسة دنانير. أما «الإصبع» فقد أخذ هذه التسمية من شكله الذي يشبه إصبع اليد، وهو أكثر تأثيراً من الفولة وأغلى منها سعراً، فقد يصل سعر إصبع الحشيش الثلاثين ديناراً. وهنالك «الكبريتة» التي غالباً ما تكون بحجم علبة الكبريت، إلا أنها تختلف عن علبة الكبريت من حيث الاستخدام، وكذلك من حيث السعر، فكبريتة الكيف يصل سعرها خمسين ديناراً.

القطع التي يزيد حجمها على حجم «الكبريتة»، تأخذ أسماء مختلفة، لكنها تشترك في أنها تأخذ هذه الأسماء من حجمها، فهنالك «ربع الكف» التي يفترض أنها تساوي ربع الكف من حيث الحجم، وهنالك «نصف الكف»، وهنالك «الكف». ومن الطبيعي أن تكون أسعارها متناسبة مع حجمها، فربع الكف لا يتجاوز سعرها المائتي دينار، والنصف مابين 500 و 600، أما الكف فيغلق سعره في أحايين كثيرة على ألف دينار.

القطعة الأعلى سعرا هي «البلاطة» أو «التربة»، التي أخذت تسميتها من حجم «البلاطة» وشكلها، فهي بطول 20 سم وعرض 15 سم، ويراوح سعرها بين 1400 و1500 دينار.

الكيف طبقات

لا يستوي المدمنون سوى في أنهم جميعا متعاطون للمخدرات، بعد ذلك يختلفون كثيرا، فالمتعاطون ليسوا طبقة واحدة بل طبقات. ولأنهم كذلك، فإن المخدر الذي يتعاطاه المدمن، يتناسب مع إمكاناته المالية، وعادة ما تحدد الميزانيات المتوافرة في جيوب المدمنين نوع المخدر الذي يتعاطونه، وكلما ازداد المتعاطي “ملاءة”، كلما زاد سعر المخدر الذي يتعاطاه، وكلما عانت ميزانيته من عجز، كلما انخفضت مرتبة المخدر الذي يتعاطاه.

ينتشر إدمان “الحشيش” وحبوب الهلوسة “الكبتاغون” في أوساط أصحاب الدخل المحدود، وذلك لرخص ثمنها، وسرعة الحصول عليها، في حين ينتشي الميسورون من طلاب الجامعات وأبناء الطبقة المتوسطة بحبوب “البانغو”، إلى جانب أجود أنواع “الحشيش”. أما المترفون من أبناء الطبقات الميسورة، فإنهم يفضلون مخدرات مرتفعة الثمن “الهيروين” و”الكوكائين” بالإضافة إلى حبوب «الأكستازي». ومن المفارقات أنه كلما ارتفع سعر المخدر كلما كان أكثر فتكا.

العصابة: تنظيم هرمي رأسه “العرّاب” وقاعدته “السرّيحة”

تماما، كما نشاهد في الأفلام السينمائية التي تتحدث عن عصابات المافيا في نيويورك أو إيطاليا، تسير الأمور في الأردن، ففي الأردن هناك عصابات أيضا. وإن كان صحيحاً أنها ليست على مستوى النفوذ والقوة المالية والسياسية التي تتمتع بها العصابات في دول كبرى، فإن من الصحيح أيضا أنها تستفيد من تجربة تلك العصابات الشهيرة، وبخاصة في ما يتعلق بالتركيبة التنظيمية للعصابة.

والعصابة في الأردن، مثلما هي في غير مكان، هي مجموعة من الأفراد تعمل ضمن «خلية» واحدة، ولا يمكن لأي منهم تجاوز النظام المعروف، وإن لم يكن مكتوبا، وإن حدث، فقد تكون عقوبته في هذه الحالة الموت قتلا، ففي سحاب مثلاً انتهت 7 محاولات للخروج على النظام الصارم بالقتل، كما يؤكد محام طلب عدم نشر اسمه.

العصابة بناء هرمي الشكل، عادة ما يحمل رأسه ألقابا عدة، بعضهم يسميه «العراب»، آخرون يسمونه «البوص» وهنالك من يطلق عليه لقب «الزعيم»؛ إنه صاحب رأس المال، وهو لا يتعامل بشكل مباشر مع أي طرف آخر في العصابة حرصاً منه على عدم انكشاف هويته؛ ولهذا، عادة ما يكون من الصعب الوصول إليه.

