العدد 73 - الملف | ||||||||||||||
دلال سلامة ما هو القاسم المشترك بين جمال، الذي خرج من المطعم الذي يعمل فيه وأغلق الباب بالمفتاح على الزبائن، وحسن الذي شغّل سيارته، ثم وضع ابنته ذات الثلاثة أعوام خلف المقود، وقال لها «سوقي يا بابا»، وعماد الذي شعر بالضيق، فتوجه إلى صديقته وكسر أسنانها؟
جميعهم مدمنو مخدرات، قاموا بأفعالهم وهم «فاقدون للسيطرة على أنفسهم»، وجميعهم يحاولون التذكر، ولكن كل ما يستعيدونه هو، على حد قولهم «مشاهد ضبابية». جمال مثلا (21 عاما)، يحاول أن يتذكر حادثة إغلاق المطعم على الزبائن «ليست هذه الحادثة فقط هي التي تحضرني، فهنالك حوادث أخرى، وأتساءل إن كانت حدثت حقيقة، أو أنها كانت حلما، أو أنني أتخيل فقط، لقد اختلط لدي الواقع بالحلم بالخيال». جمال تعرف على المخدرات قبل سنتين من خلال صديق له، وكان يدخن الحشيش مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع، ولكنه في الأشهر الأخيرة فقد السيطرة: «كنت أعود من عملي في الخامسة مساء، وأدخن حتى الساعة التاسعة، ثم أخرج لأسهر، وأعود الساعة الواحدة فجرا، لتبدأ جولة ثانية من التدخين، تنتهي في الرابعة أو الخامسة». كانت أسرة جمال تعتمد بشكل أساسي على راتبه البالغ 280 ديناراً، ولكنه بدأ ينفق 100 دينار على الحشيش شهريا، ثم فقد عمله «لم أعد أستطيع فتح المحل في الموعد، ولم أعد أستطيع التعامل مع الزبائن أو الإشراف على العمال، فقد كنت مسطولا طوال الوقت». ندم جمال هو ما جعله يتقدم من تلقاء نفسه للعلاج، حيث التحق قبل أسبوعين بمركز علاج المدمنين. حسن (40 عاما)، متزوج وله طفلان، كان يقيم في سورية، حيث عمل سائق سيارة، أدمن الهيروين قبل ستة أشهر، انقلبت بعدها حياته رأسا على عقب، فقد انخفض دخله بمقدار النصف، يعد أن كلف آخرين العمل على سيارته، وبدأ يسحب من مدخراته التي لم يبق منها خلال ستة أشهر سوى 10 في المئة، حسب روايته. كانت زوجته تخافه، لهذا لم تكن تواجهه، ولكن من دقّ ناقوس الخطر كان أخته التي ذهبت إليه في زيارة وشاهدت تغير أحواله، فبالإضافة إلى حادثة دعوة ابنته لأن تقود السيارة، لاحظت أن الرجل الذي كان يزن مئة كيلو غرام تقريبا، نزل وزنه إلى ستين كيلو، كما أنه كان يبقى مستيقظا ثلاثة أيام أحيانا، وفي أحيان أخرى ينام ليومين متواصلين «عادت أختي إلى الأردن، وأبلغت عائلتي، فجاء أخوتي وأقنعوني بالقدوم إلى مركز معالجة المدمنين فجئت». حسن قضى في المركز 30 يوما، حيث تخلص جسده من السم، ومن المتوقع له أن يخرج خلال أيام، وهو يخطط كما يقول للاستقرار في الأردن، وفتح معمل للطوب. عماد (24 عاما)، ينتمي إلى عائلة ميسورة، استطاع في سن مبكرة أن يؤسس لنفسه عملا تجاريا ناجحا، بحيث أن دخله وصل إلى 1400 دينار، وهو بالإضافة إلى ذلك كان رياضيا، ويتمتع بلياقة بدنية عالية. بدأ التعاطي قبل أربع سنوات عندما دعاه أحد أصدقائه إلى سهرة، وكان متعبا وقتها، فاعتذر، هنا ناوله صديقه حبة دواء، وقال له إنها ستبقيه مستيقظا «لم أكن أعرف أن هذه الحبة كانت عقار الكبتاغون، ولم تكن لدي فكرة عن خطورتها، كل ما كنت أعرفه هو أنني استعدت نشاطي فعلا، وصرت أطلبها من صديقي كلما أردت السهر». لكنه بدأ يتعاطى الكبتاغون بشكل يومي، وكان أحيانا يتناول كميات تبقيه مستيقظا أسبوعا كاملا. عندما كان يذهب مفعول المخدر، كانت تنتابه حالات شديدة من الضيق، يشعر معها أنه يريد أن يحطم كل الذين أمامه: «كنت حريصا على ألا أخرب علاقتي بعائلتي، لهذا كنت في هذه الحالات أغادر المنزل مباشرة، ومرة ذهبت إلى صديقة لي ودون سبب ضربتها وكسرت لها سنين». عماد رفض التحدث عن صديقته التي كانت ضحية غير مباشرة لإدمانه. لم يعد دخل عماد يكفيه، لأن الحبوب كانت تكلفه 1600 دينار شهريا، فبدأ بأخذ دفعات مقدما من