العدد 73 - الملف | ||||||||||||||
محمد علاونة تنتمي تجارة المخدرات إلى ما يُعرف بـ«الاقتصاد الخفي»، الذي يتضمن عناصر كثيرة ربما كان أهمها التهريب، فتجارة المخدرات تعني تهريب المخدرات. وكان نائب رئيس الوزراء السابق محمد الحلايقة قدّر حجم الاقتصاد الخفي بـنحو 25 في المئة من الناتج الحلي الإجمالي بالأسعار الجارية والبالغ 14 بليون دينار. هذا النوع من الاقتصاد تصعب مراقبته أو التأثير في مجرياته، ما يجعله حافزا للفساد المالي والإداري في الدولة، حيث لا ضرائب، أو التزامات قانونية في الصفقات الخفية، وعلى مستوى آخر، فإن ذلك يسهم في زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة. ترويج المخدرات وبيعها وتعاطيها يستنزف كثيرا من الجهد الذي تبذله الدولة في مكافحته، وكثيرا من المال الذي يهدر على الشراء والتعاطي. مهندس في شركة كبرى طلب عدم نشر اسمه، يشير إلى أنه ينفق على مادة الحشيش أكثر من 10 دنانير يوميا بتعاطيه ثلاث سجائر. المهندس الذي طلب عدم نشر اسمه يقول: «أنا لا أعتبره فعلا خارجا عن القانون، لكنه يستنزف نحو 30 في المئة من دخلي الشهري». مدير دائرة مكافحة المخدرات طايل المجالي، يقدر سعر الكيلو من الحشيش في السوق بنحو 1200 دينار، في حين أن سعر الغرام من مادة الهيروين يصل 70 دينارا. المهندس لا يعلم أن ضبطه يدخن سيجارة واحدة من تلك المادة يمكن أن يفقده عمله، حيث إن القوانين المعمول بها في البلاد تجيز حجزه لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، وبالتالي يمكن أن يفقد عمله، وينضم إلى قائمة المتعطلين عن العمل، بحسب المجالي: «معظم الذين يتعاطون المخدرات ليسوا متعطلين عن العمل، لكن الوصول إلى مرحلة الإدمان يؤدي بكثير منهم إلى فقد أعمالهم». ويؤدي تعاطي المخدرات إلى إنفاق جزء كبير من الدخل العام، للأسرة والفرد، على المخدرات المطلوبة؛ وهو ما يمثل استقطاعا من الدخل المتاح للإنفاق على السلع والخدمات المشروعة المنتجة، من الاقتصاد القومي. علاج الإدمان يكلف الدولة الملايين من الدنانير فهو مجاني، بحسب المجالي، الذي يستذكر أن كلفة علاج أحد المدمنين الذي رغب في التعافي في أحد المستشفيات في الخارج، تجاوزت 250 ألف دينار، وهو مبلغ باهظ بكل المقاييس، كما أنه يحمل إشارة إلى الحجم الإجمالي لكلفة العلاج التي تتحملها الدولة. مدير مركز معالجة وتوقيف المدمنين عماد الشواورة، يشير إلى كلف إضافية للعلاج مثل الكلفة الأمنية؛ مراقبة كوادر العمل التي تشرف على العلاج، ومتابعتها. جانب آخر من جوانب تأثير التعامل بالمخدرات هو الإضرار بسوق العمل، عندما يكون المتعاطون، تحت السن القانونية للعمل؛ لذا، فإن تعاطي المخدرات يؤدي إلى نقص في أعداد الداخلين إلى سوق العمل. الأرقام الصادرة عن دائرة مكافحة المخدرات تفيد بأن هنالك زيادة في أعداد الطلاب الجامعيين الذين يتعاطون المخدرات، ويقدر عدد الطلبة الذين يتعاطون المخدرات في العام الماضي نحو 229 طالبا أردنيا، و112 طالبا من غير الأردنيين. وتشمل دائرة الخسائر أيضا خسارة غير منظورة، فقيمة الكميات التي تتلفها دائرة مكافحة المخدرات سنويا تعكس الهدر الكبير للأموال، التي قدرها المجالي بنحو40 مليون دينار. ومن الخسائر غير المنظورة أيضا خسارة استثمارات وقروض ومساعدات كان يمكن أن تصل بلدا ما، ولكنها حجبت لأن البلد المعني حقق سمعة دولية بأنه مرتع لتجارة المخدرات. ومن نافل القول إن انتشار مثل هذه السمعة قد يحرمه من القروض والمساعدات التي ربما يكون في أمسّ الحاجة إليها، تماما كما أن وصف دولة من الدول بأنها تستخدم لعمليات غسل الأموال، قد يحرمها كثيرا من الاستثمارات الأجنبية التي عادة ما تحظى بها الدول التي تتمتع بالاستقرار، السياسي والاقتصادي والمالي. الأردن سارع إلى إقرار قانون لمكافحة جرائم غسل الأموال العام 2005 استجابة لدعوات أميركية بتجفيف منابع الإرهاب، وذلك من خلال قوانين أبرزها ذلك القانون الذي وضع بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