يلي الزعيم في التراتب الهرمي «الفداوي»، وهو واجهة العراب، وقد حمل اسمه هذا لأنه على استعداد لأن «يفدي» العراب بحياته، فهو المخول بالتواصل بشكل مباشر معه، وهو الذي يتلقى تعليماته منه، وهو الذي يضع الترتيب الدقيق لعمليات النقل ودفع ثمن البضاعة، وهو معرض دائما للوقوع في أيدي رجال مكافحة المخدرات؛ نتيجة تواصله الدائم مع الزبائن والتجار والمتعاطين.

« النقيل» هو الثالث من حيث التراتبية الهرمية، وهو لا يتبع العصابة، لذا فإنه لا يتمتع بحماية أفرادها. تقتصر مهمة النقيل على نقل البضاعة من مكان إلى آخر، بحسب تعليمات الفداوي. ويتفاوت عدد «النقيلة» في العصابة الواحدة بحسب حجم العصابة وحجم تجارتها، وكذلك بحسب طبيعة العمل الذي يعتمد في العادة على العرض والطلب. أما «السكة»، الذي يلي النقيل، فيشترك مع الأول في أنه ليس فردا من أفراد العصابة، فكل منهما قد يعمل مع أكثر من عصابة، وتقتصر مهمته على تسليك البضاعة ومراقبة الحدود لتسهيل عبورها. «الموزعون» أو «الشغيلة» هم من يتعاملون مع البضاعة مباشرة ، ولا يوجد بينهم وبين العراب أي اتصال، فهم يأخذون التعليمات من الفداوي.

قاعدة الهرم هم «السريحة»، الذين تنحصر مهمتهم في تسليم البضاعة للمتعاطين بحسب توجيهات الموزع، لذا فإن المسؤولية عن أعمالهم تقع على عاتق الموزع، ومن المحظور عليهم، تجاوز الموزع بالحديث مع الفداوي. وإمكانية وقوع هؤلاء في أيدي رجال الأمن كبيرة، وكثيرا ما يحدث ذلك، لكن ما يعرفه هؤلاء عن العصابة ونشاطها لا يشكل في العادة تهديدا لها، أما أكثر ما يمكن أن يصيب العصابة، فهو القبض على الفداوي الذي يعرف كل شيء.

“مكيّفون” و“مكيّفات”

«يا بَيْ مَحْلى الباص بكندشن، وأنا شو سويت كندشن؟» ليس من السهل فهم المعنى الذي تشير إليه هذه الكلمات الغريبة على أذن المستمع العادي، ولكنها بالنسبة لمتعاطي المخدرات والحشيش كلمات مفهومة، بل و«مهضومة»، فهي كلمات أغنية انتشرت في الفترة الأخيرة بين متعاطي المخدرات، وقد وضعت كلماتها بحيث تعكس الحالات المتعددة التي تأخذهم إليها المخدرات؛ من حالات التجلي القصوى و«كندشة الرأس» إلى حالات القبض عليهم وسوقهم إلى الاعتقال أو السجن في «باص» ينقصه الكندشن «المكيف» صيفا، وتنقصه التدفئة شتاء، أي أنه من دون كندشن صيفا وبكندشن شتاء. تماما مثل الزنزانة التي يقبع فيها متعاطو الحشيش.

الأغنية التي انتشرت أخيرا في أوساط متعاطي المخدرات، تسمع على وقع موسيقى صاخبة كأنها وضعت لتوقظ الحشاش العائش في عالم آخر غير عالمنا وإعادته إلى عالم الواقع مهما كان مرا، أما مفرداتها فهي عادة ما تستخدم في الأغاني الرومانسية: الليل والنجوم وبزوغ الفجر، ولكنها تغنى هنا في سياق آخر هو سياق الرحلة إلى السجن، و بدل أن تكون الحبيبة في الانتظار، يكون هناك رجل الأمن الذي يقود المتعاطي إلى السجن.

«حبسة ولمسة وصحوة ع الخمسة وعدد نجوم الليل»، هكذا تبدأ الأغنية، في إشارة إلى الرحلة إلى السجن الذي يمثل عالم الحقيقة بعد أن عاش المتعاطي في عالم الخيال الذي توقظه منه «لمسة»، إنها ليست الحبيبة، بل لمسة رجل الأمن الذي جاء ليقبض على المتهم ويضع القيود في يديه ويسوقه إلى السجن، وفي السجن يبدأ روتين الحياة الجديدة حيث اليقظة في الساعة الخامسة من صباح كل يوم، أما «عدد نجوم الليل»، فهي إشارة إلى العد اليومي الذي يخضع له المساجين.

العالم السري للمخدرات أرخصها “الفولة” وأكبرها “البلاطة”
 
23-Apr-2009
 
العدد 73