العدد 73 - أردني
 

عطاف الروضان

شهدت الفترة الأخيرة، عودة جدل بدأ منتصف العام 2008، حول حق وزارة التربية والتعليم في منع المراكز الثقافية من تدريس مناهج «التربية».

المنحازون لوجود المراكز يستندون إلى الشكوى مما يصفونه «تراجع العملية التربوية في مدارس الحكومة، نتيجة اكتظاظ الصفوف المدرسية أو عدم كفاءتها، وضعف مستوى أداء الكوادر التعليمية لغياب التأهيل والتدريب المنهجي».

الحكومة استندت في قرارها الصادر في نيسان/أبريل 2008، إلى تفسير الديوان الخاص بتفسير القوانين، للمـادة 64 مـن قانـون التربيـة والتعليـم، والمادتين 8 و13 من نظام المراكز الثقافية، وجاء فيه أنه «ليس للمراكز الثقافية تدريــس الكتب المدرسية والمناهج المقررة»، بعد أن تبين من نصوص القانون أن «المركز الثقافي» يتولى تدريب المعرفة والمهارات التي لا تدخل في اختصاص المدرسة، وأن تدريس المناهج والكتب المدرسية المقررة يدخل في اختصاص المدرسة كما هو مبين في تعريف كلمة «المدرسة».

ميس (معلمة في إربد)، تنقلت بحكم عملها بين أكثر من محافظة، تقر بأن «بعض المراكز ربحية ولا تضيف الكثير للطلبة»، لكنها تستغرب لجوءَ التربية لهذا القرار، وتتساءل: ألا يرى القائمون على العملية التربوية في الأردن أن «التدريس خربان».

تتابع ميس: «في المدارس لا يحصل الطالب تقريباً على المعلومات، لأن المعلم غير قادر على التعليم بشكل حقيقي؛ المناهج فيها حشو هائل للمعلومات، يرزح المعلم تحت أعباء إدارية، وعمل كتابي كبير، والفضل يعود لخطط التطوير للتعليم، التي قامت بها وزارة التربية في الأعوام الأخيرة».

تتفق معها «سلسبيل» (معلمة في المفرق)، التي ترى أنه ليس هناك تأهيل حقيقي للمعلم للنهوض بمستواه كي يسد النقص لدى الطالب، وتصف الدورات التي تعقدها التربية للمعلمين بـ«الأكذوبة»، لأنها بحسب وصفها «شكلية»، ولا يعطي المدرب فيها للمعلم معلومات حقيقية لإيصال المعلومات وتكثيفها للطلبة، وتضيف: «كلها نظريات وكلام جاهز».

ميس وسلسبيل تتفقان على ضعف الحوافز المادية والمعنوية، لتشجيع المعلم على تحسين أدائه، ناهيك عن تراجع نوعية الطلبة في ظل «ملهيات»، مثل الإنترنت والفضائيات، ووسائل الترفيه.

في حين ترى لجنة المراكز الثقافية التي تضم 12 مركزاً، ويترأسها خالد العويمر، أن هذا القرار ضد مصلحة شريحة الموظفين والفقراء التي تخدمها المراكز، وتطالب عبر لجنة التربية والثقافة النيابية، بتأجيل تطبيق قانون المراكز الثقافية الذي صدر بتاريخ 16/4/2008 متضمناً منع المراكز من تدريس مناهج «التربية».

بحسب العويمر، يزيد عدد المراكز الثقافية على 500 مركز، منها 270 مركزاً في العاصمة فقط.

لجنة المراكز تعرض معادلة، توافقها فيها لجنة التربية النيابية، ربما ترضي الطرفين، بحسب العويمر، وهي «تعديل القانون ليسمح بتدريس دروس التقوية المبنية على المنهاج المدرسي لطلبة الثانوية العامة فقط، على أن تشدد وزارة التربية الرقابة على المراكز الثقافية المخالفة للنظام، وعقد ورش عمل للمراكز الثقافية لتطويرها وتحسين أدائها».

