العدد 73 - بورتريه | ||||||||||||||
موفق ملكاوي لا يقرأ القارىء عن الأردن ومراحل تطوره، إلا ويبرز اسمها ضمن الأوائل الذين عبّدوا طريقاً لمن أتى من بعدهم، وأضافوا إلى الحياة السياسية والاجتماعية أبعاداً جديدة لم تكن قائمة من قبل. إنها إنعام المفتي؛ أول من حملت لقب معالي من النساء الأردنيات، واستطاعت من خلال أدائها، في أول حكومة تدخلها امرأة، لفت الانتباه إلى أن المرأة الأردنية يمكنها القيام بمهام،غير تلك الأعمال التقليدية التي حاولت النظرة الشرقية حصر وظيفتها بها. نجاحات المفتي متعددة الجوانب، ويمكن وضعها جميعها في خانة تسجيل النقاط لمصلحة الحركة النسائية. وهي التي حاولت في جميع المواقع التي تسلمتها، أن تطرح قضية المرأة، في محاولة منها لرفع الغبن التاريخي الذي تعرضت له. يتبدى بوضوح حين دخلت إلى مجلس الأعيان العام 2003، وضغطت من أجل سَنّ تشريعات جديدة تضع المرأة الأردنية في مكانها اللائق. ولدت إنعام قدورة المفتي العام 1929 في بلدة صفد شمالي فلسطين المحتلة العام 1948. ونشأت وترعرعت في مدينة الناصرة في كنف أسرة ميسورة الحال. أبوها كان قاضياً شرعياً ومفتياً وزعيماً محلياً، أما الأم، فقد يسرت لها الظروف أن تنال بعض التعليم، فخطت المفتي في التعليم، وفي الناصرة وعكا لهج لسانها بأول الحروف التعليمية، قبل أن تنتقل إلى مرحلة أخرى من المعرفة في دار المعلمات بالقدس. وعيها بأهمية العلم للفتاة العربية تشكل في مرحلة مبكرة من حياتها الزاخرة. تتذكر الأمر بوضوح كبير، ولا تغيب تفاصيله عن ذهنها، وربما كان ذلك هو ما حدا بها أن تكون إحدى اللواتي عملن جاهدات في سبيل رفعة شأن المرأة. تعود القصة إلى العام 1933، حين فازت أختها الكبيرة بالمقعد الوحيد المخصص لمدينة الناصرة للالتحاق بدار المعلمات في القدس، وواجهت العائلة ضغطاً من الأقارب الذين وجهوا لوماً شديداً للأب، ضاغطين عليه لتغيير قراره، إلا أن تدخل الأم بحزم، ومساندة الأب، جعل الأخت تتوجه إلى القدس لتلقي العلم. الحادثة تركت أثراً كبيراً في نفس المفتي، وحفرت في أعماقها الوعي بأهمية تعليم الفتيات، وبأنه عن طريق التربية والتعليم تتحقق انطلاقة المرآة كي تكون شريكة حقيقية للرجل في التنمية الشاملة لأسرتها وأمتها. في العام 1950، اقترنت المفتي بابن عمتها الضابط في الجيش العربي عدنان المفتي، الذي التحق بعدها بدورة عسكرية في بريطانيا، فرافقته إلى هناك، واستثمرت الوقت لتخرج بتخصص في رياض الأطفال، وعقب عودتها إلى البلاد افتتحت أول روضة للأطفال في الأردن. تنقلات زوجها من بلد إلى آخر، أفادتها كثيرا، فعندما تم تعيينه ملحقاً عسكرياً في السفارة الأردنية بالقاهرة، استغلت الفرصة المتاحة، والتحقت بالجامعة الأميركية هناك، لتنال بكالوريوس في التربية وعلم النفس. حتى ذلك الحين لم تكن المفتي دخلت العمل العام. العام 1956 حمل إليها اندراجاً بعمل ما زالت تتذكره حتى اليوم: دخلت الإذاعة الأردنية،، وقدمت برامج ركزت من خلالها على المرأة، ملقية الضوء على حقوقها، ومناصرة لقضاياها المختلفة. وتتالت بعدئذ ميادين عملها: موجهةٌ تربوية في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، مديرة لدار المعلمات في نابلس، مؤسسة لمعهد الطيرة في رام الله لتدريب المعلمات، ومديرة له منذ مطلع الستينيات، ومديرة لمعهد ناعور لتكون بذلك أول سيدة أردنية تدير معهدا مختلطاً. العام 1977 حمل الانطلاق نحو العمل الرسمي، حين أختيرت مسؤولة دائرة المرأة في وزارة العمل، ثم عضواً في المجلس الوطني الاستشاري