المخدرات وغسيل الأموال
يُعَدّ الاتجار في المخدرات، من أهم الأسباب الدافعة إلى عمليات غسل الأموال؛ إذ يلجأ المتجرون بها، وبغيرها من أنواع التجارة غير المشروعة، إلى إخفاء حجم الدخل المتأتي منها، أو إخفاء مصدره غير المشروع، فيعمدون إلى التمويه على ذلك عبر الإيهام بأن الدخل مشروع. ومن المؤكد أنه يترتب على هذه العمليات العديد من الآثار السلبية، التي تنعكس على الاقتصاد القومي وتوقعه في كثير من المشاكل الإدارية والمالية. برنامج الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، يعرّف غسل الأموال بأنه «عملية يلجأ إليها من يتعاطى الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة، لإخفاء وجود دخل، أو لإخفاء مصدره غير المشروع، ثم يعمد إلى تمويه ذلك الدخل، ليبدو وكأنه دخل مشروع». تجارة المخدرات، تُعَدّ مصدراً من أهم مصادر الأموال غير المشروعة، التي تحتاج إلى تمويه وغسل، حتى تأخذ صورة المال المشروع. وتشير بعض التقديرات إلى أن تجارة المخدرات، قد ارتفعت بما يزيد على ستة أضعاف خلال الفترة بين عامَي 1973 و1990. معدلات أرباح التجارة، في هذا المجال، تصل إلى 98 في المئة؛ إذ قدرت قوة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال FATF، الأرباح المتحققة من مبيعات المخدرات من الهيروين والكوكايين العام 1989، بنحو بليون دولار في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا؛ مشيرة إلى أن ما يزيد على 70 في المئة من هذه المبالغ، تمر بمرحلة غسل وتبييض. وقدرت الأمم المتحدة، وقوة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال، حجم الأموال التي تغسل سنوياً، بما يراوح بين 300 و500 بليون دولار أميركي، على مستوى الدول الصناعية فقط. وبإضافة ما يغسل من أموال، في باقي دول العالم، تتضح ضخامة الآثار الاقتصادية السالبة المترتبة على الاتجار في المخدرات، وما يعقبها من غسل للأموال غير المشروعة.
قانون مكافحة غسيل الأموال في شهر آذار/مارس 2005 بدأ مجلس النواب مناقشة مشروع “قانون مكافحة غسيل الأموال لسنة 2005” الذي كانت الحكومة قد أحالته “بصفة مستعجلةً” إلى المجلس، وذلك فور إقراره من جانب مجلس الوزراء في مطلع الشهر نفسه. وفي العام 2007 أقرت الحكومة قانونا لمكافحة جرائم غسل الأموال بعد أن ألغى جميع النصوص المتعلقة بالإرهاب وتمويله على اعتبار انها متضمنة في قوانين أخرى منها قانون مكافحة الإرهاب. وأخيرا وخلال العام 2008 أصدر البنك المركزي للبنوك تعليمات مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقالت الحكومة في معرض تبريرها إصدار مشروع القانون إن مشكلة غسيل الأموال “أصبحت تؤرق المجتمع الدولي خصوصا في مجالات الإرهاب والمخدرات”، مشيرة إلى أن مضي أكثر من خمس سنوات على العمل بقانون المصارف رقم 28 لسنة 2000. وكان أول إعلان عن مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال قد تم في شهر شباط/فبراير 2005، على لسان وزير المالية محمد أبو حمور الذي قال في أثناء زيارة قام بها ستيوارت ليفي وكيل وزارة الخزانة الأميركية إلى الأردن. وقال أبو حمور في حينه إن الحكومة تعكف على وضع قانون لمكافحة غسيل الأموال. وعرف القانون المال غير مشروع بأنه “ذاك الذي أتى من جرائم أبرزها الاتجار بالمخدرات، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر، والإرهاب خلافا لأحكام قانون العقوبات، والجرائم المرتكبة خلافا لأحكام قانون الجرائم الاقتصادية، وأي جرائم أخرى ينص القانون الخاص بها على اعتبارها محلا لغسيل الأموال، وكذلك الجرائم التي تنص اتفاقيات دولية تكون المملكة طرفا فيها على اعتبارها محلا لغسيل الأموال، وأي فعل جرمي يكون محلا لغسيل الأموال بمقتضى التشريعات النافذة في المملكة”. |
|
|||||||||||||