العدد 72 - دولي | ||||||||||||||
ستيفن غلين الأسبوع الماضي، شاهدت واشنطن أول إشارات الربيع، فقد عقد المهرجان السنوي الأول لإزهار الفروالة، حين تسربلت المدينة بغلالة وردية رقيقة، وكأنها تحهز نفسها لحفل زفافها. وكان هناك أيضا الإعلان عن ميزانية وزارة الدفاع، التي تشبه مجموعة من الكلاب الضالة التي يتشمم أحدها الآخر متوقعا معركة كلبية حقيقية. إنه طقس مألوف، فقد كشف وزير الدفاع عن قائمة بأسلحة قديمة مكلفة ظل يحاول هو وسلفه لسنوات إخراجها من القائمة، لكن رجال القانون تراجعوا معلنين أن أرفع موظف في وزارة الدفاع ليس إلا “مرشحا منشوريا” مبرمجا على نزع سلاح أميركا، وفيما ينتظر متعهدو الدفاع أن يمر الأمر بسلام، يعمل وكلاؤهم في البنتاغون على إقناع السياسيين من أعضاء الكونغرس بذلك. وقبل أن تعرف محتويات القائمة فإنها تخفض من خلال بعض الاستقطاعات الطفيفة ويعود كل شيء مثلما كان دائما في “القلعة الأميركية”، وهذا، بالمناسبة، هو اسم مخزن للهدايا في “مول” في قبو البنتاغون. وللإنصاف، فقد يكون هناك بعض التغييرات هذا العام، فوزير الدفاع روبرت غيتس، وهو شخصية تتمتع باحترام كبير بسبب عدم تحيزه وليونته المطمئنة في مدينة تعبد الشخصيات الشهيرة، يستهدف تشكيلة جيدة من برامج التسلح التي لا حاجة لها. فهو سيلغي، أو يخفض عدد طائرات إف 22، ونظام الدفاع الصاروخي المستلهم من سياسة بوش، ونظام الصراع المستقبلي، لإيراد أسماء قليلة فقط. مثل هذه الأسلحة العجيبة المكلفة اعتبرها خبراء عسكريون جديون قديمة وغير مجدية، ورحبوا بمقترحات غيتس كثيرا. لكن هذه ليست سوى البداية، فطائرات قديمة مثل إف 22 – التي تكلف الواحدة منها نحو 140 مليون دولار، ولكن مازال عليها أن تستخدم أثناء القتال – وضعت مرات عديدة تحت سكين الميزانية القاطعة، لتبعث من جديد على أيدي رجال القانون في الكابيتول هيل. وفي واقع الأمر، فإنه كلما كبرت صفقة تطوير الأسلحة وكانت أكثر تكلفة، كلما كان من الأصعب أن تقتل. وقد أصبح متعهدو الدفاع – لوكهيد مارتن، بوينغ ونورثروب غرومان وغيرها – على درجة من المهارة في نشر مصانع الأسلحة في جميع أرجاء البلاد، وهو ما يجعل المنطقة كلها تعتمد في صورة كبيرة على مواقع إنتاجها. أما السياسيون، فهم يشجبون غيتس على تهديده بزيادة معدلات البطالة المتصاعدة سوءا، بميزانية قد تغلق بعض خطوط التجميع الرئيسية. قد يدرس البعض تحرك الاقتصاد من خلال إنتاج الأسلحة – في مقابل، بناء الطرق والمدارس أو المستشفيات مثلا – أمرا شاذا، ولكن ما هو أكثر شذوذا، هو عادة واشنطن في اختلاق التهديدات لتشريع نفقات تسلح باهظة (أو غزو دول عربية)، ومعظم الحكومات تطور أسلحة لتناسب التهديدات التي تتعرض لها. ولكن الأمور في واشنطن تجري بطريقة معاكسة، فقد كتب في صفحة الرأي بصحيفة وول ستريت جورنال الرجعية اليمينية، بعض الخبراء الرجعيين من معهد المشاريع الأميركي اليميني، محذرين من أن تخفيض عدد طائرات إف 22 – والتي تسمى بحق “الجارح”، وهو حيوان ثديي منقرض – من شأنه أن يقوض التفوق الجوي الأميركي. ولأنه ليس هناك من طيار حربي على قيد الحياة اليوم يوافق على الدخول في معركة مع مقاتلة أميركية حتى لو كانت قديمة، فقد كان على الكتاب الجالسين في مكاتبهم، أن يحددوا أمما يمكن أن تشكل تهديدا ذا صدقية للهيمنة الأميركية – في البر والبحر والجو – خلال نصف القرن المقبل، ناهيك عن دورة الميزانية المقبلة. الصين كانت بالنسبة لهم المثال الأفضل في هذا المجال. هذا يعني جمهورية الصين الشعبية، التي يأتي ترتيبها 107 في قائمة البنك الدول من حيث دخل الفرد، فهي تواجه كثيرا من التحديات الداخلية، ما يجعلها تحافظ على معدل نمو سنوي لاقتصادها لا يقل عن 7 في المئة، لإبقاء شعبها في المصانع والشوارع. ولتحقيق مثل هذا النمو، من المحتم عليها الاعتماد على أسواقها التصديرية، وأكبرها سوق الولايات المتحدة. ولنكن أكثر تحديدا، فإن بيجين لديها احتياطي من العملات الأجنبية يناهز ثلاثة ترليونات دولار، وواشنطن هي الدائن الأكبر، فإذا ما أرادت القيادة الصينية حقا تركيع أميركا، فما عليها سوى أن ترفع سماعة الهاتف وتبلغ البنك المركزي في البدء ببيع الدولارات، و هذا سيؤذي الصين أيضا مثلما يؤذي الولايات المتحدة، لكنه سيكون عندئذ، تدريبا أرخص بكثير على التدمير الذاتي منه شنا لحرب عبر المحيط الهادي. وكما أوضحت الأزمة المالية الراهنة بجلاء، فإن الولايات المتحدة والصين مرتبطتان في صورة معقدة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، صحيح أن المصالح الصينية الأميركية تتقاطع بطريقة أو أخرى، ولكن مصالحهما المشتركة في عالم مستقر اقتصاديا أمر متبادل ولا يمكن مقاومته، ومحاولات وضع الصين فوق بؤرة زلزال حرب باردة جديدة يشير إلى مدى يأس العسكريين الأميركيين من حل مشكلة الأسلحة القديمة. يفهم غيتس تماما أن سوق الأسلحة الأميركي بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لم يعد قابلا للاستمرار، فبنفقات تزيد بنحو 544 بليون دولار على نفقات العام السابق، تعادل ميزانية الدفاع الأميركية نحو نصف ما ينفقه العالم أجمع على الأمن. وعبء شهية واشنطن للنفقات العسكرية، لا ينتهي بالبنتاغون، ففي الوقت الذي تحسب فيه نفقات الحروب في العراق وأفغانستان، فإن الأموال اللازمة لوزارة الطاقة لصيانة وتخزين ترسانة أميركا النووية، وتكاليف صيانة وتأمين السفارات الشبيهة بالقلاع، وموازنات شؤون المحاربين القدماء، وإدارة الطيران الوطني والفضاء، ووكالات المخابرات العديدة في البلاد، ونفقات أخرى متصلة بالأمن – إضافة إلى الاهتمام بخدمة حصتهم في الجانب الدائن من اقتصاد أميركا– فإن فاتورة الحفاظ على أمن الولايات المتحدة من أعدائها، الحقيقيين والمخترعين، يصل إلى نحو 900 بليون دولار. |
|
|||||||||||||