العدد 73 - أردني
 

سعد حتر

ينتظر الأردن وسائر العرب خطوات أميركية فعّالة، بآلية تنفيذ تنتظمها محطات قياس زمنية على الطريق، وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، طبقاً لما طرحه الملك عبد الله الثاني على باراك أوباما، كأولوية وطنية أردنية ومصلحة قومية أميركية، بحسب ما يعلن مسؤولون في كلا البلدين.

مسؤول أردني سابق يؤكد أن الملك عبد الله الثاني، شدّد خلال أول لقاء له مع أوباما على أهمية “عامل الوقت”، وفي البال “محاولات إسرائيل المتسارعة لتغيير المعالم الطبوغرافية والديمغرافية في الضفة الغربية، وقلبها القدس الشرقية المحتلة”.

“سبق أن استمع الأردن، الفلسطينيون وسائر العرب، إلى عشرات الوعود الفضفاضة الصادرة عن الإدارة الجمهورية السابقة. لكن في المحصلة طارت تلك الإدارة وتبخّرت المبادرات” بعد ثمانية أعوام من الدوران في حلقة مفرغة، على ما يشرح المسؤول الذي لم يرغب الكشف عن هويته.

خلال فترة ولايتيه، رعى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش منتصف 2003 “خريطة طريق” تتضمن شروطاً والتزامات متقابلة بين الفلسطينيين وإسرائيل، التي وضعت 14 تحفظاً على تلك الخريطة الأممية. في أواخر العام 2007 استضافت أنابوليس الأميركية مؤتمراً دولياً آخر بهدف دفع إسرائيل والفلسطينيين صوب طريق المفاوضات.

اليوم، يشرح المصدر نفسه، “يريد الملك الدخول مباشرة في آليات تنفيذ السلام، بدل الدوران في محور عملية لا نهاية لها”. وانتزع الملك إشادة معلنة من أوباما بالمبادرة العربية، التي وصفها بأنها “بداية بنّاءة”.

الإدارة الأميركية السابقة احتفت بـ”المبادرة” لفظياً، لكنها لم تفعل شيئاً لحمل تل أبيب على الالتزام بها.

ردّ حكومة نتنياهو لم يتأخر. إذ وصف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان مقترحات السلام العربية بأنها “وصفة لتدمير إسرائيل”، في تناقض مع تصريحات وزير الدفاع إيهود باراك الإيجابية نسبياً حيال المبادرة العربية. كان ليبرمان رفض اتكاء المفاوضات مع الفلسطينيين على اتفاق أنابوليس، الذي رعته أميركا على أراضيها. في المقابل، يتحدث رئيس الوزراء نتنياهو عن إحياء مبادرات سابقة مثل «خريطة الطريق».

هذه «الدربكة» تتعمق داخل إسرائيل، بينما تتجه علاقاتها مع أميركا صوب التأزم.

وزير أردني أسبق ينبه إلى خطورة محاولات إسرائيل اجتزاء خطط السلام، أو الانطلاق من مبادرة السلام العربية، بديلاً عن قرارات الأمم المتحدة، التي تدعو إلى انسحابها من الأراضي العربية المحتلة العام 1967.

«مبادرة السلام المرتكزة على مقايضة الأراضي المحتلة بتطبيع شامل مع 57 دولة عربية وإسلامية، يجب أن تتوّج عملية تفاوضية تؤدي إلى انسحاب إسرائيلي شامل»، بحسب الوزير الأسبق، الذي لم يشأ الإفصاح عن هويته.

على أن مسؤولاً آخر يؤكد احتواء المبادرة على مرجعيات إحلال السلام كافة، بما فيها خريطة الطريق وقرارات مجلس الأمن.

أوباما لدى استقباله الملك بدا حذراً في تصريحاته، بخلاف تصريحات مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، الذي أكد أن تسوية القضية الفلسطينية «مصلحة قومية أميركية». مع ذلك تبدو مقاربة الإدارة الجديدة مختلفة عن سياسة سابقتها، لجهة اللغة المستخدمة و»نوعية» المبعوثين إلى المنطقة.

ميتشل، الذي أنهى للتو جولة تمهيدية في الشرق الأوسط، استخدم لغة متناقضةً مع شروط نتنياهو وسائر أعضاء حكومته.

القمّة الأردنية-الأميركية جاءت على مرحلتين، أولاهما ذات مغزى، ذلك أنها انحصرت بالزعيمين في غرفة طعام البيت الأبيض. تلا اللقاءَ المغلق اجتماعٌ موسع في المكتب البيضاوي، بحضور مسؤولين من كلا البلدين.

عقب المحادثات، قال أوباما إنه يتوقع أن تُقدم إسرائيل والفلسطينيون على بوادر «لحسن النية خلال الشهور المقبلة»، مشيراً إلى أن «أفق عملية السلام ما زال قائماً».

وبينما دعا الجانبين إلى التراجع عن «حافة اليأس»، رفض الرئيس الأميركي «الخوض في تفاصيل ما يمكن أن تكون عليه مبادرات» السلام المنشودة. لكنّه أردف: «إن الأطراف في المنطقة تعرف جيداً ما هي الخطوات التمهيدية التي يمكن اتخاذها، كإجراءات بناء ثقة».

الحذر الرئاسي سيحمل مردوداً إيجابياً، إذا مهّد بهدوء لإجراءات عملية، مثل تأمين رعاية أميركية أو دولية للمفاوضات، وإذا قاد لتحديد مرجعية للمفاوضات، بخلاف النهج الإسرائيلي، القائم على تفاوض بغير سقف ودون رعاية خارجية وبلا مرجعية واضحة.

