العدد 72 - كتاب | ||||||||||||||
يسهل على المتابع حصر أعمال العنف المعلنة والموثقة رسمياً، بتقصي أخبارها في الصحف اليومية وعلى المواقع الإخبارية. وبوسع الصحف، لو شاءت، تخصيص زاوية ثابتة لوقائع العنف الفردي وشبه الجماعي، التي باتت جزءاً من معهود حياتنا. على أنه يصعب الوقوع على دراسات حول هذه الظاهرة، أو ما يشي باهتمام الدارسين والأكاديميين المتخصصين بما يشهده مجتمعهم ومحيطهم القريب من تفاعلات سلبية. بين السياسيين تفرد زكي بني إرشيد، وحذّر من استشراء هذه الظاهرة، وشمولها مؤسسات ومرافق اجتماعية تكاد تعزّ على الحصر، وقد احتسبها أمين عام جبهة العمل الإسلامي مظهراً لـ«فلتان أمني»، وأحال تفاقمها إلى تداعيات العولمة على مجتمعنا. وليس مفهوما لماذا تحل هذه التداعيات بيننا، ولا تظهر، على الأقل، بهذا الحجم في مجتمعات أخرى. مع ذلك يحسب للرجل ولحزبه فضل المبادرة، مقارنة بأحزاب أخرى لا ترى سوى التحديات الخارجية، ولا تضع رأسها إلا برؤوس الكبار في عالمنا، أما المشكلات الداخلية البنيوية فتستحق الالتفات لها حين تكون متعلقة بالمستوى الرسمي فقط، فيما لا تستحق مشكلات المجتمع نفسه إيلاء أي اهتمام أو تحليل، وذلك انطلاقاً من مقولة إن الناس (الجماهير) على حق دائماً، فلا يصح تبعاً لذلك إلقاء الضوء النقدي على الثقافة السائدة، ووفقاً أيضاً لمقولات كلاسيكية عفا عليها الزمن من نوع «إن الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة»، في إنكار لدور التعليم الرسمي والخاص، والإعلام غير الحكومي، علاوة على الدور المفترض للنخب و«الطلائع» في إشاعة التنوير والانتصار للتقدم. حين تابعت مواقع إخبارية منها على الخصوص موقع «عمون» الجمعة الماضية العاشر من نيسان/أبريل الجاري، وقائع تعريض الفتاة جيهان نفسها للمخاطر، حتى لو لم يكن لديها عزم جدي على وضع حد لحياتها، فقد لوحظ أن تعليقات عديدة على الخبر المصور المبثوث، كانت تتلخص في عبارة من نوع «الله لا يردها..». وهي تعليقات تكشف عن نظرة شائعة لحرمة الحياة البشرية، ولمدى التعاطف الإنساني الجماعي. وذلك خلافاً لثقافة «الطبقة السائدة» التي هب ممثلوها أو «أدواتها» لعملية إنقاذ محترفة تستحق الإعجاب والتقدير. في أماكن أخرى تنشب خلافات عائلية وغير عائلية، تستخدم فيها «الأسلحة النارية بكثافة» فيؤدي اقتناء السلاح «زينة الرجال» إلى استسهال استخدامه، ولا يرتفع صوت رسمي يشير إلى الحد من حيازة الأسلحة، وإلى تبيان مخاطره المتفاقمة، والتوجه نحو التشدد في تقييد استخدامه تحت طائلة العقوبات. أما قتل الفتيات على أيدي شبان يافعين، لا يلبثون أن يخرجوا من السجن بعد شهور، ويتم صرف النظر عن تأثير التحاق هؤلاء بالمجتمع مجدداً وسجلهم يشمل سوابق جرمية خطيرة. فهذا من الأخبار الروتينية التي لا تستحق التفاتاً، حتى لو كانت مجتمعات وبلدان محافظة أخرى، لا تسلك هذا السلوك، ولا تجيز لأحد أخذ القانون بيده أياً كان السبب أو الذريعة. هناك بيئة اجتماعية وقانونية تحتضن العنف وتسوغه، وتلتمس له الأعذار، والقبول الضمني بهذه الظاهرة يفضي إلى توليد المزيد منه. |
|
|||||||||||||