العدد 72 - حريات
 

محمد شما

في الواحد والعشرين من آذار/مارس الماضي، ترشحت نعمة الحباشنة لطلب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» العربي للمشاركة في فترة خاصة عن الأمهات العربيات بمناسبة «عيد الأم»، وكانت الحباشنة من بين السيدات اللواتي تم اختيارهن من بين سيدتين اثنتين للحديث.

«تحدثت عن المصاعب التي تواجه الأم الأردنية المتزوجة من غير أردني، وقد تمنيت على الحكومة أن تمنح الأردنية حقها في منح أولادها الجنسية الأردنية وأقل القليل أن تراعي الخلاف بين الدستور وقانون الجنسية».

لا تدخر الحباشنة المتزوجة من غير أردني ولديها خمسة أبناء وقتاً، إلا وتبحث فيه عن قنوات مختلفة للتعبير عن ما تعانيه من «إشكالات» تتعلق بتبعات إقامة أبنائها في الأردن دون جنسية أردنية والتعبير صراحةً عن المخالفة القانونية للدستور.. «تحدثت مرارا عبر إذاعات وتلفزيونات وصحف لأذكر من ما أعانيه وتعانيه سيدات يشابهني في الحال».

تنص المادة السادسة فقرة (أ) من الدستور الأردني..(الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين) و(تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين). فيما حصرت المادة الثالثة من قانون الجنسية الأردنية حق منح الجنسية الأردنية لأبناء الذكر فقط، «من ولد لأب متمتع بالجنسية الأردنية» ليخالف قانون الجنسية الأردنية الدستور الأردني.

فالأصل في نص المادة في الدستور «أردني» وتعني «ذكرا كان أم أنثى» دون تفصيل للجنس، غير أن قانون الجنسية الأردنية وفي تعديلاته للعام 1954 جرد الأردنية حقها في منح جنسيتها لأبنائها. كلمة (أردني) تعني كل شخص حاز على الجنسية الأردنية بمقتضى أحكام هذا القانون.

المحامي ربيع حمزة يرى أن هناك «شبهة مخالفة دستورية» في النص القانوني الذي «يميز بين الذكر والأنثى» ويخالف المادة السادسة «فالقانون يجب أن يطبق على الجميع بالتساوي».

تطالب الحباشنة والتي تقيم شبكة علاقات اجتماعية مع العشرات من السيدات الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين من السلطة التنفيذية بـ«تفسيرٍ جاد» حول «التمييز الواضح» بحقهن.

على أن الأردن ملتزم بالعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة كافة وأيضا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالتعارض مع ما وقعه ينشأ في حال لم تمنح الأردنية حق منح الجنسية الأردنية.

«ما دام الأردن ارتضى أن يصادق عليها وينشرها في الجريدة الرسمية ويوجب على السلطة التنفيذية تطبيق أحكام هذه الاتفاقيات والمواثيق على كافة المواطنين، إذاً، لما لا تقوم بتطبيقه، هي الآن، بدل أن تخالف تلك الاتفاقيات التي صادقت عليها، وهذا يرتب على الحكومة إلغاء مواد في القوانين تتعارض مع نصوص تلك الاتفاقيات والعهود»، يقول الناشط الحقوقي فوزي السمهوري.

يفسر الميثاق الوطني في مادته الثامنة أن (الأردنيون رجالا ونساء أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين. وهم يمارسون حقوقهم الدستورية ويلتزمون بمصلحة الوطن العليا وأخلاق العمل الوطني، بما يضمن توجيه طاقات المجتمع الأردني وإطلاق قدراته المادية والروحية لتحقيق أهدافه في الوحدة والتقدم وبناء المستقبل).

بهذا التوضيح تكون السلطة التنفيذية ملزمة بتطبيق قانون الجنسية –وفق السمهوري- باختصار أن أبناء الأردنية المتزوجة من غير أردني هم أردنيو الجنسية حكماً.

يعود صدور الميثاق الوطني إلى التاسع من نيسان 1990، حيث صدرت الإرادة الملكية بتشكيل اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني، وكان الراحل الملك الحسين أطلق قبل ذلك فكرة الميثاق وحدد الهدف والغاية منها، وضمت اللجنة ستين عضوا برئاسة أحمد عبيدات.

الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة كافة تلزم الدول بضرورة إيجاد ضمانة لحقوق المرأة، فما دام أن للرجل الحق في منح الجنسية لزوجته العربية بعد 3 سنوات والأجنبية بعد 5 سنوات، إذاً، ينبغي أن يكون هناك حق المساواة بين الرجل والمرأة بعد مضي المدة القانونية المنصوص عليها بالقانون.