مجلس النواب كان حسم هذا الجدل عندما تراجع عن موقفه بإبقاء حق المراكز بإعطاء دروس التقوية للطلبة، ونزل عند رغبة مجلس الأعيان الذي أصر على تنفيذ توجه الوزارة بالمنع، أثناء النظر بمشروع القانون نهاية العام الماضي، قبل إقراره.

لجنة التربية والثقافة النيابية تحمل حالياً هذا الملف، متعاطفةً مع حق المراكز القائمة في «المساهمة بالعملية التربوية»، كما يرى رئيس اللجنة النائب محمد الشرعة، الذي أكد أنه سيتم إيصال وجهة نظرها إلى مجلس الوزراء، في محاولة للضغط باتجاه تعديل القانون.

الشرعة يأمل بأن يُدرَج الموضوع على جدول أعمال الدورة العادية المقبلة. وهو يشدد على «ضرورة العمل بشراكة ما بين الحكومة وتلك المراكز، التي ساهمت غالبيتها بشكل نوعي، بتعويض الطلبة عن التراجع الحاصل في العملية التربوية».

يرى الشرعة أنه «يجب أن يكون هناك ضبط للعملية، ولهذه الشراكة، بعد أن غاب عن المدارس تطوير أساليب التدريس وتأهيل المعلمين».

هذه القناعة وصلت إليها لجنة التربية بعد لقاءات عدة مع الوزارة، ولجنة المراكز الثقافية، التي يوضح رئيسها أن عمل المراكز يقتصر على إعطاء دروس تقوية خاصة للتوجيهي في مواد رئيسية: «الإنجليزي، الرياضيات، الفيزياء، والكيمياء».

هذا التوضيح جاء بعد تأكيدات أمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون التعليمية والفنية فواز جرادات، لوكالة بترا، أن المنع «لا ينسحب على حق هذه المراكز في أن تتولى التدريب على أي نوع من المهارات والمعارف غير المبنية على المناهج والكتب المدرسية، بحيث يكون التدريب على شكل دورات قصيرة لا تتجاوز مدتها سنة واحدة ولا تمنح بموجبها شهادة مدرسية».

الكاتب الصحفي باتر وردم، كتبَ في مدونته بعد إقرار هذا التوجّه العام الماضي، وتنبأ أن «يتجه المعلمون إلى الدروس الخصوصية والسوق السوداء بدلاً من المراكز المنظمة، وهذا ما يمنح ميزة إضافية لمدرسي المدارس الخصوصية أصحاب السمعة الذائعة في الأوساط الطالبية، وكذلك يمنحهم القدرة على فرض الأسعار التي يريدونها»، مما يؤدي إلى «تقليص فرصة الطلبة من الفئات المتوسطة والفقيرة في منافسة أقرانهم من الأثرياء في مجال الدروس الخصوصية».

وتجد أم خالد نفسها في وضع «لا تُحسد عليه» كما تقول، فأبناؤها الخمسة في مراحل التعليم الإعدادي والثانوي، ومستواهم الدراسي ضعيف جداً، ولا تستطيع تحمل العبء المادي الذي تتطلبه المدارس الخاصة لرفع مستواهم.

تقول أم خالد التي يقدّر دخل أسرتها بـ 500 دينار: «أن أدفع لمركز يعني أن يستفيد ابني منه. المراكز حلّت مشكلة الأولاد».

كانت وزارة التربية أصدرت نظاماً بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، منحت بموجبه مهلة ستة شهور للمراكز الثقافية تنتهي في نهاية أيار/مايو المقبل، لتصويب أوضاعها مع بنود النظام وتعليماته، لتبدأ الوزارة بعد انقضاء المدة المحددة بتطبيق أحكام النظام والتعليمات الصادرة عنه، من خلال مراجعة السجلات والوثائق المتعلقة بالمراكز، وتنظيم زيارات إشرافية لها.

بعد قرار منعها من تدريس المناهج المراكز الثقافية تستنجد بالنواب لـ“إنصافها”
 
23-Apr-2009
 
العدد 73