التجار الذين يتعامل معهم. خلال هذه السنوات الأربع، انهار عمله، وفقد لياقته. عماد جاء إلى مركز علاج المدمنين قبل ستة أيام، «لا أحد يعرف أنني هنا سوى أبي وأمي، وأكثر ما يؤرقني هو أن يعرف الناس، لأن ذلك سيدمر سمعة عائلتي». جابر (31 سنة)، بدأ كالآخرين، عندما قبل دعوة صديق له «قبل ثلاث سنوات» ليجرب الماريغوانا. بعدها بدأت رحلته مع التعاطي التي استمرت عامين، حيث انهارت حياته بالكامل، فقد انقطعت علاقته بعائلته تماما، لأنه لم يعد يرجع إلى المنزل إلا للنوم، وانقطعت علاقته بأصدقائه، لأنه لم يعد يجيب إلا على مكالمات أصدقائه الذين يتعاطون المخدر معه. جابر الذي كان يعمل في وظيفة حكومية، ولا يتعدى راتبه 400 دينار؛ كان يدفع 10 دنانير يوميا كلفة المخدر، وهو على حد قوله لم يتمكن خلال هاتين السنتين من شراء قطعة ملابس واحدة، كما أنه بدأ يعاني من أزمة في عمله «ضعفت ذاكرتي كثيرا، وفقدت قدرتي على التركيز، وكنت في حالة قلق وتوتر دائمين». رغم كل الانهيارات، لم يحاول جابر الكف عن التعاطي، إلى أن قبض عليه قبل سنة، بعد أن أبلغ عنه وعن أصدقائه التاجر الذي كان يبيعهم المخدرات، بعد أن قبض عليه هو أيضا. حكم عليه بالسجن شهرين، وهو كما يقول لم يقرب المخدرات منذ سجنه، ولكن طريقة الناس في التعامل معه تجعله في أحيان كثيرة على شفا الانتكاسة «فقدت وظيفتي، والناس يتعاملون معي كموصوم، حتى أقاربي يتحاشونني». جابر، كما يقول، أمضى ثلاثة أشهر بعد خروجه من السجن يعيش في الخلاء «هناك جبل قريب من بيت أهلي، أخذت فراشي ومستلزماتي وذهبت لأقيم هناك وحدي». ورغم أن وضعه الآن أفضل، بعد أن حصل على وظيفة في شركة خاصة تغاضى صاحبها عن ماضيه، فإنه ما زال يشعر بأن ماضيه هذا ما زال عقبة أمامه «أنا مثلا أفكر بالزواج، ولكنني متأكد من أن أحدا محترما لن يقبل بتزويجي ابنته».
الآثار المدمرة للمخدرات «لا تفتك المخدرات بمتعاطيها فقط»، هذا ما يقوله ريكان الدليمي، استشاري الطب النفسي. فإن كان معروفا أن المخدرات تسبب تسارعا في ضربات القلب وارتفاعا في ضغط الدم، وتؤدي إلى الإصابة بقرحة المعدة، واضطرابات القولون، وتسبب القلق والتوتر والاكتئاب، وفي حالات معينة يمكن لها أن تقود إلى الذهان، حيث يعاني المدمن من هلوسات سمعية وبصرية، فإن ما يتم التغاضي عنه أحيانا، هو أنها آفة تقوض الحياة الاجتماعية للمدمن، فتدمر علاقاته بمحيطه، وقد تدمر أفراد هذا المحيط أنفسهم. الدليمي يعمل في مجال معالجة الإدمان منذ أربعين سنة، وقد عايش خلال هذه السنين قصصا مأساوية رهيبة، من بينها قصة رجل رهن ابنته المراهقة لدى تاجر مخدرات مقابل جرعة واحدة، على أن يعود ليستلم الفتاة، عندما يأتي بالثمن، وقصة عن طفل في الثانية عشرة من عمره أدمن الهيروين، لأن والده كان يستغل صغر سنه وعدم وجود أي شبهات تحيط به، فكان يرسله لجلب المخدر من التاجر، والنتيجة أنه انتهى إلى الاجتماع مع والده في جلسات التعاطي نفسها. وأخيرا، وليس آخرا، قصة رجل استدرج زوجته إلى الإدمان، فقط ليتخلص من إزعاجها له ومطالباتها المتكررة له بترك المخدرات، فوقع الاثنان في دائرة الإدمان. أصعب مراحل العلاج، هي مرحلة الانسحاب، وهي المرحلة التي يتخلص فيها الجسم من السم، ويعاني فيها المدمن من أعراض نفسية وجسدية، مثل القلق والتوتر، والإسهال والقيء والصداع والتشنجات. بحسب الدليمي، فإن حدة الأعراض ونوعها يرتبطان بطبيعة المدمن، وبنوع المادة التي يتعاطاها: «أنواع مثل الحشيش والماريغوانا تخلف آثارا نفسية أكثر منها جسدية، أما الهيروين فإن آثاره النفسية والجسدية متعادلة»، يقول الدليمي، ولمساعدة المريض على تجاوز هذه المرحلة، فإنه يعطى أدوية معينة تخفف من أعراض الانسحاب، دون أن تكون هي نفسها مسببة للإدمان. |
|
|||||||||||||