يرى الحقوقي السمهوري أن ما يحدث الآن «هو غياب إرادة حقيقية لدى السلطة التنفيذية لضمان حقوق المرأة وفقاً للدستور الأردني والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، وعليه فهناك انتهاكات صارخة بحق المرأة الأردنية».

النائب السابق حمادة فراعنة، يُقر بتعارض قانون الجنسية مع المبادئ الدستورية، ويقول «المشرع وضع قيماً ومفاهيم ومعايير الدستور لمراعاة مصلحة المواطن لا أن تكون عقِاباً عليه، فالأصل هو المساواة بين الأردنيين بصرف النظر عن الديانة والعرق».

«الخلل» كما يراه فراعنة يكمن في «الحكومات المتعاقبة» التي تحكم صياغة القوانين. ومن هنا تطاولت الحكومات المتعاقبة على القيم الدستورية ولم تتجاوب معها. ويوضح فراعنة أن الأسباب تكمن في «غياب الديمقراطية ردحا من الزمن وسيادة الأحكام العرفية»وأيضا «قوانين انتخاب صاغت مجالس نيابية تفتقد الإدراك المطلوب في فهم الدستور وتوجهات المشرع الأردني بما يتلاءم مع قيم العصر».

العين السابق أسامة الملكاوي، يرى أنه ينبغي الأخذ بأبعاد القضية «فلا أحد يرفض مساواة المرأة بالرجل، لكن هذه المساواة محكومة دوما بالمصالح العليا. ويجب أن لا ينظر إلى قانون الجنسية على أنه حق الإنسان في الحصول على حقوق معينة، فحق منح الجنسية الأردنية يتعلق بحق سيادة الدولة، ويجب أن ينظر للموضوع ببُعد وشمولية وبحاجة إلى تقييم.

يوضح العين الملكاوي أن مهمة الدستور والقوانين «حماية الكيان العام للدولة»، وبناء عليه «تتغير وفقا للاحتياجات» متحدثا بمثال أنه «لا يجوز أن يكون حق الزوجة وسيلة لعمل يشبه الاتجار من حيث وجود حالات تقوم بالزواج للتمتع باللجوء الإنساني مثلاً».

بينما ترى الناشطة الحقوقية والمحامية مرام مغالسة أن حق المرأة الأردنية «أصيل» ويأتي بعد حق الحياة..مستذكرة توقيع الأردن على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي ضوء التزامه بذلك «على الحكومة أن تعطي المرأة حقاً موازياً وتصادق على الدستور مثلها مثل الرجل تماماً».

يرى ناشطون حقوقيون في الدستور الأردني الذي صيغ العام 1952 أنه كان أكثر تقدمية وعصرية واستجابةً لمصالح الأردنيين من تطبيقات الحكومات وتوجهاتها القانونية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

بل إن المحامي أنيس القاسم يرى أن قانون الجنسية الأردنية «متقدم» بالنسبة لمعايير حقوق الإنسان؛ «فتجريد الجنسية الأردنية من الأردني لا يتم إلا بمصادقة من الملك والمقصود من ذلك هو وضع قيود كبيرة على تجريد الأردني من جنسيته، لكن الحكومات هي التي تتحكم بذلك، ومن هنا يفقد القانون ميزته».

في العام 2008 استقبل المركز الوطني لحقوق الإنسان، خمساً وأربعين شكوى تتعلق بحق الجنسية بينها 12 شكوى سجلت لنساء. غير أن الرقم مرشح للازدياد مع إحصاءات رسمية صادرة عن دائرة الجوازات العامة،تشير إلى أن الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين يتجاوزن 53 ألفا.

يذكر النائب فراعنة مساعي الملكة رانيا العبدالله العام 2002 وخلال يوم المرأة العالمي لإرساء مناخ مناسب في المساواة بين الأردني والأردنية في الحقوق والاستحقاقات والدفع باتجاه تنظيم هذا الفهم، لكن ما حدث على أرض الواقع أن «القوى الطاردة والنافذة في المجتمع وقفت ضد المعايير وتوجهات الملكة، وفرضت قيماً محافظة في المجتمع الأردني تتنافى مع الدستور».

يدعو الفراعنة المتمسكين بالمعايير الدستورية إلى «النضال المتواصل والدؤوب» من أجل وضع حد لما أسماه «اتجاهات رجعية متخلفة» في أذهان البعض، والى الانتصار للقيم النبيلة التي تساوي بين الأردنيين ذكورا وإناثاً.

بينما يتحدث العين الملكاوي عن إمكانية «دراسة الجنسية» وإعادة النظر فيها «وفقا للظروف العامة للدولة» وفي تقديره «أن الوقت الحاضر ليس هو الوقت الملائم لإجراء مثل هذه التعديلات».

السلطة التنفيذية تفتقر “الإرادة” “قانون الجنسية” يخالف الدستور ويجرّد أردنيات من حقوقهن
 
16-Apr-2009
 
العدد 72