العدد 10 - حتى باب الدار | ||||||||||||||
طيلة العقود الأولى من عمر الأردن الحديث لم يكن في البلد قطاع عام يذكر، وقد احتاجت السلطات الأولى لأن تخوض معارك مع الناس كي تفرض وجود القطاع العام. لم يكن الأردنيون يسألون الحكومات الأولى أو يحملونها مسؤولية شؤون حياتهم، وحتى المدارس كان الناس يقيمونها ذاتياً وينفقون عليها من مالهم ومن نتاج محاصيلهم، ولغاية الخمسينات كان يتعين على التلميذ في كثير من القرى، أن يحضر معه كرسيه الى المدرسة التي كان الأهالي يتبرعون بغرفها الصفية وبأجور المعلم فيها. لم يكن وارداً في بال الأردنيين أن الحكومات مسؤولة عن شيء من هذا، وحتى الأحزاب السياسية المعارضة، ورغم قسوة الصراع وشدته أحياناً مع السلطات، فإن ما يعرف اليوم بالقضايا المطلبية لم يكن ضمن «المقرر الحزبي»، فلم يكونوا يطالبون الحكومة بالوظائف أو توفير السلع أو مقاومة الفقر. بمقابل ذلك كان مندوبو الحكومة يواجَهون بالصد الاجتماعي والاقتصادي، فلم يكن «التحصلدار» وهو ممثل الحكومة الأكثر شهرة مرحباً به، وقاوم الناس في بعض المواقع إنشاء بلديات أو مؤسسات في مناطقهم ورفضوا تسجيل أسمائهم للانتخابات، أي أن أول قواعد المعلومات «الداتابيس» لم يتم تشكيها بسهولة. وأمضى الناس حياتهم إما كفلاحين يزرعون أرضهم، أو كبدو يرعون حلالهم وينفقون منها على أنفسهم بعيداً عن الحكومة أو الدولة كما كانوا وما زالوا يفضلون تسميتها. دخلت الحكومات عنوة الى حياة الناس وسرعان ما تحول الأمر الى صراع على المركز الاجتماعي والمالي بين وظيفة الحكومة وبين العمل الخاص، وانتصرت الوظيفة الحكومية وغَنّت النساء على الموظف.. «حلفت ما بوخذ غير الاستازي». وربما هذا هو ما دفع الحاج عوض الزعبي من الرمثا الى نبش محتويات بعض مخدات النوم من الصوف خلسة عن أمه وأبيه وبيعها عام 1949، لكي يحصل على القروش التي ستوصله الى عمان كي يقدم طلباً للوظيفة. بعد هذه العقود من سعي الحكومة لتزيين العمل في قطاعها العام وللدفاع عن دورها في حياة الناس تسعى اليوم لكي تقول للناس، إن العمل بها مجرد بيروقراطية وإتكالية وأن عليهم العودة الى القطاع الخاص. طيب يا أخي ألم نكن قطاعا خاصاً.. وساكتين؟!. |
|
|||||||||||||