العدد 72 - كاتب / قارئ
 

من ينظر إلى القمة العربية الأميركية اللاتينية، التي احتضنتها الدوحة، يرى أنها جمعت دولا يسارية تقدمية جاءت عبر صناديق الاقتراع، وأممت ثرواتها الطبيعية، ووضعت حدا للشركات الأميركية والأوروبية المسيطرة على ثروتها، وخرجت عن طوع السياسة الأميركية وسيطرتها، وبين دول عربية جاءت إلى سدة الحكم عبر انقلابات عسكرية وتوريث السلطة وحكم شعوبها بالحديد والنار وهيمنة أميركية مطلقة على كل شيء. وهو ما يطرح سؤالا جوهريا: هل تمتلك الدول العربية سيطرة على إرادتها السياسية حتى تنشئ تكتلات اقتصادية وتجارية وسياسية خارج الإرادة الأميركية؟.

دول أميركا اللاتينية تمتلك القدرة السياسية على إنشاء أي تكتلات سياسية واقتصادية، أما الأطراف العربية فهي لا تنظر إلى هذه القمم أكثر من أنها تبادلية في مجالات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية لا تتجاوز المسموح به أميركيا وأوروبيا، وهي غير قادرة على إنشاء أي تكتل سياسي قد يُغضب الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، أو يتيح للنظام العربي تنسيق المواقف السياسية مع أميركا اللاتينية في قضايا سياسية داخل أروقة الأمم المتحدة والهيئات الدولية، والتوافق على بيانات سياسية مشتركة.

الطموح أن يرقى النظام العربي الرسمي إلى طموحات الشعوب، وأن تكون العلاقات الخارجية مبنية على لغة المصالح، وتقديم المصلحة الوطنية والقومية العربية فوق الاعتبارات السياسية والاقتصادية كما تنظر إليها الآن الدول اللاتينية التي يميل سلّم التبادل التجاري لصالحها.

يعود الفضل في ذلك إلى الرئيس الفنزويلي تشافيز، صاحب هذه الفكرة، وفي تغيير الوجه الحقيقي لأميركا اللاتينية نحو الأفضل، بعد أن استطاع وضع حد للفساد والبيروقراطية، وتأميم النفط والثروات الطبيعية لبلاده، وطرد الشركات الأميركية التي نهبت ثروات البلاد خلال العقود الماضية، والذي قام بدعم العديد من الدول اللاتينية وقادتها السياسيين والمنتخبين لتعزيز سلطة القانون والسلْم الأهلي، وبناء أميركا اللاتينية الجديدة، وهذا كان بحاجة إلى البحث عن علاقات اقتصادية وتجارية وثقافية وأسواق جديدة بدل الاقتصاديات القديمة المرتبطة بالولايات المتحدة وأوروبا، فكانت منطقة الوطن العربي التي تمتلك رأس المال الضخم والسوق الاستهلاكية والثروات الطبيعية والهموم المشتركة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء تكتلات اقتصادية وسياسية، وإقامة علاقات اقتصادية تجارية ثقافية متبادلة.

حيث عُقدت قمة البرازيل في العام 2005، وفيها تقرر رفع سلّة التبادل التجاري من 5 مليارات دولار إلى 23 مليار دولار، بحسب الخبراء الاقتصاديين، وهذا مؤشر إيجابي في الاتجاه الصحيح إذا ما أخذنا بحسن النوايا، والمصالح الاقتصادية والتجارية المتبادلة بين الطرفين، وتحديدا بعد انعقاد قمة الدوحة التي تعدّ قمة شكر وعرفان وامتنان لأميركا الجنوبية على وقوفها المشرف والداعم والمساند للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

قمة الدوحة مطالَبة عبر ما تمخضت عنه من قرارات، بتمهيد الطريق نحو إقامة تكتلات اقتصادية وتجارية، وتأسيس شركات مشتركة في جميع المجالات، وأن تكون هناك استثمارات متبادلة لتعزيز العلاقة وتسهيل فتح الأسواق وتعزيز التجارة البينية بين الدول العربية ونظيراتها في أميركا الجنوبية، وتأسيس مصارف مشتركة وخطوط بحرية وجوية، وتسهيل عملية الانتقال، وتهيئة الأجواء المناسبة للاستثمار.

فضلاً عن التواصل الثقافي والعلمي والأكاديمي، وبخاصة مع وجود أكثر من 20 مليون عربي مقيمين في أميركا اللاتينية، منهم من وصل إلى سدة الحكم، ومنهم من يتبوأ مراكز مهمة، وهذا يساعد في توطيد العلاقات الثقافية.

كما لا بد من إقامة تكتل سياسي لتنسيق الجهود والمواقف السياسية لدعم القضايا والهموم المشتركة، وتحديدا القضية الفلسطينية.

زياد اللهاليه

قمة الضعفاء أم الأقوياء ؟
 
16-Apr-2009
 
العدد 72