بعدها بعام. إلا أن العام التالي كان هو الأهم في مسيرتها، عندما سجلت اسمها لتكون أول وزيرة أردنية في تاريخ المملكة، حين اختارها رئيس الوزاء الأسبق الشريف عبدالحميد شرف، وزيرة للتنمية الاجتماعية في حكومته التي تم تشكيلها في 19 كانون الأول/ديسمبر العام 1979. تقول المفتي إن الشريف عبدالحميد شرف، كان يؤمن إيماناً كاملاً بأن التنمية الاقتصادية تتلازم مع تنمية اجتماعية سليمة، تربط الإنسان بأرضه ووطنه وتساعد في بناء اتجاهاته السليمة، وتوفر العدالة الاجتماعية التي تُؤمِّن للإنسان الحياة الكريمة. وصولها إلى منصب وزيرة جاء بعدما لفتت انتباه شرف إلى اهتماماتها بقضايا التنمية الاجتماعية وأهميتها في تحقيق الأمن الاجتماعي. وتوضح أن وصولها للمنصب هو اعتراف لاستحقاق المرأة بتولي المناصب العليا. لم ينته عملها في وزارة التنمية الاجتماعية برحيل الشريف عبدالحميد شرف، إذ واصلت عملها في الوزارة مع حكومتين لاحقتين: حكومة قاسم الريماوي، وحكومة مضر بدران. وخلال عملها في الوزارة سجلت نجاحاً كبيراً بإنشاء صندوق المعونة الوطنية لمساعدة الشريحة الأكثر فقراً في البلاد. فلسفتها في هذا الأمر تنطلق من التركيز على التنمية الإنسانية بشكل شمولي؛ اقتصادياً واجتماعياً، وتمكين المواطنين من تطوير قدراتهم للاعتماد على الذات، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم ومجتمعاتهم المحلية. في العام 1984 غادرت المنصب، لتشغل منصب سفيرة في وزارة الخارجية، ثم لتنتقل سريعاً إلى موقع مستشارة للملكة نور. في تلك الفترة حققت إنجازاً جديداً يضاف إلى سجل إنجازاتها، حين أطلقت مؤسسة نور الحسين. المؤسسة التي أنشئت العام 1985 بإرادة ملكية سامية لتكون رديفاً للجهد الحكومي التنموي، عملت على تحسين نوعية حياة الأردنيين عن طريق تلبية حاجاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وإيجاد نماذج تنموية إبداعية، إضافة إلى وضع معايير للتميز. تعمل مؤسسة نور الحسين في خمسة مجالات رئيسية، هي: التنمية المتكاملة للمجتمع، وصحة الطفل والأسرة، المرأة والمشاريع الصغيرة، الثقافة والفنون، وتمويل المشروعات الصغيرة. ميادين العمل والإبداع والإنجاز تنوعت خلال رحلتها الطويلة مع العمل العام، فالمفتي إحدى مؤسسات الاتحاد النسائي، وعضو نادي صاحبات الأعمال والمهن، وهيئة العمل الوطني للطفولة، إضافة إلى عضويتها في عدد من مجالس أمناء الجامعات، كما مثلت الأردن في اللجنة الدولية للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو». ذاكرتها مليئة بالأسماء والأحداث والتواريخ، وهي تتذكر بسعادة بأنها في الوقت الذي كانت تعمل فيه مدرسة في دمشق، تزاملت مع معلمين اثنين صارا من أبرز قادة التيار القومي العربي: ميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار. المفتي، الحائزة على وسام الاستقلال، حين تعود بذاكرتها إلى الوراء تتذكر الأزمنة الصعبة التي مرت بها المرأة، والنضال الذي قادته عديدات من أجل تغيير الأمر الواقع.. عندها تبتسم، وتحمد الله لأنها عاشت إلى الوقت الذي رأت فيه المرأة تحقق اختراقات مهمة في جميع المجالات. ابتعادها الآن عن الأضواء، تعتبره استراحة المحارب، فهي عبّدت الطريق لمن أتى من بعدها، لجيل جديد يمتلك مشكلات مختلفة بعض الشيء، عن تلك التي واجهتها المفتي مع جيلها، وعليه أن يناضل لتخطيها. أما التقدير على إنجازاتها فهي لا تنكره، إلا أنها تؤكد أن عملها الدؤوب خلال مشوار حياتها، لم يهدف لانتزاع التقدير أو المديح من أي جهة. |
|
|||||||||||||