العدد 72 - احتباس حراري
 

تمهيدا لاجتماعات مناخية كبرى دعت إليها الولايات المتحدة أخيرا، بدأت منظمات عديدة بالتحرك لعرض مطالبها على دول تمثل أكبر 16 اقتصاداً في العالم تجتمع آخر نيسان/إبريل الجاري.

منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، حثت صُنّاع السياسات الدولية على إدراج الزراعة في صُلب المفاوضات الجارية من أجل توقيع معاهدة جديدة بشأن تغيُّر المُناخ لكي تحل مَحلّ معاهدة كيوتو التي تعود إلى العام 1997.

المدير العام المساعد لدى المنظمة أليكساندر مولِِر، قال: «إن الأراضي الزراعية بما لها من قدرة على اختزان الكربون وامتصاصه من الأجواء، تؤكد ضرورة أن يشارك المزارعون الذين يعيشون على فِلاحة أراضيهم، وبخاصة في البلدان الفقيرة، في جهود احتجاز الكربون وامتصاصه من أجل التخفيف من آثار تغيُّر المُناخ». وأوضح أن الزراعة مسؤولة اليوم عن 14 في المئة من مجموع غازات الاحتباس الحراري المُنطلقة في الأجواء، بينما يُعدّ تغيير استخدامات الأراضي، مثل إزالة الغابات، مسؤولاً بدوره عن 17 في المئة إضافية من كميات هذه الغازات.

وأضاف: «عبر مساهمة الزراعة في إطلاق الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، لا محالة أن يصبح المُزارعون وأسرهم، وبخاصة في البلدان الفقيرة، ضحايا لسياق تغيُّر المُناخ مع تفاقُم أوضاع معيشتهم وتفشّي المزيد من الجوع وسوء التغذية في صفوفهم. وستواجه المجتمعات المحلية الريفية المعتمِدة على النشاط الزراعي في مناطق البيئة الهشّة أخطاراً فورية لبوار المحاصيل وخسارة الماشية بوتيرةٍ متزايدة. أما أكثر من سيواجهون تلك الأخطار فهي المجموعات السكانية التي تقطُن المناطق الساحلية، والسهول الفيضية، والجبال، ومناطق القطب الشمالي».

وأكد مسؤول المنظمة أن الزراعة لهذه الأسباب، «من الضروري أن تُدرَج على جدول أعمال المفاوضات العالمية الجارية بصدد تغيُّر المُناخ... إذ إن آليّات التمويل المتاحة حالياً في إطار معاهدة كيوتو لا تسمح بتسخير سوى جزءٍ ضئيل من إمكانيات الزراعة في التخفيف من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري... ولذا فهي غير كافية».

ينجُم عن أنشطة الإنتاج الزراعي وتربية الماشية انطلاق غازات مُسبِّبة لارتفاع درجات الحرارة في أجواء الكرة الأرضية، مثل الميثان من الماشية، وعلى نحو خاص أيضاً من حقول الأرز، وغاز أكسيد النيتروز من استخدام الأسمدة، والكربون من تدهور قوام التربة وأنشطة قطع الغابات وإزالتها. وتؤدي التغييرات في استخدامات الأراضي، مثل إزالة الغابات وتدهور قوام التربة، بوصفهما أشدّ التأثيرات تدميراً ضمن الممارسات الزراعية غير المُستدامة، إلى إطلاق كمّياتٍ كبيرة من الكربون في الأجواء، ما يؤدي إلى تفاقُم ظاهرة الاحتباس الحراري.

نتيجةً لتزايُد الطلب على الغذاء، وتغيُّر العادات الغذائية ونُظم الحِمية، من المتوقع أن يتواصل انطلاق غازات الاحتباس الحراري من الزراعة، في غضون العقود القادمة بوتيرةٍ متزايدة.

في هذا السياق يقول مولِر: «الملايين من المزارعين حول العالم يمكن أن يصبحوا وكلاء للتغيير بالمساعدة على خفض غازات الاحتباس الحراري، إذ بوسعهم من خلال مواصلة الاحتفاظ بالمستويات المرتفعة للكربون في التربة -أو ما يُعرف علمياً باسم «احتجاز الكربون»- أن يقدّموا مساعدة قيّمة في خفض مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وتحسين مرونة التربة وقدرتها على تحمُّل الإجهاد البيئي، وكذلك زيادة غلة المحاصيل».

من الخيارات المُتاحة: الحدّ من ممارسات قلْب التربة، وزيادة المحتوى العضوي للتربة، وتحسين غطائها، وتحسين إدارة الأراضي العُشبية، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، والتشجير، وتعديل الأعلاف، والتنويع الوراثي الحيواني المحسَّن، ورفع كفاءة استخدام الأسمدة، والنهوض بإدارة موارد التربة والمياه، وبخاصة محصول الأرز، وذلك على سبيل المثال لما يمكن أن يقدّمه المزارعون من خدمات لتقليص إطلاق كميات غازات الاحتباس الحراري من القطاع الزراعي.

خبير المنظمة أكد أن ثمة حاجة إلى «استثمارات هائلة في الزراعة لتغيير سُبل الإنتاج غير المُستدام، وتدريب المُزارعين على أساليب وممارسات التخفيف من آثار تغيُّر المُناخ، وتحسين منافذ الحصول العام على التمويل وعلى المعلومات». وأضاف أن هذه الاستثمارات «ستجعل الزراعة أكثر مرونة في الاستجابة لتغيُّر المُناخ، وفي الوقت نفسه سوف تحسّن الإنتاجية الزراعية على أسسٍ مُستدامة، لتُساهم في المحصّلة النهائية في النهوض بالأمن الغذائي، والحدّ من الفقر».

وأكد أن «ترتيبات التمويل العالمية الراهنة، مثل آليّة التنمية النظيفة في إطار معاهدة كيوتو، غير كافية، ولا تتيح حوافز للمزارعين من أجل المشاركة مباشرةً في التخفيف من تغيُّر المُناخ والتكيّف لآثاره».

على سبيل المثال، فإن احتجاز الكربون في التربة، كوسيلة يمكن من خلالها تسخير نحو 90 في المئة من طاقات الزراعة الكامنة للتخفيف من تغيُّر المُناخ، ليس مدرجاً ضمن آليّة التنمية النظيفة بموجب معاهدة كيوتو.

من جهةٍ ثانية، تُتيح «أسواق الكربون» حوافز قوية للتمويلَين العام والخاص من جانب الُبلدان الصناعية لحَفز عمليات خفض إطلاق الكربون من القطاع الزراعي لدى الُبلدان النامية، ويمكن أن توفِّر استثمارات لا يُستهان بها لدفع عجلة التنمية الريفية والزراعية المُستدامة في العالم النامي.

منظمات تتحرك قبل اجتماعات واشنطن للمناخ الزراعة تقلّص غازات الاحتباس
 
16-Apr-2009
 
العدد 72