تنتظر واشنطن وصول نتنياهو والرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري حسني مبارك خلال أيار/مايو المقبل. وكان أوباما التقى العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز قبل أسبوعين على هامش قمّة العشرين في لندن.

عقب اجتماعه بأوباما، أجرى عبد الله الثاني محادثات في مقر الخارجية مع رئيسة الدبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون. كذلك التقى على مدى يومين رؤساء وأعضاء لجان مجلسي الشيوخ والنواب، وشهد ولادة «تجمع أصدقاء الأردن»، في الكابيتول هيل.

مصدر في الخارجية الأميركية، ذكر أن كلينتون تبحث في الأولويات التي «يطرحها الأردن وسائر الدول العربية بشأن كيفية إحضار الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، وفتح فصل جديد من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».

أما الوزيرة كلينتون، فجدّدت حرص إدارة اوباما على «البحث عن سلام ينجم عن الحل القائم على دولتين في الشرق الأوسط».

منذ اعتلى العرش العام 1999، عزّز الملك عبد الله الثاني علاقات المملكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، واختط بالتالي مساراً موازياً لنفوذ إسرائيل ولوبياتها، في توظيف مراكز الثقل هناك لمصلحة المملكة. في العام 2005، انضم الملك إلى القلائل بين زعماء العالم الذين تحدّثوا أمام مجلسي الشيوخ والنواب، حين ألقى خطاباً تمحور حول ضرورة تسوية القضية الفلسطينية، بعد عامين على تورط أميركا عسكرياً في المنطقة من خلال البوابة العراقية.

الملك وصف محادثاته في البيت الأبيض بـ»المهمة والمثمرة»، فيما أكد أوباما على «أهمية حل الدولتين، ودفع الطرفين إلى مفاوضات مباشرة وبأسرع وقت ممكن».

هذا التصريح يتناغم مع موقف الأردن، الذي يخشى أن تواصل إسرائيل شراء الوقت لحين استكمال بناء الجدار التوسعي وفرض حقائق جديدة على الأرض، حسبما يعلّق

مسؤول أردني سابق.

كوّة أمل

الملك تحدث أيضاً عن “الأمل الذي أعطاه الرئيس أوباما لمستقبل مشرق للجميع”. وقال: “الأميركيون لن يفعلوا ذلك وحدهم. فهم يحتاجون إلى دعم الدول العربية بما فيها الأردن. وسندعمكم في محاولاتكم الساعية لتحقيق السلام».

حمل عبد الله الثاني معه تفويضاً عربياً حيال القضية الفلسطينية استند إلى «ورقة أفكار» صاغها وزراء خارجية ستة دول عربية في عمّان، بحضور أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى.

المحلل السياسي فهد خيطان، طالب الإدارة الأميركية بـ»ترجمة التزامها بحل الدولتين إلى خطة عمل ملزمة لإسرائيل أولاً، ذلك أن الجانب العربي والفلسطيني يحمل التزاماً بالسلام وفق المبادرة العربية منذ سبع سنوات، لكنه لم يجد طيلة هذا الوقت شريكاً إسرائيلياً مستعداً لدفع ثمن السلام العادل على كل المسارات».

على أن انتزاع «التزام أميركي علني بخطة عملية ليس سهلاً»، يستدرك خيطان. فـ»هناك داخل الإدارة وخارجها من يحذر أوباما من التورط في صراع غير قابل للحل، وحجج أصحاب هذا الرأي قوية، وإسقاطها يتطلب جهداً دبلوماسياً مكثفا سيبدأه الملك بشرح مزايا النجاح في المنطقة، وأثرها الهائل في صورة أميركا لدى العالمين العربي والإسلامي”.

خط عمّان - واشنطن

ثنائياً، يرغب الأردن في الحصول على ضمانات أميركية، باحترام أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، في مواجهة محاولات حكومة إسرائيل الرامية إلى التنصل من التزامات السلام مع الفلسطينيين، بحسب ما يقول مسؤولون سابقون. يرفض الأردن لعب أي دور أمني أو سياسي في الضفة الغربية، التي قطع علاقته الإدارية والقانونية معها العام 1988.

اقتصادياً، يسعى الأردن إلى ضمان انسيابية الإسناد المالي الأميركي، رغم الأزمة النقدية التي تعصف بالولايات المتحدة. يرتبط البلدان بعلاقات إستراتيجية واتفاقية تجارة حرّة، كما تقدم واشنطن لعمّان زهاء نصف مليار دولار سنويا، منذ أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل العام 1994.

في شباط/فبراير الماضي، تلقى الأردن أولى دفعات المنح الأميركية هذا العام، قدرها 100 مليون دولار، وذلك لدعم الموازنة العامة، وتمويل مشاريع في حقول المياه، الصحة، التعليم ومكافحة الفقر.

تقول وزير التخطيط والتعاون الدولي سهير العلي إن الكونغرس يناقش حجم وأولويات المساعدات الأميركية للعام الجاري.

وتلفت إلى أن حجم المساعدات الاقتصادية والعسكرية يدور حول 660 مليون دولار.

في المحصلة، ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة لجهة قياس نوايا إدارة أوباما، وقدرتها على التحرك كلاعب مباشر يفرض على إسرائيل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بعد ثمانية أعوام من المماطلة تحت الإدارة الجمهورية.

ماذا بعد أول زيارة ملكية إلى واشنطن؟ الرهان على جدول زمني وآليات لفرض السلام
 
23-Apr-2009
 
العدد 73